حيفا ـ فراس خطيب
مع إصدار الصحافي الإسرائيلي شلومو سيغف، كتابه الجديد يوم أمس، تحت عنوان «العلاقة المغربية»، تنكشف سلسلة جديدة من العلاقات المغربية ـ الإسرائيليّة السرية، استناداً إلى أرشيف جهاز «الموساد»


أجرى محلّل الشؤون الاستخبارية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين برغمان، قراءة في كتاب «العلاقة المغربية»، الذي يكشف عن تعاون إسرائيلي مغربي منقطع النظير في المساعدة التي قدّمها الموساد للملك الحسن الثاني من أجل اغتيال قائد المعارضة مهدي بن بركة ودفنه تحت إحدى العمارات في باريس. كما يتطرّق إلى مساعدة المغرب لإسرائيل في التوسّط مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بالإضافة إلى سعي الموساد لتزويد المغرب بالأسلحة والمعدات والاستخبارات في حربه مع الجزائر.
يسرد الكتاب قصّة العلاقات من أوّلها؛ بدأت عام 1955، حين قرّر الموساد «حماية يهود المغرب»، تمهيداً لإخراجهم إلى إسرائيل، التي أمر رئيس حكومتها الأول، دافيد بن غوريون، رئيس الموساد، إيسار هارئيل، بإقامة شبكة عمليات داخل المغرب. أطلق عليها اسم «مسغيرت» (إطار) وعيَّن شلومو حافيلوف قائداً لها واتخذ من باريس مقراً له.
في خضم عملية الهجرة، يكشف الكتاب عن اقتراح قدّمه أحد أفراد «الموساد» في المغرب لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر أثناء زيارةٍ له إلى هذا البلد في كانون الثاني عام 1961، بواسطة عبوة ناسفة في سريره أو إرسال مزهريّة له تحتوي على عبوة ناسفة. إلا أنَّ هارئيل، رفض الفكرة مبدئياً، وخاف من إشراك يهود المغرب بمثل هذه الخطة، وكان مقتنعاً بأنَّ محاولة «اغتيال ناصر ستفشل، ويهود المغرب سيدفعون الثمن».
لكنّ زيارة عبد ناصر انتهت بـ«دراما من نوع آخر»، كما يشير الكتاب، حيث تمّت عملية تهجير 64 طفلاً يهودياً مغربياً إلى إسرائيل. ونُفِّذت الحملة أثناء استقبال الرئيس المصري. ففي اليوم الذي وصل فيه إلى الدار البيضاء، وقف آلاف المغاربة لاستقباله على جانبي الطريق، وكان من بينهم 64 يهودياً ارتدوا ملابس مغربية تقليدية. اعتقد المغربيون أن هذا كان جزءاً من الاستقبال، ونجحت الخدعة الإسرائيلية. وفي مرحلة معيّنة، وصل الأطفال من خلال مسيرتهم إلى نقطة التقاء مع سيّارات تابعة للموساد الإسرائيلي، نقلتهم إلى سفينة صغيرة، ومن بعدها نُقلوا إلى باخرة ضخمة على مقربة من الشاطئ، نقلتهم بدورها إلى مرفأ مارسي، ومن ثم إلى إسرائيل.
وفي أعقاب تلك القضية، حاول الإسرائيلون التوصل إلى اتفاق مع الملك محمد الخامس، ينص على هجرة اليهود من المغرب سراً. ويذكر الكتاب أنه في عام 1960، التقى نائب رئيس الموساد يعكوف كروز وعدد من الشخصيات الإسرائيلية مع المعارض المغربي مهدي بن بركة المنفيّ. طلب بن بركة من الإسرائيليين مساعدة مادية لخدمة مواجهته القصر الملكي، في مقابل وعد بن بركة بتأمين «حرية حركة وهجرة اليهود» من المغرب. أبلغ أفراد الموساد، بحسب الكتاب، المستوى السياسي في إسرائيل بالاتفاق، وأمر بن غوريون إعلام الحسن الثاني بالتفاصيل. وقالت الصحيفة إن ولي العهد المغربي «لم ينسَ لإسرائيل هذا بعد صعوده إلى الحكم».
وفي خلال إحدى جولات المحادثات مع رئيس الموساد، قال الجنرال محمد أوفكير ونائبه أحمد دليمي إن المعارض بن بركة يريد إطاحة الملك، طالباً مساعدة الموساد «من أجل إخراجه من اللعبة»، في إشارة إلى تصفيته.
غير أنّ رئيس الموساد مئير عاميت لفت إلى أنّ إسرائيل لا تساعد في «تصفية خصوم سياسيين» لكنها ستساعد المغرب بشكل «غير مباشر» في «إطار التعاون المقبول بين الدولتين».
لم يجد أوفكير ودليمي أي خيط للعثور على بن بركة الذي تنقّل بين دول كثيرة واتخذ وسائل الحماية اللازمة. وقد أسهم الموساد في القيادة إلى طرف خيط للعثور عليه.
وعرف عملاء الموساد عنوان المعارض المغربي في جنيف السويسرية، وأعطوه إلى المغربيين الذين راقبوه في منفاه بشكل متواصل إلى أن «ظهر الهدف».
وفي السياق، استعان المغربيون بخدمات الصحافي الفرنسي جورج بيجون، حيث وافق على أن «يغري» بن بركة. واقترح بيجون على الأخير أن ينتج عنه فيلماً عن «نشاطه المركّب» في دول العالم الثالث. وافق بن بركة والتقى بيجون وكان اللقاء نهاية لحياته في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1965، حين وقع في الشرك، واختطف في باريس، حتّى أُبلغ عاميت اشكول في الخامس من تشرين الثاني بتصفية بن بركة.
وتفاصيل العمليّة يفرد لها الكتاب جزءاً مهمّاً: تبيّن أنّ بن بركة وصل إلى باريس من جنيف عندما كان بحوزته جواز سفر دبلوماسي جزائري. وضع أغراضه في منزل صديقه اليهودي المغربي جو أوحانا، ومن هناك توجه إلى مطعم «براسري ليب»، الواقع على الضفّة الشمالية لنهر السين. كان عليه أن يلتقي الصحافي الفرنسي، لكن قبل وصوله، اختُطف على أيدي شرطيَّين فرنسيين بلباس مدنيّ اقتاداه إلى فيلا جنوب باريس.
وكان دليمي وعدد من مساعديه في الفيلا. ويقول الكتاب، إنّه كما يبدو فإن دليمي «لم يقصد قتل المعارض المغربي، وأراد اجتثاث اعتراف بأنه تآمر من أجل إسقاط النظام». لكن عندما ركع بن بركة على ركبتيه، أغرق دليمي رأسه في وعاء ماء. وفي مرحلة ما ضغط كثيراً على شريان عنقه ومات.
دُفن بن بركة سراً في باريس تحت عمارة قيد البناء. وقد راقب أوفكير عملية الدفن كي لا تترك أية آثار. وأثارت القضية غضب الرئيس الفرنسي شارل ديغول بسبب تورّط فرنسيّين، وهو ما دفع سيّد الإليزيه إلى إقالة عدد من عناصر الاستخبارات، وطالب بإقالة دليمي وأوفكير من منصبيهما.
بعد ذلك، كشف المدعو أليكس غاتمون عن نفسه أمام السلطات المغربية على أنه وكيل للموساد، وطالب ببحث قضية المهاجرين اليهود. عندها، نُظِّمت له لقاءات مع ستة مبعوثين من الملك. أجريت اللقاءات في المغرب وفرنسا وسويسرا. وطالب المبعوثون من غاتمون وقف عملية هجرة اليهود حالياً لأنها «تسبب حرجاً للملك المغربي».
وبالتزامن مع هذه الأحداث، طُرحت قضية التعويضات المالية التي ستدفعها إسرائيل في أعقاب هجرة اليهود للمغرب. وفي نهاية المطاف، اتُّفق مع المسؤول عن الخدمات الاستخبارية السرية في المغرب محمد أوفكير. وقد دفع الإسرائيليون 250 دولاراً في مقابل كلّ يهودي مغربي مهاجر، أي نحو 20 مليون دولار في مقابل 80 ألف يهودي.

توطيد العلاقات

يشير الكتاب إلى أنّ العلاقات بين إسرائيل والقصر الملكي لم تنته بعد عملية هجرة اليهود. على العكس من ذلك، بدأ بين الدولتين تعاون منقطع النظير. فعلى سبيل المثال، عندما طلب المغرب من الإسرائيليين المساعدة لإقامة وحدة حراسة الشخصيات، سافر يوسيف شاينر، الحارس الشخصي لبن غوريون، إلى المغرب، وقدّم دورة عسكرية للمغاربة.
ويضيف الكتاب، أنه في عام 1963، مع اندلاع الحرب بين المغرب والجزائر، وعندما وصلت إلى الجزائر وحدة عسكرية مصرية ساعدت المقاتيلن الجزائريين، قرَّر عاميت أن يقترح على المغرب «مساعدة عسكرية». دخل عاميت بواسطة جواز سفر مزيف إلى المغرب، والتقى أيضاً بمحمد أوفكير. قال له الجنرال المغربي: «سمعت كثيراً عنك، أنا معجب بدولتكم، وأحترمكم لقوة قلبكم».
عقد اللقاء مع الملك بعد يوم واحد من وجود عاميت في المغرب، في مراكش، حيث تحدث الملك حسن الفرنسية. التقى الاثنان عشر مرات تقريباً، وكان التعاون «مفيداً للطرفين». واستفاد المغاربة من مرشدين إسرائيليين في سلاح الجو الإسرائيلي، الذين دربوا طيارين مغاربة.

لقاء الحسن ـ رابين

يلفت سيغف في كتابه، إلى أنه في عام 1973، أبلغت الاستخبارات في هيئة الأركان المغربية، رجل الموساد رافي ميدان نية الملك حسين، إرسال قوة رمزية إلى سوريا لدعم الرئيس حافظ الأسد. عندها أعلم ميدان الإسرائيليّين. وقد حذّر رجال الأمن المغربي، نظراءهم الإسرائيليين من أن مصر وسوريا متّجهتان نحو الحرب. لكن الإسرائيليين «لم يعالجوا المعلومة».
في عام 1975، بدا رئيس الحكومة إسحق رابين بالتفتيش عن «آفاق» لمبادرات في العالم العربي. واقترح رئيس الموساد، إسحق حوفي، لقاءً مع ملك المغرب. والتقى الحسن مع رابين في التاسع من تشرين الأول عام 1976، بمرافقة رئيس الموساد والسكرتير العسكري.
أجرى الرجلان محادثات، أعرب خلالها الحسن عن قلقه من «التطرّف الحاصل في العالم العربي»، ومن صعود «الإسلام المتطرف» في مصر، وإذا لم يحصل تقدّم ملموس للتوصل إلى تسوية بين مصر وإسرائيل، فمن شأن هذا أن يعيد الرئيس أنور السادات «إلى حضن الاتحاد السوفياتي»، ناصحاً رابين بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومشدّداً على أنه من دون حل للقضية الفلسطينية، لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط.
وقبِل رابين تحليل الملك، وأعطاه ورقة عليها سؤالان موجّهان إلى السادات: ماذا يطلب السادات في مقابل سلام شامل؟ وماذا يطلب في مقابل سلام جزئي؟ وخلال سنوات، عمل الموساد على تلقّي إجابة واضحة عن السؤالين، والتقى في عام 1977 مع الملك حسن ونائب رئيس الحكومة المصرية محمد حسن التهامي. وتقرر لقاء بين التهامي ووزير الخارجية الإسرائيلي في حينه موشيه دايان، وهو ما حصل حين سافر دايان إلى باريس في 16 أيلول من عام 1977، ومن هناك إلى الرباط، ليعقد اجتماعاً دام 4 ساعات مع الملك. وبعد شهرين من الاجتماع، أعلن السادات أنه سيزور القدس المحتلة.