حيفا ـ فراس خطيب
تذكّر العالم مدينة اللدّ بعد رحيل ابنها «حكيم الثورة» الفلسطينية جورج حبش. وخبر الرحيل ليس وحده المأساوي، ففي هذه المدينة عشرات من فلسطينيي 48 صدرت أحكام قضائيّة بهدم منازلهم بحجّة مرور سكّة حديد فيها، وسط مخاوف من أن يكون الهدف الحقيقي هو «تهويد المدينة»

لا يعرف قفطان الوحواح، من سكّان مدينة اللدّ، من أين يبدأ الحديث حين تسأله عن حاله. ينتقل من موضوع إلى آخر، جمل قصيرة غير كاملة، معظمها تساؤلات عن لحظات مجهولة، توتّرات لا نهائية، وصوت يعلو بعبارات بالكاد تُفهم. كيف لا وبيته مهدّد بالهدم من السلطات الإسرائيلية في كلّ لحظة، بعد انقطاع «الأمل القضائي» أوّل من أمس؟
عائلة الوحواح ليست فريدة، بل تتشارك وضعها سبعة منازل أخرى. وللمفارقة، تقع البيوت جميعها في حيّ «التعايش»، تيمّناً باسم حركة «تعايش» العربية ـــــ اليهودية اليسارية التي ساعدت أهالي الحيّ من العرب في نضالهم ضدّ قرارات الهدم.
صدرت بحقّ المنازل أوامر هدم في عام 2002، بحجّة «البناء غير المرخَّص». ومنذ ذلك التاريخ، يخوض أصحاب البيوت ماراتونات قضائية، نجحوا بعد جهدٍ منقطع النظير، في إحراز «تأجيل تنفيذ القرار القضائي» لا أكثر، قبل أن ترد المحكمة طلب أصحاب البيوت نهائياً يوم السابع والعشرين من كانون الثاني 2008.
أصحاب البيوت المهدّدة، من بسطاء المدينة؛ عمّال عاديّون. باتوا في السنوات الأخيرة رهينة الممرّات في مكاتب التخطيط الحكومية. ترتيبات تتطلّب مبالغ طائلة ليس سهلاً على معيلي العائلات دفعها، أو ترتيبها. اليوم، وبعد انقضاء المهلة القانونية، عاد كابوس الهدم، وعناصر الشرطة يزورون الحيّ ويأخذون الصور المفصّلة عنه، لتخطيط عمليّة اقتحامه.
يقول الوحواح إنَّه حاول التحدّث شخصياً إلى رئيس البلدية، لكنَّ مساعدته أجابته: «الرئيس لا يريد لقاءكم». ويشير الرجل إلى أنّه لم يختر البناء غير المرخّص، فهو حاول مراراً الاستحصال على رخصة لكنّ محاولاته فشلت، «فبنينا بيوتنا لتوفير مأوى لأفراد عائلاتنا، لأنّ لكلّ إنسان حقّاً أساسياً في العيش بكرامة وأن يكون له بيت ومأوى».
ويتابع، في وصف حالته المأساويّة: «لقد اتضح لنا أخيراً أنّ البلدية تتذرّع بمرور سكّة حديد في المنطقة حسب الخريطة لهدم بيوتنا، لكن اتّضح لنا بعد البحث أنّه لا وجود لمثل هذا الخطّ الحديدي».
ويقول عضو «منتدى السكّان» في المدينة التي يسكنها اليوم قرابة 22 ألف عربي من أصل 68 ألفاً، وتعاني أحياؤهم من بنى تحتية سيئة، وأوضاع اقتصادية صعبة ونسبة بطالة مرتفعة، عرفات إسماعيل، إنّه يوجد حالياً أكثر من ألفي بيت غير مرخَّص، ولا مجال أصلاً للترخيص لها، لأنّ غالبية الأراضي التي يمتلكها العرب هي أراض زراعية، لافتاً إلى أنّ رخص البناء محصورة باليهود «ممّن خدموا في الجيش».
هذا ويتداول أهالي اللدّ حقيقة مؤلمة؛ فرؤساء البلدية المتعاقبون «يثبتون أنفسهم بواسطة هدم بيوت العرب، فقد تسلم رئيس البلدية الحالي، إيلان هراري، منصبه قبل خمسة أشهر، وهدم عدداً من البيوت لأنّه يكسب شعبيته على حساب مآسي العرب»، على حدّ قول أحد سكّان اللدّ.
ظاهرة عنصريّة جديدة في بلدية اللد كُشف عنها منذ فترة: كل من لم يسدّد ضرائبه للبلدية، لن يتمكّن من تسجيل أولاده في المدرسة. وقد اشتكى عدد من الأهالي العرب على هذه الظاهرة. وبما أنَّ ضريبة «الأرنونا» لا تُجبى من «قاطني» البيوت غير المرخّصة لأنَّها لا تظهر في الخريطة الهيكلية، طالبت البلدية أصحاب البيوت المهدّدة بالهدم في حي «تعايش»، بدفع ضرائب متراكمة عن سنوات ماضية وصلت إلى مبالغ طائلة، وحجزت على رواتبهم، وأمرت بسجن من لا يسدّد هذه الضرائب، ما دفع بالوحواح إلى التعبير عن غيظه بالقول: «لا يكفي أن بيتنا سيُهدم، سيلاحقوننا بعد الهدم لتسديد الديون... هذا ليس عدلاً».