حيفا ــ فراس خطيب
التقرير النهائي للجنة «فينوغراد»، يتضمن حقائق وتوصيات خطيرة بالمفهوم الإسرائيلي. وصف إدارة حرب لبنان الثانية بتعابير وصياغات شديدة اللهجة لا يمكن تجاوزها في دولة طبيعية. كان التقرير حازماً بقوله «إسرائيل لم تنتصر»، وتضمن 190 كلمة فشل و213 كلمة إخفاق. في وضع طبيعي، على الحكومة أن تستقيل بكل وزرائها من دون تردد. لكن الحلبة الإسرائيلية أبعد ما تكون عن «الطبيعية».
حمّل رئيس الوزراء إيهود أولمرت المسؤولية العليا عن الفشل، ومنحه في الوقت نفسه مخرجاً للتنصل من المسؤولية عن قراره شن الحملة العسكرية الواسعة، ما قد يمنح الحكومة حياة أطول، ليس إلى ولاية كاملة ربما، إنما لبضعة شهور من «الاستقرار المتخيل». وليس بفضل استنتاجات فينوغراد، إنما بفضل صياغاته.
الأنظار الآن متجهة نحو وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي وعد ناخبيه بأنه سيعمل على تبكير موعد الانتخابات بعد التقرير النهائي لفينوغراد، متوقعاً ـــ في سره ـــ ازدياداً في شعبيته. لكنَّ تنبؤاته خابت، فهو ليس مطروحاً بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، وبات عالقاً بين معادلة الوعد للناخب، وضرورة البقاء في الحكومة. وبحسب مقرّبين منه، فإنه سيجد الوصفة الوسطية بين الجانبين.
الأحزاب الإسرائيلية الائتلافية ليست معنية في هذه المرحلة بانتخابات مبكرة: حزب «العمل» ليس مستعداً تنظيمياً، فهو متورط بديون متراكمة منذ سنوات. وقد أقال باراك قبل شهور كل المحترفين الحزبيين، وباتت فروع الحزب في سبات عميق. الجهوزية للانتخابات معطوبة، وقاعدة الحزب الجماهيرية في تراجع مستمر منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. شعبية باراك مستقرة، لكنَّها لا تتصاعد، واستطلاعات الرأي لا تعد الحزب بمستقبل وردي. إذا قررّ باراك البقاء (حالياً) في الحكومة، فسيدعمه وزراء «العمل» لسببين: دافع الحفاظ على الكرسي وتجنب الهزيمة أيضاً.
إلى جانب هذا، عزّز أولمرت ائتلافه مع الحزب المتدين الحريدي «شاس» بعدما منحه حقيبة الأديان (حلم الأحزاب المتدينة). أعيد تفعيل الوزارة مجدداً بعد إغلاقها في عهد أرييل شارون. لم تكن توصيات «فينوغراد»، دافعاً لبقاء أو انسحاب «شاس» من الحكومة. اشترط الحزب بقاءه بعدم التفاوض على القدس، وأولمرت وعدهم بأن «الطريق إلى القدس طويلة».
حزب «المتقاعدين»، كان «موضة» الانتخابات السابقة، وفاز بسبعة مقاعد. منذ انتخابات عام 2006، لم يتجاوز الحزب كونه موجة عابرة ستختفي عند الإعلان عن انتخابات جديدة. هكذا تشير الاستطلاعات، وهكذا يدل التاريخ أيضاً. وتبدو تهديدات الحزب بالانسحاب من الحكومة أشبه بنكتة ائتلافية: من هو فينوغراد؟ ومن هو لبنان؟ ليضحّ رافي إيتان بسبعة أعضاء كنيست وحقيبتين وزاريتين وحزب أيضاً؟
كان واضحاً أن تقرير فينوغراد، وضع استنتاجاته الصعبة للجمهور الإسرائيلي ليقرر. لكنَّ الإسرائيليين فقدوا منذ زمن «منطق الشارع». هم ليسوا شركاء في تصفية الحكومة جماهيرياً، إضافة إلى خوضهم خمس معارك انتخابية منذ عام 1996.
لجان التحقيق لم تحرك الشارع الإسرائيلي يوماً، بل العكس هو الصحيح. «فينوغراد» بشكل خاص ليست لجنة «كاهن» التي أطاحت أرييل شارون بعد حرب لبنان الأولى، ولا لجنة «أغرانات» التي أطاحات موشيه ديان وغولدا مئير بعد حرب تشرين الأول 1973. حتى الأحزاب اليوم لا تستطيع، كما استطاعت في السابق، تجنيد المتظاهرين لإسقاط حكومة.
لقد وضع القاضي إلياهو فينوغراد تقريراً خطيراً بتفاصيله، لكنَّه لم يزوده بوقود كافٍ لإشعال الخمول الذي يسود المرحلة.