معاريف ــ أمير بوحبوط
القاضي إلياهو فينوغراد تحدث عن المزاعم ــ الحقائق، وعن تحليلها المعقد. وهو لمّح مسبقاً إلى أن عِبَر اللجنة استندت إلى معلومات مصنّفة أنها «سرية جداً»، وممنوع إطلاع الجمهور عليها. وهو قد صرّح مسبقاً بأنه لن تكون هناك خلاصات شخصية، وأن التقرير سيركز على الإخفاقات المنظوماتية وإصلاحها. المشكلة ليست في الأشخاص، بل في المؤسسة

اختار فينوغراد تعريف حرب لبنان الثانية بأنها «تفويت كبير للفرصة». فالحرب التي بادرنا إليها بأنفسنا، انتهت من دون أن تنتصر فيها إسرائيل بوضوح، على الرغم من كوننا الجيش الأقوى في الشرق الأوسط.
الجذر ف. ش. ل (الفعل ـــ فشل) تكرر هذه المرة أيضاً، ونُسب إلى المستوى السياسي والمستوى العسكري، لكنه تطرق هذه المرة إلى القوات البرية بشكل أساسي، وذلك على خلفية الاستعداد والتنفيذ للقرارات والأوامر. وقد قال فينوغراد عن المستوى السياسي وعن الجيش إنه كان ينقصهما التفكير والتخطيط الاستراتيجي، وحتى إنه أشار إلى مسألة حماية الجبهة الداخلية. لكن جذر الفشل، قال فينوغراد، زُرع قبل وقت طويل من الحرب.
الانتقاد الموجّه بسبب انعدام القدرة لدى المستويات السياسية والعسكرية على تحمّل المسؤولية الكاملة عن الأفعال، وعلى اتخاذ القرار الحاسم إزاء الخطوة التي يتعيّن على الجيش القيام بها منذ البداية، أُجمل بكلمة واحدة هي: «مراوحة». وقد استخدم فينوغراد هذه الكلمة أكثر من مرة، وقال إنه لم يكن ثمة نقاش منظّم بشأن مسألة الخروج إلى الحملة البرية الواسعة. وهكذا نشأ وضع لا يستطيع فيه الجيش الإسرائيلي استنفاد قوته، وانجرّ إلى وضع دوني.
كتب فينوغراد في التقرير أن شعبة الاستخبارات العسكرية لم تُقدّم، ولو لمرة واحدة، وبشكل أساسي، تقريراً وافياً إلى رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ولا إلى وزير الدفاع عامير بيرتس ـــ الذي اضطر إلى الاستقالة في نهاية المطاف ـــ. وهكذا خرجنا إلى الحرب من دون أن يتلقّى رئيس الحكومة ووزير الدفاع تقريراً أساسياً عن منظمة حزب الله، التي تحولت خلال السنوات الست التي سبقت الحرب إلى تهديد حقيقي على الحلبة الشمالية.
سلاح البر تلقّى صفعة، لأنه الأسهل. أما سلاح البحر، فليس هناك ما يمكن إضافته، وخصوصاً أن فشل أداء البارجة حانيت في صد هجمات حزب الله، من خلال الاستخفاف والإهمال، لا تزال أصداؤه تتردد حتى يومنا هذا. الدليل الأفضل على هذا الفشل يكمن في حقيقة أن البارجة التي أُصيبت بالصاروخ الذي أطلقه حزب الله، لم تعد حتى الآن إلى النشاط العملاني الكامل. وهي ستفعل ذلك في الأيام المقبلة.
إن الحقائق، التي كانت معروفة للجميع في غالبيتها، أُخضعت لاختبار الجمهور. فينوغراد فقط اختار الصياغات القانونية المختلفة التي عتّمت على الوضع الصعب. وهو تصرّف مثل الأب الذي يُدحرج المسؤولية إلى أبنائه، ويطلب منهم أن يتصدوا وحدهم للواقع. لكن هل دحرجة المسؤولية بسبب الخشية من المحكمة العليا؟ أم أنه يخشى من السقوط في مصيدة المناورات التي تقوم بها حكومة أولمرت؟
لقد تصرّف فينوغراد بالطريقة التي حذّر منها بالضبط، عندما خشي من تحمل المسؤولية الحقيقية والإشارة إلى المتهمين بالإخفاقات في الحرب الأخيرة. فالغالبية المطلقة من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي ممن كانوا ضالعين في الحرب، استقالوا أو أُقيلوا.
في نهاية المطاف، خرج الجمهور خائباً، وخرج الجيش خائباً، بينما يمكن للمستوى السياسي أن يفرك يديه فرحاً لأنه اجتاز فينوغراد. والآن ينتظرون وزير الدفاع إيهود باراك الذي قد يستل، بعد بضعة أيام، أرانب من قبعته. قد يوجّه انتقاداً إلى أولمرت، وربما لا، لأنه يحرص على مستقبله السياسي.