غيورا ايلاند ـ يديعوت أحرونوت
بعد قمة أنابوليس، بقيت المشكلة الفورية غير محلولة: تواصل نار الصواريخ من غزة نحو بلدات إسرائيلية. حتى الأكثر تفاؤلاً يعترفون بأن تحقيق اتفاق دائم، فضلاً عن تطبيقه، سيستغرق وقتاً طويلاً. ما العمل إذاً في هذه الأثناء بالنسبة إلى غزة؟
قبل قرابة سنتين، عندما فازت «حماس» في الانتخابات في القطاع، قررت حكومة إسرائيل عدم الاعتراف بالواقع ومقاطعة «حماس» حتى تطلق ثلاثة تصريحات: الاعتراف بإسرائيل، سريان مفعول الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين والتخلي عن الإرهاب.
وبالتوازي، شددت إسرائيل (وكذا الولايات المتحدة) على أن هناك «فلسطينيين طيبين»، يجب مساعدتهم وتعزيزهم، وهناك «حماس» محظور الاعتراف بها، ويجب معارضة كل ما تفعله. هذا الموقف اتضح أكثر فأكثر عندما سيطرت «حماس» على القطاع. تبنّت إسرائيل موقف أبو مازن من أن الحكم في غزة غير شرعي، وتالياً يجب إسقاطه، بغض النظر عما يفعله.
لهذه السياسة أربع نتائج. الأولى: إسرائيل تعدّ متدخلة في شأن فلسطيني داخلي، وكالمعتاد النتيجة معاكسة لما هو متوخّى. الثانية: عدم الاعتراف بالواقع يُسقط إيجابية أن هناك أخيراً حكماً يعدّ مسؤولاً، يتحكم بما يحصل ولا يتحلل من المسؤولية في الوقت نفسه. الثالثة: ليس لـ«حماس» ما تخسره، ولهذا فلا احتمال في أن ترغب في وقف النار نحو إسرائيل. النتيجة الرابعة هي أن إسرائيل تواصل تحمل المسؤولية عن معيشة سكان غزة، في ظل تجاهل وجود حكم لديهم يجب (بل ويرغب في) أن يكون مسؤولاً.
على إسرائيل أن تعترف بأن ثمة حكماً في غزة، بفعل الأمر الواقع، ليس خاضعاً للسلطة الفلسطينية. هذا الحكم يتحمل المسؤولية عن كل ما يجري في غزة، بما في ذلك النار نحو إسرائيل، بمعزل عن هوية المنظمة التي تقف خلف الصاروخ.
إسرائيل وهذا الكيان المعادي يمكنهما أن يتوصّلا إلى ترتيب العلاقات بينهما. وسيتضمن الترتيب وقفاً متبادلاً للأعمال العدائية، والرقابة على محور فيلادلفيا وتبادل السجناء. وإذا احتُرمت هذه التفاهمات، ترفع إسرائيل الحصار الاقتصادي عن القطاع.
الاحتمال في التوصل إلى ترتيب كهذا منوط بالبديل الذي تراه «حماس». إذا لم توقف «حماس»، ككيان سياسي، النار نحو إسرائيل، فسيكون مطلوباً العمل بكل القوة ضد «دولتها». وسيتضمن الأمر وقفاً تاماً لتوريد الكهرباء والوقود والغاز وتدمير مؤسسات الحكم وتصفية مركّزة للزعماء وما شابه. وعندما ترى «حماس» ذلك، أمامها خياران: الاعتراف بحكمها إلى جانب رفع الضغط العسكري والاقتصادي، أو تدمير البنى التحتية وضرب القيادة وأزمة اقتصادية حقيقية. وعليه، فمن المعقول أن تقرر القرار «السليم».
قطاع غزة هو بحكم الأمر الواقع دولة أكثر من أي شيء آخر: فهو ليس منطقة محتلة، وليس منطقة برعاية دولية وليس جزءاً من دولة أخرى. من المجدي استغلال هذا الواقع.
إن تهديد إسرائيل بوقف توريدات حيوية إلى غزة ليس مبرراً إذا بدا ضغطاً على «سكان أبرياء». ولكنه بالتأكيد مبرر عندما يوجّه ضد كيان سياسي، يتحمل المسؤولية، ويمكنه أن يوقف الضغط، فقط إذا ما وافق على وقف العدوان. الضغط ليس عقاباً على ما فعلوه، بل عقوبة كي يوقفوه.
وماذا بالنسبة إلى شرعية حكم «حماس» في غزة؟ هذا موضوع فلسطيني داخلي، ولا يجب أن نتدخل فيه.