حيفا ــ فراس خطيب
فضح سلسلة إخفاقات القوّات الإسرائيليّة خلال عدوان تمّوز مستمرّ. فقد كشف تحقيق إسرائيلي عن إخفاقات «خطيرة»، سبقت إسقاط مروحية «يسعور» بواسطة صاروخ أطلقته المقاومة في لبنان، أدى إلى مقتل 5 من طاقمها، بعد ثوانٍ من إنزالها 40 جندياً


مع اقتراب موعد وقف إطلاق النار في عدوان تموز، وتحديداً في الثاني عشر من شهر آب، هبطت مروحية إسرائيلية من طراز «يسعور» في أراضي الجنوب اللبناني، وأنزلت 40 جندياً هناك. بعد ثوانٍ من خروج الجنود، وعند إقلاعها عائدة إلى قاعدتها الإسرائيليّة، أسقط عناصر «حزب الله» المروحية، وهو ما أدّى إلى مقتل طاقمها المكوّن من 5 جنود، لتنضمّ الحادثة إلى سلسلة إخفاقات إسرائيلية وصفت بأنّها «خطيرة»، وحدثت جميعها ضمن حرب لبنان الثانية.
وكشف تحقيق نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أعدّه محلّل الشؤون الاستخباريّة رونين برغمان، عن معلومات وإخفاقات جديدة أهمّها عن قيام المقاومة في لبنان بمحاولة سابقة لإسقاط مروحيّة «يسعور»، مشيراً إلى أن هذه المعلومات لم تصل إلى سلاح الجوّ الإسرائيلي لـ«أسباب غير معروفة».
وقبل 24 ساعة من إسقاط المروحيّة، أطلقت المقاومة صاروخاً من قرية بيت ليف في الجنوب باتجاه مروحية إسرائيلية أخرى كانت في العمق اللبناني. وقال عدد من الجنود الإسرائيليّين إنّهم شاهدوا الصاروخ ونقلوا المعلومات إلى قادة الجيش وسلاح الجوّ. وبحسب التقرير، فقد كانت المعلومات عن إطلاق صاروخ مهمّة للغاية ومن شأنها أن تؤدّي إلى اتخاذ جانب الحذر وتغيير هدف الحملة المقبلة (التي أُسقطت فيها «يسعور»).
ويؤكّد جنود الألوية البريّة أنّهم نقلوا المعلومات إلى سلاح الجوّ، الذي يصرّ على أنّه لم يتلقّ أيّ معلومة في هذا الشأن. وتحوّل النقاش بين الجانبين توتراً. والسبب في مثل هذه الحال بقي «غير معروف».

«حركة» مقاومين

رصدت القوّات الإسرائيلية، في ظهيرة يوم السبت الذي سبق قرار وقف إطلاق النار، «حركة» مقاومين في قلب بيت ليف، الواقعة على بعد كيلومترين من موقع إنزال القوّات (التي أطلق منها الصاروخ باتجاه المروحية). وقال الجنود إنّهم رأوا من خلال معدّات الرؤية «أشخاصاً يحملون مواسير»، على ما يبدو كانت صواريخ.
نُقلت المعلومات إلى سلاح الجوّ، وأقلعت الطائرات إلى المكان، وقصفت مكان المقاومين، إلّا أنّها أخطأت الهدف مرّتين وأصابت بيوتاً. وعاد سلاح الجو من المنطقة من دون أن يؤكّد تصفية المجموعة المذكورة أو عدم تصفيتها.
وقال الجنرال في الاحتياط، أمنون نحمياس، «كان واضحاً بالنسبة لي أنّ تصفية العصابة (مجموعة المقاومين) لم تكن أكيدة، عندها قلت، إذا لم تتمّ التصفية، لا يمكن الخروج إلى الحملة المقبلة (هبوط «يسعور» في الجنوب) لأنّ هذه المجموعة تهدّد العمليّة العسكريّة كلّها»، وفي أعقاب عدم التأكّد هذا «فقدنا عنصر المفاجأة».
ويشير ضابط آخر في الاستخبارات العسكرية إلى أنّه لم يتمّ التعامل بجديّة مع قضيّة مجموعة المقاومين، وقرّر الجيش الخروج إلى عمليّة إنزال الجنود من دون أن يتعاطى معها بجديّة. ويقول «كان واضحاً أنّهم سيطلقون عمليّة غبيّة في ذلك اليوم. لم يكن أحد يملك الشجاعة لوقف هذا. جننت وضربت على الطاولات. حاولت إقناعهم بوقف العملية. شعرت مثل طفل صغير يحاول وقف الفيضان بإصبعه».
ويروي الضابط نفسه كيف كانت «الوجوه شاحبة» بعد إسقاط «يسعور»، ويقول «سألتهم، ماذا جرى، هل سقطت طائرة؟ وتبيّن أنّني صدقت. كان من الممكن منع هذه التراجيديا».

متأخّرون

يكشف التقرير أيضاً عن إخفاقات في الاستعدادات، حيث قرّرت قيادة سلاح الجوّ إدخال المروحيّة إلى العمق اللبناني قبل «ظهور القمر». تحديداً عند غياب الشمس. وهو ما تعتمده إسرائيل «قاعدة حديدية من حيث المواعيد». لكن في ظلّ الفوضى العارمة التي سادت المكان، تبيّن أنّ تلك القاعدة نُسيت أيضاً، ووصل بعض المظليّين إلى مكان إقلاع الطائرة، غير مزوّدين بأجهزة رؤية ليليّة، الأمر الذي عرقل مواعيد الإقلاع. وبدلًا من الوصول في الموعد الدقيق، وصلت الطائرة عند الساعة 21:49. وفي هذا الصدد، يلفت نحمياس إلى أنّ «التأخير، حتى لو كان لدقيقة واحدة، رفع من احتمالات انكشاف الطائرة على للعدو».
هذه الأسباب مجتمعة أدّت إلى فقدان «عنصر المفاجأة»، وخصوصاً أنّ قرار هبوط الطائرة تقرّر في مكان يبعد 200 متر فقط عن المكان الذي هبطت فيه الطائرات قبل يوم واحد. وكان واضحاً، بحسب التحقيق، أنّ مقاومي «حزب الله»، «كانوا جاهزين في هذه المرّة».
كذلك يكشف التقرير عن خرائط غير صالحة للاستعمال ولا تعرض الواقع كما هو. وأنّ الطيّارين الإسرائيليّين لم يمتلكوا الأدوات اللازمة من أجل فهم الطريق وخطوط الكهرباء المنصوبة في الطريق إلى الجنوب اللبناني. ويأتي هذا مع معلومات استخباريّة ناقصة للغاية في هذا الصدد.
بعد كلّ هذه الإخفاقات، أُسقطت المروحيّة الإسرائيليّة، وتحوّلت العمليّة العسكريّة إلى «حملة بحث عن الجثث». وعانت القوّات الإسرائيلية خلال عمليّة البحث هذه من قلّة في الطعام والماء والمعدّات. وتكشف «يديعوت أحرونوت» عن أنّ ضابطاً في إحدى وحدات التفتيش هدّد أحد الضبّاط عندما تبيّن أنّ المروحيّة الآتية لنقل الجثث الخمسة لم تجلب معها الماء. وقال «إذا لم تحضروا الماء فلن نعطيكم الجثث». اعتقد القادة في سلاح الجوّ أنّه لا يقصد ما يقول، غير أنّ الضابط كرّر «اسألوا عنّي، كلّهم في الجيش يعرفون بأنّني مجنون. أحضروا الماء، وإلّا فلن تنالوا الجثث».