ريف دمشق | إثر تنامي التجاوزات التي مارسها مقاتلو «جبهة النصرة» بحق أهالي بيت سحم، جنوب دمشق، من «أحكامٍ شرعية» ودهم للمنازل، واعتقالات في صفوف شباب البلدة، لجأ الأهالي إلى تنظيم حراكهم الرافض لتلك الممارسات عبر مسارين متوازيين؛ في الأول، عمد أهالي البلدة ووجهاؤها إلى التنسيق مع أعضاء المصالحة الوطنية، ومسؤوليها في بيت سحم، وعلى وجه الخصوص الشيوخ أنس الطويل وصالح الخطيب وأبو عبده الهندي، بعدما بدأ يتصاعد لدى الأهالي ميل عام باتجاه المصالحة، ورفض السلاح الذي عاث فساداً في بلدتهم.
وفي المسار الآخر، سعى أهالي بيت سحم للتواصل ودعم تنظيم «شام الرسول» الذي تعود أصول معظم مقاتليه إلى البلدة، حيث لعب التنظيم دوراً محدداً تجسَّد في التدخل عسكرياً كلما استدعت تجاوزات «النصرة» ذلك. وعلى هذا الأساس، باتت «النصرة» بين فكّي كماشة؛ فمن جهة كان أعضاء المصالحة الوطنية يحشدون أهالي البلدة في تظاهراتٍ ضخمة ضد ممارسات "الجبهة"، ومن جهةٍ أخرى يخوض مقاتلو «شام الرسول» معارك طاحنة ضدّ «النصرة» ويحاصرون مقارها في عددٍ من أحياء بيت سحم.
في هذا الصدد، تؤكد مصادر من داخل تنظيم «جيش الإسلام» في دوما، أن اجتماعات واتصالات مكثفة كانت قد جرت، خلال الشهر الفائت، بين عددٍ من المتنفذين في «النصرة» جنوب دمشق، وقائد «جيش الإسلام»، زهران علوش، بهدف إيجاد حل لقضية بيت سحم. في البداية، «كانت النصرة تحمل مخططاً يقضي أولاً باغتيال مسؤولي المصالحة الوطنية، وعدد من شيوخ البلدة، الذين رفضوا وجودها في بلدتهم، وثانياً بتنسيق القتال ضد شام الرسول مع علوش بصفته أحد قادة الجبهة الإسلامية» تقول المصادر. وتؤكد المصادر، في حديثٍ مع «الأخبار»، أن علوش رفض هذا الطرح «بطريقة ودية»، وأكد لـ«النصرة» أن «أي عملٍ من هذا النوع سيفاقم رفض بيت سحم للإخوة في الفصائل الإسلامية». وعلى هذا الأساس اقترح قائد «جيش الإسلام» أن تنسحب «النصرة» من بيت سحم، وتترك له تدبّر أمر «شام الرسول» الذي وصفه بأنه «تنظيم غرّ ومن الأفضل احتواؤه بدل قتاله». لم تقبل «النصرة» طرح علوش، ويبدو أنها رأت فيه محاولة منه للاستفادة من نكبتها، وذهبت إلى تدبّر شؤونها في بيت سحم بشكلٍ منفرد.

اقترح علوش أن تنسحب "النصرة" من بيت سحم وتترك له تدبّر أمر "شام الرسول"

وبشأن ما جرى بعد ذلك، تؤكّد مصادر محلية لـ«الأخبار» قيام مسؤولي المصالحة الوطنية يوم الجمعة 6/3/2015 بـ«تأجيج مشاعر الناس، وتحريضهم للخروج ضد النصرة، حيث اعتلى أنس الطويل، عضو المصالحة الوطنية، منبر جامع بيت سحم الكبير، محرّضاً المصلين على مدار أكثر من ساعتين». وذلك ما جرى بالفعل، إذ خرج المئات من المصلين رافعين شعارات ضد «النصرة»، ووصلوا إلى أحد مقارها وسط البلدة، قبل أن يفتح مقاتلوها النار بشكلٍ عشوائي ضد المتظاهرين، لتتحول البلدة إلى ساحات معارك واسعة بين «النصرة» و«شام الرسول» طوال أسبوعٍ كامل. واستطاع الأخير أن يوجه ضربات قاسية لـ"النصرة"، مستفيداً من فقدانها للحاضنة الشعبية.
أمام هذه الحال، بادرت «النصرة» إلى الاتصال مجدداً بعلوش الذي اقترح بدوره تأمين خروج مقاتليها من البلدة باتجاه معقلها في مخيم اليرموك، متعهداً، بحسب مصادر مقرّبة من التنظيم، «بتسهيل عودتها إلى بيت سحم، إذا اقتضت معارك المخيم ذلك»، على أن يجري التواصل مع «شام الرسول» لاحقاً، لإقناعه بدخول مقاتلين من «الجبهة الإسلامية» وحركة «أحرار الشام» إلى بيت سحم، كبديل من «النصرة». بعد ذلك، وقّعت التنظيمات الأربعة، يوم الخميس الماضي، اتفاقاً انسحبت بموجبه «النصرة» إلى مخيم اليرموك، بآلياتٍ تابعة لـ«الجبهة الإسلامية»، وتكفَّل «شام الرسول» بإطلاق سراح مقاتلي "الجبهة" المعتقلين لديه.
إلى ذلك، تذهب مصادر محلية إلى الاعتقاد بأن التناقض التالي، بعد انسحاب «النصرة» من بيت سحم، سيكون بين «الأهالي والشيوخ الساعين إلى المصالحة الوطنية من جهة، ومقاتلي «شام الرسول» التنظيم المرشَّح للمقامرة بأمن أهالي البلدة من جهة أخرى، لا سيما بعد ارتفاع مستوى التنسيق مع «جيش الإسلام»، وإطلاقه مؤشرات جديدة تفيد برفضه المصالحة الوطنية، والتي كان آخرها يوم أمس، حين اعتقل مجموعة من مسلحي البلدة، تعدادها عشرة مقاتلين، كانوا ينوون الخروج من البلدة، وتسليم أنفسهم للجيش السوري.