حيفا ـ فراس خطيب
«مركز ثقافي» في تل أبيب متّهم بالترويج للهجرة المعاكسة... وبالتجسّس


في ظلّ إعراب مسؤولين حكوميّين إسرائيليّين عن خشيتهم من «تنافس» بين روسيا وإسرائيل، على «مستقبل» المهاجرين الروس، قدّرت أوساط استخباريّة إسرائيليّة أمس، أنّ موسكو تستخدم أحد المراكز الثقافية الروسيّة في تل أبيب «فرعاً لتنظيم حكومي»، يهدف إلى إقناع مهاجري روسيا (ممن يعيشون في الدولة العبريّة) بالعودة إلى «وطنهم الأم»، ومساعدتهم على «الهجرة المعاكسة»، موضحةً أن المركز افتتح قبل شهرين تقريباً، ويديره «مثقّف روسي»، ثمة احتمال كبير أن يكون «ضابط تجسّس».
وبحسب تلك التقديرات، فإنَّ المركز هو بالأساس «فرع لمنظمة أبناء الوطن» الروسيّة، التي أسّسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2000. وكانت مهمّتها تتمحور حول «الحفاظ على العلاقة بين روسيا الوطن، وبين مواطنيها الذين يعيشون خارجها». ومع مرور السنين، وضع بوتين أمام المنظمة هدفاً جديداً هو «إعادة» المهاجرين الروس إلى وطنهم، وخصوصاً أصحاب الحرف المطلوبة والأكاديميّين.
صحيفة «هآرتس» ذكرت أمس أنّ بين «مليوني يهودي يتحدّثون الروسيّة، هناك مليون منهم في إسرائيل». وأضافت أنّ «النسبة الأكبر من هؤلاء، هاجروا إلى الدولة العبريّة ضمن الهجرة الثانية في تسعينيّات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبما أن روسيا لا تسمح بأن يحمل مواطنوها مواطنة مزدوجة، فقد المهاجرون الروس في إسرائيل مواطنتهم الروسية عند هجرتهم».
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجهد المبذول روسياً لـ«إعادة المهاجرين» ليس نابعاً من أسباب اقتصادية فقط، إنّما يأتي أيضاً في أعقاب الشعور بإلحاق الضرر بـ«الفخر القومي الروسي»، بعد هجرة ملايين الروس لوطنهم الأم. ويأتي هذا الجهد في إطار سعي الكرملين إلى تغيير «الصبغة اللاسامية» لروسيا بواسطة عرضها مكاناً «يجذب اليهود إليه».
وافتتاح «المركز الثقافي الروسي» تمّ في أعقاب اتفاق وقّع عليه بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت. وبموجبه، تنشط بعض المراكز الثقافيّة الإسرائيلية في روسيا. غير أنّ الاستخبارات الإسرائيلية ترى أنّ «النشاط الثقافي للمكان» ليس سوى «غطاء» على نشاطات منظّمة «أبناء الوطن» الروسيّة.
وذكرت الصحيفة أنّ المعهد ينشط في مجالات عديدة لخلق «الرابط» بين المهاجرين الروس ووطنهم الأم. وأشارت إلى قيام المركز بإجراءات تصويت وتسجيل للسكان الروس في 60 بلدة إسرائيلية، الأسبوع الماضي. وأوضحت أنّ المركز عرض على المهاجرين «اقتراحات مغرية لوظائف جديّة في روسيا». ونقلت عن أكاديميّة روسيّة تعمل في أحد مراكز الأبحاث الإسرائيلية قولها إنّها تلقّت اقتراحاً من المركز يشمل «راتباً شهرياً يصل إلى 15 ألف دولار وشقّة ومواطنة روسيّة خلال وقت قصير، ومرتبة شرف في مجلس الأكاديميّين الروس».
رئيس المركز هو «الخبير في شأن الثقافة الاسرائيلية»، ألكسندر كريوكوف. وله علاقات واسعة في إسرائيل. ترجم العديد من المؤلفات الأدبيّة العبريّة إلى الروسيّة. وعندما عُيّن دبلوماسياً في السفارة الروسية في تل أبيب، حاول جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الـ«شاباك») منع منحه تأشيرة دخول، بحجّة أنّه كان «ضابط تجسّس» وعمل في الماضي لمصلحة الاستخبارات الروسية «كاي جي بي». إلّا أنّ الحكومة منحته التأشيرة خشية من «حادثة دبلوماسيّة مع روسيا»، حسبما أوردت «هآرتس».
وردّت السفارة الروسيّة في تلّ أبيب على ما ورد في الصحيفة بالقول إنّ المركز «يعمل كما تعمل مراكز ثقافيّة في العالم، ويسعى إلى تطوير الثقافة الروسيّة. يستضيف شعراء روسيين، ويعرض معارض فنيّة وأفلاماً. وسيفتتح مركزاً لتعلّم اللغة الروسيّة». وشدّدت على أنّه «لا يتعاطى مطلقاً في موضوع إعادة المواطنين إلى روسيا لأنّ هذا ليس من وظائفه».
وفي أعقاب التنافس المتوقّع، قرّر الإسرائيليون البدء في الأسبوع المقبل تسويق برامج روسيّة، وتحضير مقترحات تتمّ ملاءمتها مع الروس في إسرائيل.
وأوضحت معطيات أصدرتها وزارة الاستعياب الإسرائيلية أنّ 100 ألف مهاجر روسي، قاموا بهجرة عكسيّة من إسرائيل إلى روسيا منذ عام 1990.
يذكر أنّ الحكومة الإسرائيليّة تشغّل تنظيم «نتيف» الذي عمل في الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أجل تشجيع الهجرة إلى الدولة العبرية، ومارس نشاطاته سرياً بين يهود الاتحاد لإقناعهم بالهجرة إلى إسرائيل. وبعد انهيار المنظومة الاشتراكيّة، طلب عدد من المسؤولين الإسرائيليّين إنهاء مهمات «نتيف» ونقل صلاحيّته إلى «الوكالة اليهوديّة». ولا يزال التنظيم يعمل حتى الآن تحت جناح مكتب وزير الشؤون الاستراتيجيّة أفيغدور ليبرمان، ذي الأصل الروسي.