هآرتس ـ عوزي بنزيمان
لم تمر 16 شهراً منذ أن وقع إيهود أولمرت أسير سحر الإغراء ـ توجيه ضربة قاصمة لحزب الله وتلقينه درساً لن ينساه أبداً ـ حتى يوشك مرة أخرى على السقوط في شرك مشابه. في آب 2006، استجاب أولمرت لتوصيات رئيس هيئة الأركان (دان حالوتس) بشن هجمة برية على جنوب لبنان حتى لا يترك مجالاً للشك في هوية الجانب المنتصر في الحرب. واليوم، ها هو يبدو كمن يتبنّى رؤية الجيش بعدم الاستجابة لاقتراحات «حماس» والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. الدوافع السيكولوجية والاعتبارات المتعلقة بالصورة الشخصية تؤدي دوراً كبيراً في قرارات رئيس الوزراء، سواء في سياق الحديث عن حرب لبنان الثانية أو بالنسبة إلى المواجهة المتواصلة في قطاع غزة. الآن، مثل السابق أيضاً، قد يكتشف أن شعوراً مفرطاً بالقوة والعجرفة الرجولية قد دفعه لاتخاذ قرار سيِّئ سرعان ما ينتقم منه ويرتد إلى نحرهأولمرت يقف الآن على مفترق معرَّض فيه لهبّات ريح متعارضة من اتجاهات مختلفة: فإذا استجاب لإشارات التهدئة الآتية من ناحية «حماس»، فقد يبدو كمغفل سمح للعدو باقتياده من أنفه. وإذا رفضها، فسيكون مسؤولاً عن تصعيد مجابهة عنيفة. هو في موقف لا يحسد عليه. من الواضح للجميع أن رسائل المصالحة التي يطلقها إسماعيل هنية ليست نتيجة لانقلاب إيديولوجي في موقفه من إسرائيل، بل نتيجة للضغط العسكري والاقتصادي والسياسي الذي تمارسه عليه.
الجميع يدركون أيضاً أن استعداد «حماس» لوقف إطلاق النار مؤقت، وهو يهدف إلى إفساح المجال لها وللجهاد الإسلامي حتى تستجمعا طاقاتهما استعداداً للحظة التي يتقرر فيها استئناف المعركة في ظروف أفضل من ناحيتهما.
ورغم ذلك، لا تقود قراءة الوضع الفطنة هذه بالضرورة إلى الاستنتاج بوجوب رفض عرض «حماس». كما أنها لا تبرر الأصوات التي تتردد في اليمين السياسي مدّعية أنه لا يجب الآن التوجه إلى مسار تفاوض سياسي أو تقديم تنازلات، لأن ساعة الضربة المخلّصة التي ستهزم العدو مرة وإلى الأبد وشيكة جداً.
هذه النظرة التي تدّعي أن الخطوات غير العنيفة التي أقدمت عليها القيادة الإسرائيلية قد أدت إلى منع الانتصار العسكري المنشود والأمثل، تجسدت مرات عديدة في مسيرة الصراع مع الفلسطينيين. بعد التوصل إلى اتفاق أوسلو، ادّعى اليمين أن هذا الاتفاق قد وقع في توقيت ليس هناك أسوأ منه ـــــ قبل استسلام الفلسطينيين بلحظة. وعندما توجه إيهود باراك للتفاوض النهائي مع ياسر عرفات في كامب ديفيد، رددوا الادعاء نفسه مرة أخرى. الشيء نفسه حدث مع أرييل شارون عندما نفّذ خطة فك الارتباط عن قطاع غزة...
أسطورة غرز السكين في الظهر ترافق الشعوب التي كانت عالقة في حروب طويلة الأمد. في الأوضاع التي مُنيت فيها الجيوش بالخسائر، ظهرت في صفوف هذه الشعوب حكايات تدّعي أن الجهاز السياسي أو زعامة الجمهور المدني هي التي حالت دون إحراز النصر. شيء من هذه اللازمة يطل برأسه على واقعنا الإسرائيلي خلال الـ15 عاماً الأخيرة، وهو ملموس مرة أخرى هذه الأيام في معرض الردود على مظاهر الضعف التي تبديها «حماس» والجهاد الإسلامي: نجاحات ميدانية موضعية يحرزها الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» تؤدي إلى بث الوهم باقتراب الانتصار المطلق الوشيك. هذه آمال وهمية: الصراع مع الفلسطينيين لن يحسم في أرض المعركة، وهو لن ينتهي من خلال ضربة قاصمة ساحقة، بل عبر التسوية السياسية.