معاريف ــ شلومو غازيت
المؤسسة الأمنية، الحكومة، الحلبة السياسية ووسائل الإعلام، جميعهم يدرسون مرة تلو الأخرى موجبات وموانع اتفاق هدنة في قطاع غزة. ليس هذا قراراً سهلاً، ومن الجدير أن تُفحص بعيون مفتوحة كل المبررات الأساسية في كلّ من كفتي الميزان.
لنبدأ بالاعتبارات المعارضة: اتفاق الهدنة مع «حماس»، كيفما تحقق وكيفما عرض، سيكون فيه حوار واعتراف بحماس، أي بحركة فلسطينية إسلامية متطرفة لا تعترف بإسرائيل، وتعلن على رؤوس الأشهاد هدف إبادة إسرائيل.
في السياق، سيكون في ذلك مسّ خطير بالسياسة الإسرائيلية الحاسمة المؤيدة لحكومة محمود عباس والساعية إلى إسقاط حكم اسماعيل هنية في القطاع.
كذلك السير نحو الهدنة سيكون بمثابة اعتراف بفشل إجراءاتنا العسكرية التي تهدف إلى إلحاق الهزيمة بإرهاب الصواريخ وقذائف الهاون التي تطلق المرة تلو الأخرى نحو سديروت وبلدات غلاف غزة.
إن مجرد طرح مبادرة الهدنة يدل على أن نشاطنا العسكري في القطاع يعطي ثماره، وكل ما ينبغي لنا أن نفعله هو مواصلة هذه الخطوات لإلحاق الهزيمة بالإرهاب.
فضلاً عن التقدير والتخوف من أن يُستغل وقف النار من محافل الإرهاب في القطاع ويسمح لهم بالراحة والانتعاش واعادة التنظيم. وفي هذا الإطار ستستغلّ الهدنة لتهريب السلاح وتطوير الوسائل القتالية وإنتاجها ذاتياً، كماً ونوعاً، وسيستغل الهدوء لبناء منظومة برية محصّنة في قطاع غزة، على غرار «المحميات الطبيعية» في جنوب لبنان، استعداداً للمواجهة المقبلة.
وأخيرا، سيصار إلى استغلال الهدنة لتعزيز مكانة «حماس» وحكمها في أوساط السكان المحليين داخل القطاع.
أما الاعتبارات المؤيدة للهدنة فأولها وأهمها هو التسليم بمقولة إنه ليس لدى اسرائيل حل عسكري يمكنه أن يفضي إلى وقف تام للكفاح الفلسطيني العنيف ضد اسرائيل.
الخيار المطروح أمام اسرائيل في قطاع غزة ليس الحوار مع فتح أو مع حماس، بل اختيار «حماس» مقابل «الجهاد الإسلامي». في المستقبل المنظور لا احتمال لأن تعود «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية لتحظيا بدعم ديموقراطي من السكان.
البديل المحتم للهدنة سيكون حملة برية واسعة النطاق للسيطرة على القطاع. مثل هذه الحملة ليس فقط لن تؤدي الى حل، بل ستكون لها، فضلًا عن الخسائر والإصابات، آثار أخلاقية وسياسية من الصعب في هذه المرحلة تقدير وزنها. وأغلب الظن، سيؤدي هذا إلى قطع الاتصالات السياسية مع حكومة أبو مازن.
ومن المعقول الافتراض أن اتفاق الهدنة سيتضمن أيضاً صفقة لتحرير جلعاد شاليط، بينما حملة عسكرية واسعة من شأنها أن تعرض حياته للخطر.
نعم، إن استغلال فترة الهدنة للتسلح وإعادة التنظيم هو بالفعل مشكلة، لكن كلما طالت فترة الهدوء والتطبيع سيكون من الصعب على قيادة «حماس» استئناف فتح النار ووضع مليون ونصف من سكان القطاع مجدداً في حالة اضطراب. ومن جهة أخرى سيكون مريحاً لإسرائيل العمل ضد «حماس»، التي ستكون قد أصبحت جيشاً نظامياً، مقابل نشاطنا اليوم ضد مخربين ـــــ إرهابيين كأنهم منفصلون عن السكان المدنيين.
وفي الختام، سيكون في وسع إسرائيل أيضاً استغلال فترة الهدوء للعمل على تحصين سريع لبلدات غلاف غزة ولتطوير منظومات السلاح المضادة للصواريخ، وبالطبع، لحث السير في سياقات المفاوضات السياسية.
هذه هي الاعتبارات الأساسية التي يجب أن تطرح في مداولات تقدير الوضع قبل القرارات الحاسمة في المجلس الوزاري الامني. يجب الافتراض أن المداولات ستوسع وستعمق كل واحدة منها، على أمل أن يكون القرار الذي سيتخذ نقياً قدر الإمكان من الاعتبارات غير ذات الصلة.