حيفا ــ فراس خطيب
الصداقة الأميركية ــ الإسرائيلية والتحالف الاستراتيجي والتقاء المصالح في الشرق الأوسط باتت حقائق سياسية بعيدة عن التشكيك. لكن أزمات برزت بين طيّات هذه العلاقة أوصلت الأمور بين الدولتين، وفي مراحل تاريخية معينة، إلى «الدرك الأسفل»، من دون أن يعني انتفاء الفائدة الإسرائيلية بالنسبة للولايات المتحدة

«العلاقة الأميركية ــ الإسرائيلية: زمالة أو عداء»، كان محور وثائقي عرضته القناة الرسمية في التلفزيون الإسرائيلي الشهر الماضي، أشارت فيه، على لسان مقدم البرنامج، إلى أنَّ إسرائيل «لا تتقدم أي خطوة خارج مطار بن غوريون من دون مصادقة أميركية». ورأت أنَّ «إسرائيل حاربت في لبنان مدة 33 يوماً في ظل موافقة أميركية، وعندما أزيلت هذه الموافقة توقفت الحربهذه «العلاقة الطيبة»، كلفت الولايات المتحدة 60 مليار دولار أنفقتها على إسرائيل، ومرّت أيضاً بأزمات عسكرية وسياسية واقتصادية، إلا أنَّها لم تمنع تطور العلاقة من عام إلى آخر.
بدأت العلاقة تقوى عسكرياً عندما أزال الرئيس الأميركي ليندون جونسون في عام 1967 حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل وتقديم المساعدات غير المحدودة لها. لكن في ظل «العطاء الأميركي»، قصف الاسرائيليون «عن طريق الخطأ»، كما يصرّون على الادعاء، سفينة التجسس الأميركية «ليبرتي» في عام 1967 وأثيرت قضية عميل «الموساد» الاسرائيلي جونثان بولارد في عام 1985. وأخيراً كانت قضية الصفقة التي أبرمها الإسرائيليون مع الصين لتزويدهم طائرات «فالكون» وصواريخ «هارفي»، ما عدّه الأميركيون «صفعة».
الصين محور الأزمة
عندما انتخب إيهود اولمرت لرئاسة الوزراء، زار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) واستقبل هناك بحفاوة بالغة. كانت الزيارة علامةً على أنَّ الإدارة الأميركية راضية مبدئياً، عن أولمرت. وتزامنت الزيارة مع إصدار البنتاغون تقريراً خاصاً عن «القوة العسكرية للصين». وتضمّن «معلومات لم ترق للإدارة الأميركية عن اسرائيل»، بعدما أظهر أنَّ تل أبيب تقوّي بكين عن طريق إبرامها صفقتي سلاح: الاولى بيعها طائرات من طراز «فالكون»، والثانية بيعها صواريخ جو أرض من طراز «هارفي».
وأشار التقرير إلى أنَّ هاتين الصفقتين «ستعرّضان الجنود الأميركيين إلى خطر إذا حاربوا الصين، وستقوّيان الصين عسكرياً».
قصف «ليبرتي»
سعت الولايات المتحدة في عام 1967، إلى «تطوير الأمن القومي الإسرائيلي». في تلك الفترة أيضاً، ألغى الرئيس الأميركي ليندون جونسون الحظر المفروض على بيع الأسلحة لإسرائيل والشرق الأوسط، وفتح «مخازن» الأسلحة على مصراعيها أمام الإسرائيليين.
يقول غيورا روم، الذي شغل منصب الملحق العسكري في السفارة الاسرائيلية في أميركا، إنَّ الاسرائيليين بدأوا ينالون أسلحة من الولايات المتحدة «أفضل بدرجة واحدة على الأقل من الأسلحة التي تمتلكها الدول العربية في المنطقة»، مشيراً إلى أنَّ «التفوق على الدول المجاورة تحول ليكون ما يميز العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة».
وفي تلك الفترة، حدثت أزمة أخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة. ففي اليوم الثالث من عدوان حزيران 1967، ضربت الطائرت والسفن الحربية الاسرائيلية سفينة التجسس الاميركية «ليبرتي». استمر القصف ساعة براً وبحراً. قتل من خلال الضربة الاسرائيلية ما يقارب 34 أميركياً وأصيب 171. قال الاسرائيليون إنَّ هذه الضربة كانت عن طريق الخطأ «اعتقدنا أنَّ السفينة مصرية»، لكنّ هذه الحادثة أيضاً، التي اعتبرها الاميركيون «ضربة قوية»، لم تقضّ مضاجع المسؤولين الاميركيين وظلوا دائماً على اتصال مع الاسرائيليين.
«صداقة» في حرب 73
لم تتضرّر العلاقات بين أميركا وإسرائيل في أعقاب «ليبرتي». ساهم الأميركيون بــ «تطوير الأمن القومي الاسرائيلي» على مدار سنوات إلى حين «حرب الغفران» عام 1973، التي أظهرت علامة أخرى على «العلاقات الطيبة». زود الاميركيون الاسرائيليين أسلحة كثيرة ساعدت على «رفع المعنويات» خلال الحرب.
ويقول تسفي رافيح، أحد الذين شغلوا منصب المسؤول الاسرائيلي لشؤون الكونغرس في واشنطن: «بعد حرب الـ 73، تبيّن أننا متعلقون تماماً بالولايات المتحدة».
العلاقات العسكرية تعززت بعد حرب 73. ومن أجل «التسهيل» على إسرائيل، قام الاميركيون ببناء مخازن أسلحة في الدولة العبرية لــ «استعمال اسرائيل وأميركا»، وبهذا، خفّفت الولايات المتحدة «الخوف الاسرائيلي» من ضربة مفاجئة، مثلما كان في عام 1973.
بدت المرافقة الأميركية للإسرائيليين واضحة أيضاً خلال اجتياح لبنان عام 1982. كانت الطائرات الاسرائيلية التي ضربت لبنان أميركية الصنع. وغالبية الأسلحة كانت اميركية.
بولارد
في عام 1981، قام سلاح الجو الاسرائيلي ومن خلال ثماني طائرات من طراز «إف 16» بضرب مفاعل «تموز» النووي في العراق. ويقول مراقبون إنَّ هذا تمَّ أيضاً بموافقة أميركية. إلا أنَّ العلاقات توترت في عام 1985 عندما أقدم رافي ايتان، الوزير الحالي في حكومة أولمرت، والذي كان مسؤولاً عن تفعيل «عملاء» الموساد في الخارج، على تشغيل جاسوس في استخبارات سلاح البحر الأميركي اسمه جوناثان بولارد، وهو يهودي من اصل أميركي.
أوصلت هذه القضية العلاقات مع الولايات المتحدة إلى الحضيض. وبحسب مسؤولين اسرائيليين، لا يزال تأثير هذه القضية موجوداً في العلاقات الأميركية والاسرائيلية حتى هذه اللحظة لأنَّ بولارد لا يزال مسجوناً في الولايات المتحدة ويطالب الاسرائيليون بتحريره.
بعد عشر سنوات، في عام 1991، غزا الأميركيون العراق. يقول الاسرائيليون إنَّ إسرائيل كانت مستعدة للمشاركة في هذه الحرب لكنَّ «الضغط الاميركي حال دون ذلك». لم يردّ الاسرائيليون على الصواريخ الآتية من العراق، لكنَّهم أُعطوا في المقابل «معلومات حسّاسة جداً عن الحملة العسكرية الأميركية في العراق».
ويقول غيورا لام، الملحق العسكري في السفارة الاسرائيلية في اميركا، إنَّ الاميركيين كانوا يمنحون الاسرائيليين «برنامجاً مفصلاً لقصفهم اليومي في غرب العراق».
إيران... مصالح مشتركة
أوضح ديفيد عبري أنَّ العلاقة الشخصية التي ربطته بأحد السفراء الاميركيين في إسرائيل، والذي عاد إلى الولايات المتحدة، «ساهمت في تبكير موعد وصول القنابل الأميركية التي استعملت في لبنان»، من دون ان يوضح في أي حرب استعملت هذه القنابل.
الآن، تبدو العلاقات الاميركية ــ الاسرائيلية من دون أعباء تذكر. ويتوحد الاميركيون والاسرائيليون على ضرورة «التصدي للتهديد الإيراني». ويفيد مراقبون إسرائيليون بأنَّ هذا ما سيبقي على توحيد الدولتين في هذه الآونة.