«معاريف» ــ أريك بخر
يكتسب المهرجان الذي قام خلاله أول من أمس (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله برش بضعة كيلوغرامات من الملح على جراح إسرائيل، قدراً من الأهمية لا تقل عن مضمون خطابه؛ فهذا المهرجان أقيم لإحياء مناسبة مرور 15 عاماً على اغتيال سلفه في منصب الأمانة العامة لحزب الله، وهي فترة جرى خلالها تغيير رؤساء الحكومة في إسرائيل بمعدل رئيس كل سنتين تقريباً، حيث كان كل واحد منهم يتعهد لنا ويعدنا بأن أيام زعيم حزب الله معدودة، وبالتالي لا يوجد أحد مثل حسن نصر الله قادر على إيضاح وشرح عملية انقلاب الأدوار التي حدثت في الدراما الجارية التي تخصّنا في مقابل العالم العربي. ففي السابق، كان العرب يهددون بأنهم سيلقوننا جميعاً في البحر، وكنا نضحك منهم ونواصل بناء وإعمار بلادنا. أما اليوم فنحن نهددهم بأننا سنقطع رؤوسهم، فإذا بهم يردون بغرس علَمهم ورايتهم في وجهنا.
لم يمض سوى نصف عام تقريباً على قيام رئيس حكومة إسرائيل بالتهديد بأن حسن نصر الله لن يجرؤ على إخراج رأسه من ملجإه تحت الأرض. لكن يمكننا أن نرى، حتى من وراء لحيته الكثّة، أنه أكثر سُمرة (اسمراراً، دليل على أنه عُرضة للشمس، وليس تحت الأرض) من السابق. صحيح أننا لم نره تقريباً خلال الشهرين اللذين أعقبا وقف النار مباشرة، لكنه لا يفوّت مناسبة في الآونة الأخيرة إلا يُظهر فيها وجهه السمين من المخبأ كي يُذكّرنا بأنه من كل قائمة الوعود الطويلة التي حصلنا عليها وتلقيناها في بداية الصيف، فإن الوعد الوحيد الذي جرى تحقيقه والوفاء به في نهاية الشتاء كان ترميم وإعادة بناء غابات الشمال، بينما تمتلئ مستودعاته بالسلاح؛ فحزب الله بقي قريباً من الحدود، وسيكون في وسعنا الحصول على ابنينا الأسيرين في لبنان، تماماً كما وعد نصر الله يوم الأسر، بعد مفاوضات سرية، غير مباشرة ومحرقة للأعصاب.
لقد كشفت حرب لبنان الثانية الإهمال الذي مسّ بقدرة الجيش الإسرائيلي على القتال، لكن ما كشفت عنه هذه الحرب أكثر من أي حرب إسرائيلية سابقة، هو مساوئ وعيوب القيادة المدنية التي تم تعريتها؛ فقد تبين أن الكلام المتغطرس الشرق أوسطي، هو كلام فارغ من أي مضمون، وهذا ما تبين خلال الفترة الزمنية القريبة من فترة وقف النار. لكن الأمر الأسوأ من أي شيء آخر سيحصل في حال محاولة أحد ما في القدس إنقاذ شرفه وكرامته الضائعة من خلال تصفية واغتيال زعيم حزب الله. بيد أن السلوك الإسرائيلي الذي ظهر خلال السنة الماضية يُظهر بأن كل خيار سيئ هو ممكن أيضاً.