قبل قليل من إطلاقه النار وقتله 20 سائحا في متحف باردو، كان ياسين العبيدي في بيته يتناول مع أسرته طعام الإفطار، المكون من حبات التمر والخبز وزيت الزيتون، ليتجه كالمعتاد الى عمله بوكالة للسفر والسياحة. لم يمكث العبيدي في مكتبه سوى ساعتين، ليحصل بعدها على استراحة قصيرة من عمله في الوكالة في الساعة العاشرة صباحا، حيث غادر متجها إلى هدفه في باردو لتنتهي رحلته بهجوم دموي أنهى حياته وحياة سيّاح من عدة جنسيات.تقول عائلة العبيدي إنها لا يمكن ان تستوعب كيف لشاب محبوب ومفعم بالحياة والحيوية ويعشق ارتداء أفخم الملابس المستوردة، ان يتحول الى متشدد يقتل أبرياء بتلك الطريقة الوحشية.

وياسين العبيدي (27 عاما) مثل أغلب شبان منطقة العمران الأعلى، واصل دراسته الجامعية قبل ان يحصل على شهادة في اللغة الفرنسية، ولم تكن تبدو عليه اي مظاهر تشدد او فكر متطرف يمكن أن تدفعه إلى ارتكاب أكبر هجوم دموي في تونس أثار حالة من الذهول والصدمة في البلاد وخارجها.
لكن منذ نهاية العام الماضي أصبح هذا الشاب يقضي كثيرا من الوقت في مسجد التوبة القريب، حيث يلتقي عددا من الشبان ويدور الحديث غالبا عن الجهاد في سوريا وليبيا، وينتهي مصير كثير منهم بالسفر للقتال هناك.
وأمام بيت العائلة، يتحدث محمد العبيدي عم ياسين لـ «رويترز» ولا يخفي صدمته. ويقول «انا حزين على ياسين، ولكنني حزين أكثر على مقتل سياح أبرياء بهذا الشكل... لماذا يدفع هؤلاء الابرياء ثمن فهم خاطئ ومتطرف للإسلام». ويضيف محمد العبيدي الذي كان يرتدي قبعة رمادية ويبدو عليه التأثر: «هؤلاء القتلى هم ضحية الارهاب، ونحن ضحية ايديولوجيا متطرفة وشبكات تجنيد لا تريد الا الموت والخراب».
وفي حي شعبي يعرف باسم «كرش الغابة» حيث ازدحمت المباني العشوائية المحاطة بمصب للصرف الصحي نصبت عائلة ياسين العبيدي خيمة عزاء أمام بيته، المكون من طابقين مطليين باللون البرتقالي، الذي كان يبدو أفضل بكثير من باقي منازل الحي، لكن المقاعد كانت فارغة ولم يكن هناك سوى بضعة أفراد من العائلة واقفين أمام البيت، بينما كانت والدته في الداخل لا تكف عن البكاء من هول الصدمة.
وخلف باب مفتوح على نحو جزئي كانت زكية والدة ياسين تجلس في بهو المنزل مع بضعة افراد من عائلتها تردد لاقربائها وهي تكفكف دموعها: «ياسين لا يمكن أن يقتل عصفورا... كيف يمكن ان يفعل هذا».
وبعد أربع سنوات من إطاحة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، أجرت تونس العام الماضي انتخابات حرة، ووافقت على دستور حديث لتكمل الانتقال الديموقراطي، ولكن الحكومة تواجه العديد من التحديات، من بينها خوض معركة صعبة مع متشددين استفادوا من مناخ الحرية ليزيد نفوذهم بعد انتفاضة 2011.
ويمثل تونسيون نسبة كبيرة من المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق وليبيا، وأصبحت ديموقراطيتهم الوليدة التي تسعى للتصدي للتشدد في الداخل هدفا واضحا. وقال مسؤولون حكوميون ان حوالي 3000 تونسي غادروا للقتال في سوريا والعراق، وعاد منهم نحو 500 ما يثير المخاوف من الجماعات المتشددة، بينما يتزايد نفوذهم في ليبيا التي تسودها الفوضى والعنف.
وكشف مسؤولون تونسيون، أول من أمس، أن المهاجمين سافرا الى ليبيا في أيلول الماضي، حيث تلقيا تدريبات في معسكرات ليبية بعد تجنيدهما في مساجد في تونس.
ووقع الهجوم ــ وهو الأكثر دموية ضد أجانب في البلاد منذ تفجير انتحاري في جربة عام 2002 ــ في وقت حساس لتونس مهد «الربيع العربي» التي بدأت تخرج من المرحلة الانتقالية إلى الديموقراطية الكاملة بعد اربع سنوات على الانتفاضة الشعبية. ونجت البلاد الى حد كبير من العنف الذي عانته عدة دول خلال تلك السنوات الاربع الماضية.
وتعتمد تونس بشدة على زيارة السياح الأجانب لمنتجعاتها الساحلية والرحلات الصحراوية، وكانت الحكومة بصدد إدخال إصلاحات سياسية حساسة ترمي إلى تعزيز النمو الاقتصادي.
وأشاد تنظيم «داعش» بالمهاجمين في تسجيل صوتي باللغة العربية، ووصفهما بأنهما «فارسان من فرسان دولة الخلافة... مدججين بأسلحتهما الرشاشة والقنابل اليدوية». وجاء في التسجيل الصوتي: «نقول للمرتدين القابعين علي صدر تونس المسلمة ابشروا بما يسوؤكم أيها الانجاس فإن ما رأيتموه اليوم أول الغيث باذن الله».
وتقول عائلة العبيدي انه تغيّب لمدة شهرين واخبرها بانه وجد عملا بمدينة صفاقس في جنوب البلاد قبل ان يعود بينما قال مسؤولون انه سافر الى ليبيا في هذه الفترة لتلقي تدريبات.
ويقول عمه إنّ ياسين لم يطلق لحيته تماما، وكان معتدلا واحيانا متساهلا جدا، حيث كنت احتسي الخمر في البيت بحضوره دون ان يشتكي ولو مرة من ذلك.
وتروي ابنة عمه لـ «رويترز» كيف أنه كان شخصا يحب المزاح كثيرا. وتضيف «كان شخصا مرحا يرقص مع الفتيات في حفلات العائلة.. لم يكن مثل السلفيين المتشددين». وتضيف: «في اليوم الاخير تناول فطور الصباح المكون من أكلته المفضلة خبز وزيت زيتون وحبات تمر، وغادر بعدها إلى العمل في وكالة أسفار (سفر) حيث طلب استراحة في الساعة العاشرة وخرج وفعل ما فعل».
ولكن على الرغم من انه كان يقضي اوقاتا اطول في المسجد في الفترة الاخيرة التي سبقت الهجوم فانه كان يبدو منفتحا ولم يظهر اي من تصرفات المتشددين ضد الموسيقى او الرقص مثلا. وتضيف ابنة عمه «لقد كان معتدلا جدا.. لم يطلب يوما اغلاق التلفاز، ولم يقل ان الموسيقى والافلام حرام، او ما شابه ذلك».
ومنذ أحداث 2011 برزت في تونس عدة تنظيمات متشددة، من بينها «أنصار الشريعة» التي أدرجتها تونس والولايات المتحدة على قوائم التنظيمات الارهابية بعد هجوم على السفارة الاميركية واغتيال معارضين يساريين في 2013.
وبعد الثورة مباشرة سيطر وعاظ متشددون على مئات المساجد في كثير من المناطق بالبلاد، واستخدموا خطابا يحرض على الجهاد في سوريا، لكن الدولة تمكنت من استعادة عدد كبير من المساجد وشنت حملات واسعة ضد جماعات اسلامية متشددة واعتقلت المئات منهم.
وكان رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، قد كشف سابقاً أنّ منفذي الهجوم على متحف باردو هما كل من ياسين العبيدي وحاتم الخشناوي.
(الأخبار، رويترز)




جابر الخشناوي: الشريك!

كان جابر الخشناوي تلميذاً انطوائياً في المدرسة الثانوية قبل أن يسافر فجأة إلى ليبيا حيث تلقى تدريبات على حمل السلاح، وعاد ليشارك مع مسلح آخر يوم الأربعاء في الهجوم على متحف باردو في العاصمة التونسية.
وقال أحد أقارب جابر لـ«فرانس برس»، طالباً عدم نشر اسمه، إن الشرطة أوقفت ليلة الأربعاء ــ الخميس عز الدين، والد جابر، وشقيقيه ماهر ومراد وشقيقته لبنى.
ولد جابر، بحسب قريبه، سنة 1994 في قرية «إبراهيم الزهار» التابعة لمعتمدية سبيبة من ولاية القصرين (وسط غرب) الحدودية مع الجزائر. نشأ الشاب في عائلة «متديّنة ومتواضعة، لكنها غير فقيرة»، وفق المصدر نفسه الذي قال إن جابر كان انطوائياً منذ طفولته.
تعيش عائلة جابر من قطعة أرض زراعية يملكها الأب، وتقطن منزلاً بغرف عديدة مزوّداً بالكهرباء ومياه الشرب.
وقال قريب جابر إن كل سكان قرية إبراهيم الزهار متدينون، وقليل منهم «متشدد»، لكنهم ليسوا «سلفيين جهاديين».
وتابع جابر دراسته في المعهد (المدرسة) الثانوي لمعتمدية سبيبة، وكان من المفترض أن يجتاز امتحان البكالوريا هذا العام.
ويعمل ثلاثة من أعمام جابر في هذا المعهد، أحدهم مدرس فلسفة والآخر مدرس تربية بدنية (رياضة) والأخير ناظر.
وكان الشاب يؤم تلاميذ المعهد في الصلاة، ولم تعرف عنه علامات تطرف، ولا ألقى خطباً متشددة خلال الفترة التي قضاها إماما في المعهد.
اختفى الشاب فجأة منذ شهر كانون الأول 2014 بعدما تابع الدراسة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الدراسية، وفق قريبه. وقد علمت عائلته في وقت لاحق أنه غادر إلى ليبيا.
وأكدت وزارة الداخلية إثر الهجوم على متحف باردو، أن جابر انتقل فعلاً مع شريكه في الهجوم على المتحف، إلى ليبيا حيث تلقيا تدريبات على حمل السلاح.
وفي وقت سابق، أبلغ والد جابر الشرطة أن ابنه اتصل به من رقم هاتف عراقي، مرجحاً أن يكون موجوداً في العراق.
وقال قريب جابر إن الشاب كان قريباً بشكل خاص من شقيقته لبنى التي وصفها بأنها «كاتمة أسراره». وأضاف أن الأخيرة أجرت عملية جراحية لعينها بمبلغ 5000 دينار (نحو من 2500 يورو) دفعها جابر كاملة. ويُعَدّ هذا المبلغ كبيراً في تونس، إذ يعادل تقريباً إجمالي متوسط الدخل السنوي للفرد.
(أ ف ب)