"أعيشك في المحل تيناً وزيتاًوألبس عريك ثوباً معطر،
وأبني خرائب عينيك بيتاً،
وأهواكِ حياً، وأهواك ميتاً،
وإن جعت؟ أقتات زعتر".
حب على الطريقة الفلسطينية للشاعر عبداللطيف عقل


يعتقد كثيرون بأن الحب لديه كنياتٌ أخرى، وألوانٌ أخرى خصوصاً بما يتعلّق بالفلسطينيين. يرى الناس بأن الفلسطيني خلق للقتال، والصراع، والعودة، والبنادق. لا يذكر كثيرون عن علاقات الحب التي جعلت قلوب العشاق الأوائل تغفو وتستفيق، ترفض وتتحمس. تشكل جفرا واحدة من أوائل القصص التي عرفها الفلسطيني عموماً، فهي علاقة الحب التي جمعت بين الشاعر أحمد عزيز من قرية الكويكات الفلسطينية وابنة عمه التي تزوجها لأسبوعٍ واحدٍ فحسب، لكنها فرت منه إلى بيت أهلها، وبقي حتى آخر لحظات حياته حينما شرد من وطنه إلى مخيم عين الحلوة في لبنان ينظم لها القصائد أو ما يسمّى "بالجفريات" متذكراً حبها كما لو أنّه حبٌ خالدٌ لا ينتهي.

جفرا وهي يالرّبع= ريتك تقبريني
وتدعسي على قبري = يطلع ميراميه
في نفس الوقت ظلت "جفرا" جزءاً من الثقافة الوطنية للشعب الفلسطيني، الأنثى المقاومة والقادرة على حمل لواء النصر، وجزءاً من أغانيه وعقله. مثلاً حين أنشد:
"جفرا وهي يالربع ربع الجهادية
مية وعشرين سبع صاروا خمسمية
قالت قديش العدد يا جفرا لا تعدي
أنا جيل الثورة اتولد يا ثورتي مدي"
إنها جزء من الحياة المطلقة لعاشقٍ ترك بلاده، لكنه لم يترك ذكرياته هناك. تكمن القصة الحقيقية في تلك العلاقة الملتبسة بين الشاعر أحمد عزيز (اسمه الأصلي أحمد عبدالعزيز علي الحسن) مع احدى قريباته (رفيقة نايف الحسن) والتي هام بها وتزوجها ولكنها أخبرته بأنها تحب ابن خالتها ولن تطيق الحياة معه، فتركته، فهام بها شوقاً ولأنه كان زجالاً ويغني في المناسبات والأفراح ولم يرد أن "يشهّر" بها ويؤذيها، فإنه أعطاها لقب "الجفرا" (أي ابنة الظبي الحسناء أو الفتاة الجميلة بحسب اللهجة الفلسطينية آنذاك)، وبات يغنّي الجفرا في كل المناسبات، وينظم الشعر لها متشبباً بها، لكنه وعلى عادة شعراء تلك المرحلة كان النضال جزءاً من ثقافتهم فامتزج الحب بالنضال والمقاومة والثورة، فكانت الكلمات مزيجاً بين الحب والمقاومة. ورغم أن الحبيبين كليهما وصلا إلى لبنان إلى أنهما لم يلتقيا أبداً، فظل عزيز حتى وفاته في مخيم عين الحلوة، وتوفي فيما بعد في حارة الناعمة في مدينة صيدا (عام 1987)، وتوفيت هي في مخيم برج البراجنة (ويقال حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية) عام 2007. كل تلك المعلومات ظلت حبيسة القلوب ولم يعرف بها أحدٌ قبل أن يقوم الشاعر الفلسطيني المعروف عز الدين المناصرة بالإصرار على البحث عن أصل الكلمة والتسمية وحتى "الفن" أي الجفرا. والمناصرة كما هو معروف كانت له القصيدة الشهيرة "جفرا" والتي غناها فنانون كثر مثل فرقة العاشقين الفلسطينية المعروفة، والفنانين مارسيل خليفة وخالد الهبر واشتهرت كثيراً آنذاك (عام 1982).
سكن بطلا القصة في لبنان، كلٌ في مكانٍ بعيد عن الآخر، ولم يحاول "أحمد عزيز" رؤية جفرته وإن ظل مخلصاً للفكرة بحد ذاتها إذ إنه بقي حتى آخر لحظات حياته يكنّى بأبو علي الجفرا، فهو لم يعرف بالفكرة فحسب بل إنّه "اعتنقها" وحوّلها بشكلٍ أو بآخر إلى حالةٍ عشقيةٍ خاصة. ومن خلال رحلة الحب والتيه والألم والهجرة هذه تتراءى كل قصص الحب الشهيرة، من قيس وليلى إلى روميو وجولييت، جفرا الفلسطينية تأخذ مكانها الطبيعي بين تلك القصص وتكون واحدةً من علاماتها الفارقة وألوانها الخاصة: فهي تضيف بكل بساطةٍ ألواناً زيادةً إلى ألوان طيف الحكايا. الحب لا يكون عند الفلسطيني وحيداً بل يكون مع المقاومة مخبوزاً ومعجوناً أيضاً. لا يعرف كثيرون أن الحب ولد فلسطينياً وبأنه يموت كذلك.

أغنية جفرا من فرقة العاشقين:



أغنية جفرا من مارسيل خليفة:




أغنية "حب على الطريقة الفلسطينية" لفرقة صابرين الفلسطينية:

http://www.youtube.com/watch?v=tc2enBeXv64