strong>اتّصـــالات وإنترنـــت «متكيّفـــة دينيّـــاً»... ومعاقبــة اختــلاط النسـاء والرجـال
لا تتفاجأ إن دخلت إلى بيت شيمش، وانقلب هاتفك الجوّال رأساً على عقب، فلا تكاد تشغله حتى تتلقى رسالة من «مجلس الحاخامات». فأنت لم تعد قادراً على إرسال رسالة أو التقاط صورة أو التواصل مع الإنترنت. لقد أصبح هاتفك مكيفاً دينياً مع المجتمع اليهودي المتشدّد داخل الحياة الإسرائيلية، ولا يمكنك أن تتواصل بأي طريقة خارج نطاق هذه الحلقة المراقبة.
لا يعني هذا أنه ممنوع عليك استخدام التكنولوجيا، ولكن بما «يكفل الكرامة الدينية»، فعليك أن «تتقيّد بالقواعد». وطالما هذا شأنك، تدفع أقل؛ فبينما كلفة الاتصالات سِنْتان مقارنة بـ9 سنتات للخطوط العادية، تصل الكلفة يوم السبت اليهودي إلى 2.44 دولار أميركي كـ«عقاب» لانتهاك قوانين السبت الصارمة.
أهلاً بك داخل المجتمع اليهودي المتشدّد، الذي يشكّل نحو 800 ألف من أصل 7.1 ملايين مواطن إسرائيلي في الخارج والداخل، ويعيش في بيئة ملتزمة بقيود الحاخامات الذين يتدخلون في تنظيم مختلف أوجه الحياة. غالبية هؤلاء تعيش في حال فقر، والعمل بالنسبة لها ليس ضرورياً، حيث نحو 60 في المئة من الرجال بلا عمل، وأكثر من 50 في المئة تحت خط الفقر في انتظار الإعانات الحكومية.
في مجتمع كهذا، تعد مشاهدة التلفزيون أو استخدام الكومبيوتر للترفيه أو اختلاط النساء والرجال من المحرّمات. لكنهم قد يشكلون مادة مربحة للمستثمر الإسرائيلي، إذ لا يستهلكون سوى السلع التي «تتوافق والشريعة اليهودية». لذلك، فهم يملكون سلطة قوية في السوق الاقتصادي كما الانتخابي. ويقول مدير المدرسة الحكومية في هرتسيليا، رافي ميلنيك، «ترى هذا الأمر في مجال صناعة الأغذية والمواصلات»؛ فالطيران الإسرائيلي «العال»، ورغم خصخصته، يستمر في التوقف عن الإقلاع يوم السبت. وتمّ إنتاج سلع لتتوافق مع الشريعة اليهودية، لأن لديهم «القوة التنظيمية»، التي تدفع المُنتِج لإنتاج ما يريدون.
وفي المجمعات التجارية، تجد منتجات متوافقة مع الشريعة، من المواد الغذائية إلى الصابون ومستحضرات التنظيف وغيرها. ولشركة «شتراويس» المتخصصة بالمنتجات الغذائية فروع في المنطقة، ولتلبية رغبات مستهلكيها، تُنتج بعض السلع من مصادر خاصة، فالحليب ومشتقاته مثلاً لا يُمكن أن يُستهلك إذا لم يكن يتوافق مع الشريعة اليهودية. ويعد سوق المتشددين مربحاً للشركة، لأنه يستحوذ على ما بين 8 إلى 10 في المئة من إجمالي مبيعاتها، ما يعادل 73 مليون دولار سنوياً. ولدخول هذه السوق، تستخدم الشركة استراتيجية محدّدة للعلاقات العامة. فهناك في إسرائيل نحو 400 إلى450 متجراً لبيع سلع للمتشددين، و100 متجر في أماكن مختلطة.
وتجد في بيت شيمش، التي تضم 73 ألف نسمة، منطقة تدعى «رامات بيت شيمش»، التي تقسم إلى منطقتين: «باء» صارمة جداً وتضم نحو 15 ألف شخص، و«ألف» أكثر مرونة وتضم نحو 17 ألف نسمة، بينهم الوافدون من أميركا وأوروبا الراغبون في الانضمام إلى المتشددين.
ورغم تشابه المنطقتين، فالشوارع في «باء» أهدأ، وقليلاً ما ترى نساء في الخارج، وتقرأ على الجدران «الدخول ممنوع لمن لا يرتدي الزي اليهودي». ويخرج النساء والرجال إلى العمل في حافلتين مختلفتين، ولكن قد يُضطر الأمر إلى ركوب الجنسين في الحافلة نفسها، ولكن لا يمكنهم الجلوس معاً على المقعد نفسه.
وفي حادثة تصوّر مدى التشدّد والانضباط، اعتدى 5 أشخاص على امرأة وجندي إسرائيلي، لأنها رفضت الجلوس في آخر الحافلة وطلبت من الجندي أن يجلس بقربها فانهالوا عليهما ضرباً، وعندما أتت الشرطة هاجمها عشرات المتشددين، فيما فرّ المعتدون.
في قسم «الباء» من بيت شيمش، يعيش الشاب بالوش الذي يدير متجراً للفيديو والموسيقى، في مجتمع من المفترض أنه يرفض هذا النوع من السلع، ولكن ليس للأطفال، ولا سيما إن كانت تربوية. وقد تجد أيضاً أفلاماً تحتوي بعض التشويق والحركة، ولكن فقط التي يوافق عليها الحاخام.
قد تنخدع وتظن أن منطقتي «ألف» و«باء» متشابهتان، ولكن إن تعمقت أكثر تجد الفرق. فالشاب شمولي كان يدير مطعماً للبيتزا في «ألف»، افتتح فرعاً آخر له في «باء» عام 2005. ولكن بعد 6 أشهر بدأت المشاكل وأخذ السكان يرمونه بالطماطم والزيت والنفط، لأنه كان يُجلس النساء قرب الرجال. وعندما توجه إلى الحاخام ليشتكي، قيل له «انتبه لئلّا تنتهي ميتاً».
(عن الـ«نيويورك تايمز»)