مهدي السيد
تشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن «القط الأسود» الذي مر بين «الإيهودين» (إيهود أولمرت وإيهود باراك)، هو طرف جبل الجليد المُغطى إعلامياً، لكنه الأقل أهمية.
وبحسب تلك التقارير، فإن تبادل اللسعات العلنية بين الرجلين، إضافة إلى الخلاف في موضوع إجراءات اللقاءات مع كبار قادة المؤسسة الأمنية، لا تعكس الاستعدادات التي يقومان بها للتنافس على رئاسة الحكومة فحسب، بل تشهد أيضاً، وربما بشكل رئيسي، على الخلاف الاستراتيجي الجوهري والعميق في مسألة ماهية القناة التي يتعين على إسرائيل تركيز جهودها السياسية عليها في السنة المقبلة.
ووفقاً لتقرير نشره محلل الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، فإن «أولمرت، بتأييد من الموساد ومجلس الأمن القومي والإدارة الأميركية أيضاً، يُفضل التركيز على محاولة التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. وهو مستعد على القناة السورية لإجراء خطوات جس نبض، لكنه ليس مستعداً للدخول في مفاوضات فعلية وملزمة».
في المقابل، «يعتقد باراك، الذي يحظى بتأييد حازم من هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وبمساعدة الشاباك، أن الجهد السياسي يجب أن يجري في القناة السورية تحديداً، بينما يتعين إدارة الجهد على القناة الفلسطينية بحذر وعلى نار حامية».
وبحسب تقدير المؤسسة الأمنية، «توجد الآن فرصة جيدة وضرورة حقيقية للتوصل إلى اتفاق سلام ملزم مع (الرئيس السوري) بشار الأسد»، الذي «سيكون قادراً، وفقاً لهذا النهج، على توفير البضاعة، في مقابل الحصول على تنازلات جغرافية وغيرها من إسرائيل. في مقابل ذلك، فإن أبو مازن لن يكون قادراً ـــــ بحسب رأي أمان والشاباك ـــــ على أن يوفر لإسرائيل مستوى الأمن الذي تطلبه حتى لو وقع على اتفاق معها».
وينقل بن يشاي عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله إن «أي اتفاق سلام مع سوريا سيؤثر بطريقة غير مباشرة على الحلبة الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، لأنه سيفصل دمشق عن طهران وحزب الله وحماس».
ويتساءل المصدر نفسه: «إذا كان الجميع يعرف ما الذي تريده سوريا، وإذا كانت أي حرب تحصل معها ستنهي بالعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، فلماذا ننضم إلى مسيرة الحماقة؟ لماذا لا ندخل الآن في مفاوضات بهدف التوصل إلى النتيجة نفسها التي سنصل إليها بعد الحرب؟». وأضاف أن «سوريا ناضجة الآن لمثل هذه المفاوضات».
ويشير بن يشاي إلى أن «هذا النهج المتناقض كلياً مع موقف رئيس الحكومة، تبلور في الجيش الإسرائيلي طوال أشهر، لكنه حظي بالزخم، ولا سيما بعد الهجوم الجوي الذي شنه الجيش الإسرائيلي على سوريا».
ويضيف بن يشاي أنه نتيجة لتقديرات الوضع هذه، بلورت المؤسسة الأمنية استراتيجية تنص على «تسهيلات في الحلبة الفلسطينية، ومبادرة سياسية على القناة السورية». المغزى العملي لهذه التسهيلات هو استمرار الجهد العسكري لقمع الكفاح الفلسطيني، إلى جانب خطوات اقتصادية وسياسية لتعزيز مكانة أبو
مازن.
وبحسب هذه المدرسة، يجب على إسرائيل أن تشرع في مفاوضات مع سوريا قبل ذلك، على أن تكون هذه المفاوضات سرية في البداية، بواسطة وسطاء، ثم تصبح علنية بعد ذلك.