محمد بدير
بدا أمس أن الخطوات العملية لإطلاق مؤتمر أنابوليس أخذت بعداً تصاعدياً مع مغادرة وفد إسرائيلي إلى واشنطن مهمته الإعداد للمؤتمر، الذي تحدد موعد عقده، وفقاً لتسريبات إسرائيلية، في 27 من الجاري، وسط توقعات بأن تتعهد تل أبيب، قبل هذا التاريخ، بتجميد البناء في مستوطنات الضفة الغربية والاستعداد لإخلاء البؤر «غير القانونية»

أُعلن في إسرائيل أمس أن وفداً رسمياً غادر تل أبيب ليل الأربعاء ــــــ الخميس الى واشنطن حيث سيباشر الإعداد لمؤتمر أنابوليس. ويضم الوفد رئيس مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يورام توربوفيتش، ومستشاره السياسي شالوم تورجمان، إضافة إلى المدير العام لوزارة الخارجية آهارون أبراموفيتش، ورئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي عيدو نحوشتان. ويعكس المستوى الرفيع لأعضاء الوفد الأهمية التي يوليها إيهود أولمرت للتنسيق مع الأميركيين قبل انعقاد المؤتمر، وخاصة في ظل الحديث عن خلافات جدية لا تزال تعترض التوصل إلى بلورة الصيغة النهائية لوثيقة الإعلان المشترك التي يفترض أن تصدر عن المؤتمر.
وفي السياق، أفادت صحيفة «هآرتس» بأن نقطة الارتكاز في الوثيقة تتمحور حول آلية وغاية المفاوضات على التسوية الدائمة التي يزمع إطلاقها بعد المؤتمر. وبحسب الصحيفة، سيتطرق البيان المشترك إلى مرجعية المفاوضات، مثل قرارات مجلس الأمن وخريطة الطريق، وسيعرض تطلعات الطرفين إلى الحل، مع الإشارة إلى «القضايا الجوهرية» وهي الحدود والقدس والترتيبات الأمنية واللاجئون ومصادر المياه.
إلا أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لم يتمكنا حتى الآن من التوافق على مقاربة واحدة تجاه معظم هذه المسائل. فالجانب الفلسطيني، الذي يرأس وفده أحمد قريع، يصرّ على أن يتضمن البيان مبادئ حل «القضايا الجوهرية»، مثل الإشارة إلى الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967، وإلى القدس الشرقية بوصفها العاصمة المستقبلية للدولة الفلطسينية، فيما ترفض تل أبيب، بشخص وزيرة خارجيتها ورئيسة الوفد الإسرائيلي تسيبي ليفني، هذا المطلب وتعرب عن استعدادها لأن يتطرق الإعلان إلى قضايا الحل الدائم تطرّقاً عمومياً من دون عرض حلول.
ووفقاً لـ«هآرتس»، فإن إسرائيل طلبت من الإدارة الأميركية ممارسة الضغط على الفلسطينيين لتليين مواقفهم، ومن جانب آخر تستعد لسلسلة من «البوادر الحسنة» حيالهم للتشجيع على عقد المؤتمر في موعده، بينها إطلاق سراح أسرى وإعلان تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية.
ونقلت «هآرتس»، أمس، عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن الحكومة الإسرائيلية ستعلن قريباً تجميد البناء في مستوطنات الضفة واستعدادها لإخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية قبل انعقاد المؤتمر. وأوضحت الصحيفة أن وفداً إسرائيلياً رفيعاً سافر أول من أمس إلى واشنطن من أجل التباحث مع الإدارة الأميركية في «تجميد البناء الاستيطاني والمصالح الأمنية لإسرائيل».
وبحسب الصحيفة، فإن الإدارة الأميركية طلبت من الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة أن تبدي بوادر حسنة تجاه الفلسطينيين تعويضاً من رفضها التباحث في قضايا الحل الدائم والتزام جدول زمني للمفاوضات، عن طريق تخفيف الإجراءات الأمنية واتخاذ خطوات في اتجاه إخلاء البؤر الاستيطانية ووقف البناء الاستيطاني.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن الإدارة الأميركية طلبت من تل أبيب أن تختار بين إخلاء بؤر استيطانية أو إعلان تجميد البناء في المستوطنات، فاختارت الأخير لكونه «أسهل، ولأنه ينطوي على إعلان فقط ولا يقود إلى مواجهة مع المستوطنين».
يذكر أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعهدت مرات عديدة للإدارة الأميركية بإخلاء البؤر الاستيطانية إلا أنها لم تف بتعهداتها. وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق أرييل شارون توصلت إلى تفاهمات مع الإدارة الأميركية للحد من عمليات البناء في المستوطنات، إلا أن الولايات المتحدة غضّت الطرف عن مواصلة إسرائيل البناء في التجمعات الاستيطانية الكبيرة كآرئيل ومعليه أدوميم والمستوطنات في محيط القدس المحتلة، واستمرار المستوطنين والإدارة المدنية للاحتلال بوضع اليد على أراض فلسطينية، وتوسيع المستوطنات، وإقامة بؤر استيطانية جديدة.
وأشارت «هآرتس» إلى أن الإعلان الإسرائيلي المرتقب يهدف إلى دعم جهود الولايات المتحدة في إقناع الدول العربية في مؤتمر أنابوليس، بعدما أشار بعض المسؤولين العرب إلى ضرورة تجميد البناء في المستوطنات، بل إن قسماً منهم اشترط مشاركته بهذه الخطوة. وأشارت الصحيفة إلى أن إحدى مهمات الوفد الإسرائيلي التحضيري إلى واشنطن تتركز على تنسيق الإعلان مع الأميركيين، وخاصة لجهة المساحة التي يسري عليها قرار التجميد، في ظل الحرص الإسرئيلي على استثناء الكتل الاستيطانية الكبرى منه.
أما المسائل التي لا تزال موضع خلاف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في صياغة وثيقة المؤتمر، فإنها تشمل أيضاً المطلب الفلسطيني بجدول زمني لتحقيق التسوية، وكذلك المطلب الإسرائيلي بأن يُعلن أن غاية المفاوضات هي «إنهاء الصراع وانتهاء المطالب الفلسطينية»، إضافة إلى آلية الرقابة على تنفيذ خريطة الطريق.
إلى ذلك شدد أولمرت، خلال اجتماع بالممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في القدس المحتلة، على أن شرط اعتراق الفلسطينيّين بيهوديّة دولة إسرائيل «مسألة غير قابلة للتفاوض أو البحث».