strong>مهدي السيد
يبدو أن إسرائيل باتت ترجّح ألا تُقدم سوريا على الرد عسكرياً على الغارة التي نفذتها بداية الشهر الماضي على الأراضي السورية، حيث تؤكد أن الرئيس بشار الأسد «خرج من كل الأزمات معزّزاً»

بعد مرور نحو شهر على العدوان الجوي الإسرائيلي على سوريا، سمحت الرقابة العسكرية في إسرائيل لوسائل الإعلام العبرية بالحديث عن تلك الغارة من دون الاستناد إلى مصادر أجنبية. وفيما رأت اوساط إعلامية إسرائيلية في هذا القرار نهاية لسياسة الغموض والتعتيم التي انتهجتها دوائر القرار الإسرائيلية إزاء هذا الموضوع، لفتت أُخرى الى إن الإذن بالنشر لا يعني أن الأمر يتعلق بتأكيد رسمي لحصول الهجوم، بل بالسماح بذكر حصول الحادث من دون نسب المعلومات الى وسائل الإعلام الأجنبية.
في المقابل، حظرت الرقابة العسكرية اي تطرق الى كل ما له علاقة باسم العملية العسكرية وبالتفاصيل المتعلقة بالهدف، وبالقوات المشاركة فيها، وبالمناقشات التي جرت من أجل اتخاذ القرار بشأنها، وبمدى نجاح الهجوم، حيث بقي حظر الرقابة العسكرية ساري المفعول على كل هذه التفاصيل.
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، عن مصادر في مكتب رئيس الحكومة إيهود أولمرت توضيحها أنه لم يطرأ أي تغيير على السياسة المتبعة إزاء الأحداث التي حصلت في سوريا. ونقل الموقع عن «محفل رفيع المستوى» قوله إنه تحدث مع الرقابة العسكرية العليا التي أوضحت أن التغيير الوحيد يتعلق بحقيقة أن المراسلين لن يُلزموا بعد الآن بذكر مصدر التقرير على أنه أجنبي. وأضاف «السياسة بقيت على حالها».
ورجحت مصادر أمنية إسرائيلية، لصحيفة «معاريف»، أن يكون السبب الرئيسي الذي دعا الرقابة العسكرية إلى تغيير قرارها بشأن النشر هو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أكد في مقابلة مع «بي بي سي» أول من أمس، أنه تم تنفيذ هجموم، على حد قول المصادر ذاتها.
وأفاد موقع صحيفة «هآرتس» على الإنترنت بأن الإجراءات التي اتخذتها الرقابة العسكرية من أجل تطبيق قرار حظر النشر في إسرائيل، حتى خارج الطاقم المقلص الذي كان مطّلعاً على تفاصيل الحدث، بلغت مستوى من الصرامة لم يسبق له مثيل في العقود الأخيرة، إلى درجة أن الصحافة الإسرائيلية منعت من التعبير عن رأيها خشية أن يعدّ ذلك تأكيداً على تنفيذها.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ حصول الغارة، حافظت اسرائيل وسوريا على ضبابية تامة إزاء هدف الغارة ونوعيته، إلى أن أكد الرئيس الأسد حصول الغارة.
وكان زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أول من كسر الصمت الإسرائيلي عندما زلّ لسانه بقوله إنه كان مطلعاً على سر العملية، وإنه منح الدعم والتأييد لأولمرت.
وفي السياق، توقفت المحافل الإسرائيلية عند أقوال الرئيس الأسد الأخيرة لمحطة «بي بي سي»، فنقلت «هآرتس» عن محافل في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قولها إن «كلام الأسد يبني لموقف معتدل نسبياً، على الرغم من أن الرئيس السوري أبقى الخيار مفتوحاً للرد العسكري على الهجوم الاسرائيلي»، مشيرة إلى أنه «ولَّد انطباعاً أنه لا يريد التصعيد الآن».
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية اسرائيلية اعتقادها أن «هذا هو التوجه السائد الآن في سوريا» وأن «التصريحات الحربية، تسمع من شخصيات موجودة خارج دائرة التأثير المهم في دمشق». ومع ذلك لا يستبعدون حتى الآن في المؤسسة الأمنية احتمال حصول رد سوري معاكس على الهجوم الاسرائيلي ـــــ «مثل تفعيل منظمة إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في البلاد أو في الخارج» حسبما ذكرت «هآرتس».
وفي الشق السياسي من كلام الأسد بشأن شروطه للمشاركة في المؤتمر الذي يُتوقع عقده في الولايات المتحدة الشهر المقبل، نقلت «هآرتس» عن مصدر سياسي رفيع المستوى في القدس المحتلة رده على كلام الأسد بالقول إن «مؤتمر تشرين الثاني ليس الهدف منه أن يكون بديلًا عن المفاوضات المباشرة، بل خلق أجواء ومناخات، تعطي الدفع للعملية السياسية».
وفي المقابل، أكدت الصحيفة أن حدة التوتر في تراجع مستمر على الحدود مع سوريا، وأشارت الى أن «ما يشير إلى عودة سياسة الأعمال العادية هو حقيقة أنه من المتوقع أن يقوم وزير الدفاع إيهود باراك بزيارة عمل للولايات المتحدة نهاية هذا
الشهر».
وتطرقت «هآرتس» أيضاً إلى وضعية الرئيس الأسد ومكانته في سوريا، فقالت «رغم أن الأسد واجه خلال سبع سنوات من حكمه رئيساً لسوريا، اوقات ازمة غير قليلة، يبدو أنه خرج من كل الأزمات معزّزاً». ونقلت عن خبراء إسرائيليين في المجال السوري تقديرهم بأنه «بعد الازمة، يأتي الفرج. الأسد يخرج قوياً منها».
وأضافت الصحيفة أن «السؤال عمّا اذا كان الاسد سيحتفظ بموقعه في دمشق يقلق الكثيرين في المنطقة وخارجها، لكن خبراء اسرائيليين ودوليين في الشؤون السورية يقدرون بأن الاسد يسيطر وسيواصل السيطرة من دون منازع لفترة طويلة اخرى».
وعن الشعبية التي يحظى بها الأسد، اشارت الصحيفة إلى أنه «كقاعدة، للاسد شعبية بما فيه الكفاية». وأعادت الصحيفة التأكيد على ما كان قد قاله البروفيسور موشيه معوز، خبير في الشؤون السورية في الجامعة العبرية، قاله لها الشهر الماضي من أنه «رغم أن الأسد ارتكب اخطاء جسيمة، ولا سيما في لبنان والعراق، لكن مع ذلك، فقد نجح في ان يجمع لنفسه بعض الاوراق... فهو يصمد بل ويعزز نظام حكمه».