تكريت ــ الأخبار | بين ليلة وضحاها قلب الأميركي، بالتواطؤ مع أنظمة الخليج العربي، الطاولة على عمليات تحرير تكريت التي كان «الحشد الشعبي» يخطط لها، وكانت على مسافة يوم وليلة من ساعة التنفيذ.فبينما كانت قوات «الحشد» تضع اللمسات الأخيرة على استعدادات الهجوم على تكريت الذي كان مقرراً بحسب ما علمت «الأخبار» صباح أمس الجمعة، فوجئت قيادات «الحشد» وفصائل المقاومة العراقية العاملة معه بقرار تبلغته من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بإعطائه الإذن للأميركيين بالمشاركة في الهجوم من خلال القصف الجوي.

وعلى حين غرة، بدأت مقاتلات «التحالف الدولي»، مساء الأربعاء، شن غارات مكثفة على مدينة تكريت استمرت حتى فجر الخميس، ما أدى إلى تداعي قيادات «الحشد» وفصائل المقاومة لبحث خياراتها في ضوء الدخول الأميركي على مسرح العمليات، وهو الأمر الذي يثير لديها حساسيات معروفة كانت قد صرّحت بها في الماضي.
قيادة «الحشد الشعبي»
قررت مواكبة عمليات الشرطة والجيش عن كثب في تكريت

ووفقاً لمصادر اطّلعت على أجواء الاجتماعات، فإن قرار عدم المشاركة في العمليات التي ستحصل تحت الغطاء الجوي الأميركي لم يستغرق وقتاً طويلاً، حيث سارعت فصائل المقاومة تباعاً إلى إعلان سحب قواتها المرابطة على تخوم تكريت ورفضها العمل تحت مظلة «التحالف الدولي». وسرعان ما تبين أن قرار العبادي الذي كان يطبخ على نار هادئة منذ أكثر من أسبوع بالتنسيق مع الأميركيين وأنظمة عربية خليجية شمل أيضاً إصدار أوامر لقيادة العمليات المشتركة في بغداد بإرسال تعزيزات طارئة من الشرطة الاتحادية والجيش إلى محور تكريت، مع التشديد على ضرورة المباشرة فوراً في عمليات اقتحام المدينة بهدف خطف المبادرة من يد «الحشد».
واتضح في إطار الاتصالات التي أجراها العبادي مع بعض قيادات «الحشد» لإقناعها بقراراته أنه خضع لضغوط واشنطن والدول العربية التي ما فتئت تعبّر عن انزعاجها الشديد من «الحشد» وانتصاراته المتتالية التي كرّسته رقماً صعباً في المشهد السياسي والأمني العراقي. ويبدو أن هذه الضغوط الغربية والعربية، التي نجح التصميم الذي أبدته فصائل المقاومة العراقية سابقاً في إجهاضها، أعطت مفاعيلها في عمليات تكريت تحديداً، ربطاً بجملة معطيات أهمها حساسية المدينة بالنسبة إلى العراقيين السنّة الذين يرون فيها رمزاً لفترة حكمهم للعراق. وتفيد أجواء الأروقة السياسية في بغداد بأن القوى السنية العراقية، ومن ورائها الدول الخليجية الراعية لها، لم تكن لتبتلع دخول قوات «الحشد الشعبي» ذات الصبغة الشيعية إلى تكريت، رغم وجود تشكيلات سنية من أهل المدينة والعشائر المحيطة بها تقاتل إلى جانبها.
وهكذا، ما لم تفلح واشنطن في الحصول عليه منذ بدء العمليات الكبرى لـ«الحشد الشعبي» في آمرلي قبل ستة أشهر، حصلت عليه أخيراً في عمليات تكريت، وهو إفقاد المدّ العملياتي لـ«الحشد» زخمه في إطار محاولة لنقل مركز الثقل الميداني لتحرير المناطق العراقية المتبقية تحت سيطرة «داعش» منه إلى القوات النظامية العراقية التي من المفترض أن تعمل تحت مظلة «التحالف الدولي»، بحيث تبقى مرتهنة لأجندته السياسية والميدانية.
ورغم حالة السخط التي تسود الأجواء القيادية والصفية في «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة العراقية من قرار العبادي، تراهن هذه القوى على أن الدعسة الناقصة التي خطاها رئيس الوزراء العراقي سترتد عليه وعلى الأميركيين في نهاية المطاف. فالتجارب السابقة تفيد بأن القوات النظامية العراقية لم تفلح في تحرير منطقة واحدة بمفردها، من دون مساعدة مباشرة أو غير مباشرة قدمها «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة، حتى أصبح هناك ما يشبه الإقرار الضمني وسط القوات النظامية، على المستويين القيادي والصفي، بأن وجود «الحشد» كظهير ميداني يسهم في رفع معنويات الجنود أثناء المعارك، فيما يؤدي غيابه إلى انتكاسة معنوية سرعان ما تتحول إلى انتكاسة ميدانية.
وفي حالة تكريت تحديداً، تذكّر مصادر قيادية في «الحشد» بمحاولتين نفذهما الجيش العراقي في السابق لدخول المدينة انتهتا إلى الفشل، وتشير إلى أن المتغير المستجد في المحاولة القائمة حالياً هو وجود الغطاء الجوي لـ«التحالف الدولي»، وهو بحسب كل التجارب لا يشكل عاملاً حاسماً، خصوصاً أن الجيش العراقي يمتلك طائرات مقاتلة ومروحية قادرة على تأمين غطاء كهذا. وتلمح المصادر إلى أن حصول أي انتكاسة ميدانية للقوات النظامية في معركتها الحالية لاقتحام تكريت من شأنه أن يعزز أسهم «الحشد الشعبي» ويحوّله إلى المخلص الفعلي للعراق من الاحتلال الداعشي.
وحتى مساء أمس، بدا أن المحاولات الميدانية الدؤوبة التي تبادر إليها القوات النظامية العراقية لاقتحام المدينة منذ يومين لم تسجل نجاحات ملحوظة، إذ إن القوات لا تزال تقاتل على تخوم المدينة ولم تتقدم بعد باتجاه حافتها العمرانية الأمامية، نظراً إلى متانة الاستحكامات الدفاعية التي أعدّها «الدواعش» حول المدينة، علماً بأن ثمة انتقادات بدأت تسمع لدى أوساط معنية تتعلق بالخفة التي تم بها زجّ هذه القوات في الميدان من دون إعطائها الفرصة اللازمة للإعداد للهجوم على المستويين العملياتي والإستخباري، الأمر الذي انعكس سلباً على سير العملية وتقدمها، خصوصاً لجهة الخسائر البشرية التي بلغت في اليوم الأول 12 شهيداً.
إلا أنه بحسب ما علمت «الأخبار»، فإن قيادة «الحشد الشعبي» اتخذت قراراً بمواكبة عمليات الشرطة الاتحادية والجيش العراقي عن كثب في تكريت، لأنها ترى مصلحة في انتصار هذه القوات، رغم وعيها لخلفيات القرار الذي دفع باتجاه أخذ زمام المبادرة العملياتية من «الحشد» وتسليمها إياه. ووفقاً للمعطيات المتوافرة، فإن قيادة «الحشد» وفصائل المقاومة، بالتنسيق مع القيادة الإيرانية الصديقة، متمثلة في قائد «قوة القدس» قاسم سليماني، أوعزت إلى بعض فصائل المقاومة ذات البصمة الإعلامية الخافتة، مثل «كتائب الإمام علي» و«جند الإمام» و«لواء البتار» بمساندة القوات النظامية العراقية في عمليات اقتحام تكريت بغية تقليل خسائرها وتعزيز فرص نجاحها.
يشار إلى أن قوات «الحشد الشعبي» كانت قد أنهت قبل أسبوعين المرحلة الأولى من عمليات تكريت وحررت خلالها كل المساحات الممتدة بين نهر دجلة غرباً ونهر العظيم شرقاً وبين مطار الضلوعية جنوباً وسلسلة جبال حمرين شمالاً. وتبلغ مساحة المنطقة المحررة نحو خمسة آلاف كلم مربع. وفي أثناء هذه المرحلة جرت محاولات لاقتحام تكريت لم يكتب لها النجاح، ما دفع قيادة «الحشد» إلى التخطيط لتحرير تكريت في عملية مستقلة، خصوصاً أن الحضور الداعشي في المدينة تعزز في أعقاب تلك العمليات إثر فرار أعداد من المسلحين إليها. وتفيد المعلومات بأن التأخير الذي حصل في تنفيذ عملية تحرير تكريت يعود إلى تريث قيادة «الحشد» وفصائل المقاومة في الإعداد للعملية ربطاً بكونها المرة الأولى التي ستخوض القوات فيها حرب مدن، خلافاً للعمليات السابقة التي كانت ساحتها عموماً مناطق عمرانية مسطحة ذات طابع ريفي. وتبلغ مساحة مدينة تكريت نحو 55 كلم مربعاً، تغطي الكتل العمرانية المتلاصقة والعمودية فيها ما يزيد على 40 كلم مربعاً، فيما تغطي بقية المساحة كتلاً عمرانية أكثر تباعداً وتسطيحاً.