strong>مهدي السيد
باغتت صفقة التبادل الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، الصحف العبرية، التي حاول المعلقون فيها البحث عن دلالاتها الحقيقية؛ وراوحت التقديرات بين من رأى أنها دفعة إسرائيلية على الحساب في الطريق نحو الصفقة الكبرى، ومن رجّح أنه لن يكون لها تأثير كبير في إحداث انطلاقة حقيقية في مسألة تبادل الأسرى بين الجهتين استناداً الى تجارب الماضي، فيما حاول آخرون البحث عن «القطبة الألمانية» لهذه الصفقة وعلاقتها بالإفراج المرتقب عن عناصر المخابرات الإيرانية المعتقلين في المانيا.
وقال معلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»، تسفي برئل، إن الأمين العام لحزب الله السيد «حسن نصر الله لم يعتد عقد صفقات صغيرة، وصفقة التبادل التي جرت أمس هي صفقة صغيرة، سواء من ناحية المقابل الذي تلقاه حزب الله أم من ناحية الثمن الذي دفعته اسرائيل». وأضاف برئل إن حزب الله واسرائيل لا يحتاجان الى «خطوات بناء ثقة» بينهما، ذلك أن الحديث لا يدور عن سياقات بعيدة المدى لاعتراف متبادل أو تغيير جارف في سياسة اسرائيل ولبنان، الواحد تجاه الآخر.
ولم ير برئل في هذه الصفقة أيّ إضافة الى عامل الثقة بين الجانبين، اللذين تأسست بينهما «تقاليد من الثقة في كل ما يتعلق بصفقات التبادل، وعدم الثقة التامة في كل باقي المجالات». على هذا الأساس، يشير برئل إلى أنه لا مفر من التقدير بأن الحديث يدور عن «سلفة، أو دفعة على الحساب بشأن صفقة أوسع».
وتعليقاً على ما تردد عن إمكان حصول اسرائيل على معلومات جديدة وذات أهمية عن الطيّار الإسرائيلي المفقود رون أراد، رأى برئل أن من المشكوك فيه أن تكون مثل هذه المعلومات تنقل الى اسرائيل في مقابل تحرير عنصر عادي في حزب الله وجثتين، ذلك أن هذا الحزب طلب في الماضي ثمناً أعلى بكثير، وعليه، فإن «هذا ما سيحصل أيضاً في كل ما يتعلق بالمعلومات الجديدة عن الأسيرين الإسرائيليين الداد ريغف وايهود غولدفاسر اللذين يحرص حزب الله على عدم إطلاق أي إشارة عنهما».
بدوره، أثار معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، جملة من الأسئلة المستوحاة من واقع الصفقة وطبيعتها، مشيراً الى أنها تبدو مقدمةً لصفقة أكثر جوهرية تتعلق بقضايا الأسرى والمفقودين. لكن السؤال المطروح برأيه هو: ما مدى مغزى هذه الصفقة؟
وأضاف يشاي إن «السؤال المطروح هو هل ما حصل في الناقورة يُعدّ جزءاً من قصة أوسع. بكلمات أُخرى، هل نية ألمانيا إطلاق سراح عنصر الاستخبارات الإيرانية كاظم درابي ليس لها أي صلة بهذه الصفقة؟». وأشار يشاي الى أن «الجهة التي لم تقدم حتى الآن أيّ معلومات ولم تجب عن الأسئلة الإسرائيلية وعلى الوسطاء في موضوع رون أراد، هي الإيرانيون». وعليه، فإن السؤال الآخر المطروح، برأيه، هو «هل الإيرانيون مستعدون الآن لأن يقولوا أكثر مما قالوه حتى الآن؟ وهل لعملية الإفراج عن رجل الاستخبارات الإيرانية المسجون في ألمانيا أي صلة بهذا الموضوع؟ وهل كل هذه الأمور تمثّل جزءاً من صفقة كبيرة واحدة يعمل على نسجها الوسيط الألماني من جانب الأمم المتحدة بمساعدة عوفر ديكل وأفراد حزب الله وربما أيضاً بمساعدة جهات إيرانية؟».
في المقابل، بدا مراسل الشؤون العربية في صحيفة «معاريف»، جاكي حوجي، أكثر تحفّظاً لجهة المبالغة في تعليق الآمال على هذه الصفقة. وقال «من دون أن نقلّل من التفاؤل الحذر الذي يلف القضية، فإن المسألة متعلقة بصفقة هزيلة، حيث إن الماضي يشير إلى أن الصفقات الصغيرة مع حزب الله لم تؤدّ إلى انطلاقة». ولتأكيد وجهة نظره، يلفت حوجي إلى أن المفاوضات السابقة، التي أنجزت عام 2004، سبقتها خطوات مشابهة.
ويرى حوجي أنه «كما في صفقات سابقة، ما سيحدد الأمور سيكون عدد الأحياء المستعدة إسرائيل أن تطلق سراحهم، وخاصة أن حزب الله بحاجة إلى إنجاز». وعليه، فإن «ما سيفتح يد نصر الله المقبوضة هو الحصة التي سيحصل عليها؛ مئات الأسرى، غالبيتهم فلسطينيون، سيصعدون الواحد تلو الآخر إلى الحافلات التي تنقلهم إلى الناقورة. هذا هو المقابل الذي يريده حزب الله». ويضيف حوجي إن الطرفين بحاجة إلى الصفقة الأخيرة وذلك للتخفيف من الضغوط الجماهيرية عليهما.
بيد أن حوجي يحذر المتفائلين من إمكان تليين مواقف نصر الله قائلاً إن «هذه المواقف المتشددة خلال المفاوضات لن تتغير بفضل هذه الصفقة، وسيواصل الإصرار على المساومة، وفي مقابل كل فتات من المعلومات، هناك ثمن». ويخلص حوجي الى القول «في جملة واحدة، ما زالت الطريق طويلة».
وفي السياق، قال محرر الشؤون العربية في موقع «يديعوت أحرونوت»، روعي نحمياس، أن «أوركسترا حزب الله، ستحاول بدءاً من اليوم، حصد ثمار العملية الحالية، حتى لو كان الأمر يتعلق بمرحلة مرحلية، والعودة من خلالها إلى المنصة».
وأضاف نحمياس إنه «يمكن الاعتماد على نصر الله، الذي سيحاول أيضاً التلويح بهذه العملية إلى النهاية في الحلبة اللبنانية، في محاولة لتعزيز موقعه الذي يعاني مشاكل ليست بسيطة».
ويطرح نحمياس السؤال التالي: ماذا بالنسبة إلى صفقة مستقبلية؟ ويجيب بالقول «يعرف القليلون في إسرائيل أين أصبحت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحزب الله. لكن هناك أمر واحد ينبغي التأكيد عليه، في خطابه الاحتفالي مع إطلاق سراح مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد، حين وجّه نصر الله نظره إلى الكاميرا، تحدث مباشرة إلى سمير القنطار وتعهد أنه سيكون التالي».
ويختم نحمياس بالتأكيد على أن «نصر الله سيبذل كل ما في استطاعته لكي يطلق سراح القنطار هذه المرة، وأسر الجنديين أظهر أنه في طور تحقيق ذلك، وأن قدرته كبيرة جداً».