برلين ــ غسان أبو حمد
ألمانيا تتحدّث عن «شد حبال» وتأمل «انفراجاً يؤدي في النهاية إلى سلام» مع لبنان


ترى مصادر أمنية ألمانية أن صفقة تبادل «الرهائن والجثث والمعلومات» التي تمّت بين لبنان وإسرائيل الأسبوع الماضي، حققت انتصاراً كبيراً لـ3 أطراف رئيسيين، وبات بإمكانها أن تكون «مفتاحاً» للمزيد من التقدّم في صفقات التبادل بين الطرفين، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة قد تؤدّي، بمساعٍ من الاستخبارات الألمانية، إلى الإفراج عن عميد الأسرى اللبنانيّين في السجون الإسرائيليّة، سمير القنطار، في مقابل الإدلاء بمعلومات عن «مصير» الطيّار الإسرائيلي المفقود رون أراد.
غير أنّ الوسيط المعتمد من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، عوفير ديكل، نفى، في حديث لمجلّة «دير شبيغل» الألمانيّة، أنّ تكون الصفقة قد رفعت من نسبة التوصّل إلى «صفقة نهائيّة» تتضمّن الإفراج عن الجنديّين الإسرائيليّين المأسورين لدى «حزب الله»، إيهود غولدفاسر وإلداد رغيف.
وشدّد ديكل، الذي انتقل من منصب رئيس بلدية القدس المحتلّة إلى دوره الحالي كمستشار سياسي ناجح لرئيس الحكومة الإسرائليّة، على أنّ القنطار «لن يكون ضمن أيّ صفقة تتعلّق بالجنديّين المخطوفين»، موضحاً أنّه «لن نفرج عنه من دون الحصول على معلومات عن مصير أراد»، وذلك في تكرار لشروط إسرائيل التي أطلقتها عام 2004، عن الصفقة. إلّا أنّ الاستخبارات الألمانية ترى «أن الرفض والقبول هما جزء من عملية شدّ الحبال على طاولة التفاوض».
وفي هذا السياق، تشير المجلّة نفسها إلى أنّ ديكل تمكّن من تغطية الكثير من الفشل الذي يعانيه أولمرت. وتقول إنّه بمثابة «خشبة الخلاص» التي يتمسّك بها رئيس الوزراء لإنقاذ نفسه من الغرق السياسي. وعليه فقد أدّى دوراً حاسماً في عملية التبادل.
وفي عددها الأسبوعي الذي يصدر غداً، تلفت «دير شبيغل» إلى أنّ صفقة التبادل الناجحة حرّكت الجمود السياسي المخيّم على الصراع المركزي في الشرق الأوسط منذ الصيف الماضي، معتبرةً أنّ النجاح في خطوة «التبادل الأولى» بإمكانها تأمين الشروط الأولية لمناخ من الثقة، «وقد تؤدّي بدورها إلى انفراج يسفر في النهاية إلى توقيع سلام بين لبنان وإسرائيل».
والأطراف الثلاثة المستفيدة من تلك الخطوة الأولى، بحسب المجلّة نفسها، هم: أوّلاً، رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، الذي استعاد بعضاً من شعبيّته بعد مأزق الهزيمة السياسية ـــــ العسكرية خلال عدوان تمّوز الماضي، وصولاً إلى الضغط السياسي الذي تعرّض له ومطالبة بعض الوزراء في حكومته له بالاستقالة.
الطرف الثاني هو «حزب الله»، الذي «تمكّن من إظهار حسن نيّاته والخروج من دائرة العزلة الدولية التي يسعى إلى إدراجه فيها القرار الدولي 1701. وساعدته الصفقة على إثبات قدرته على التفاوض في حلّ الأزمات الدولية».
أمّا الطرف الثالث فهو الوسيط الألماني، المعروف في أوساط الأجهزة الأمنية بلقب «مستر حزب الله»، نظراً لنجاحه في استعادة ثقة الأطراف «المتقاتلة» في الشرق الأوسط بشخصه وتفويضه لتحقيق صفقة التبادل الأخيرة بنجاح. فمن هو «مستر حزب الله»؟ هل يكون رئيس جهاز الاستخبارات الألماني، «بي أن دي»، أرنست أورلاو، الرجل المعروف بقدرته الفائقة على التفاوض؟ أم هو سكرتير وزارة الداخلية الألمانية، أوغست هانينيغ؟ أم هو شخصية أمنية ثالثة على معرفة تامّة بخفايا الأجهزة الأمنية في الشرق الأوسط؟
ترفض مصادر الاستخبارات الألمانية الإفصاح عن الهويّة الكاملة لـ «الوسيط»، وهي تشير إلى أنّ أهمية دوره هي رهن ببقاء خفايا جلسات التفاوض سريّة. ومن هذا المنطلق، وحرصاً على نجاح الحلقة التالية من الوساطة الألمانية، تكتفي تلك المصادر بالإشارة إلى معرفته التامّة بالأوضاع «الأمنية» في الشرق الأوسط، وتقول إنّه «كان مسؤولاً أمنياً في بعض السفارات الألمانية المعتمدة في الشرق الأوسط، ولديه معرفة تامّة بخفايا السياسة السورية تحديداً، كما يتقن اللغة العربية بامتياز ويتحدّثها بسهولة وطلاقة. وأخيراً، وبناءً على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في العام الماضي، أمضى أوقاته متنقّلاً بين بيروت وبرلين ونيويورك وتل أبيب» فمن هو؟
لا تخفي «دير شبيغل» معرفة «مستر حزب الله» بشروط الاقتراب من دوائر الأمن وحراسة الشخصيّات المهدّدة، فتلفت إلى أنه على معرفة تامّة بالشروط المطلوبة للاقتراب من تلك الشخصيات. هو لا يحمل جهاز هاتف خلوي ويبتعد عن وسائل البث. ويتمّكن بالتالي من الحديث بطلاقة مع الوسيط المعتمد من جانب حزب الله، «الحاج وفيق». كما يعرف كيف يتحدّث بطلاقة إلى ديكل.
وبالتالي فالثقة هي العامل الأساسي لإنجاح صفقات التبادل، والصمت هو طريق النجاح، والذين عايشوا عملية التبادل الأخيرة، أدركوا أهمية عامل الثقة التي يكتسبها «مستر حزب الله» الألماني من الجميع. فماذا يُتوقّع؟
طبعاً، المعلومة الدقيقة التي حملها الوسيط الألماني، إلى جانب تبادل الجثث والأسرى، هي «الرسالة الأولى بخط يدّ الطيّار الإسرائيلي رون أراد» المفقود منذ عام 1986. هذه الرسالة، التي قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالتحقّق من فحواها والتأكد من أنّها مكتوبة بخط يد أراد، قد تفتح باب التفاوض على مصراعيه لخروج القنطار من الأسر.
وترى المصادر الأمنية الألمانية أن الرسالة دعمت الثقة بين أطراف التفاوض، وفتحت بالتالي الباب أمام أسرى ومخطوفين من الطرفين، وربما حققت بالتالي «تدعيماً للثقة» تمهيداً لتنفيذ الخطوات اللاحقة، وبالتالي الإفراج عن القنطار، الذي نفّذ عملية عسكريّة عام 1979 في مستوطنة نهاريا.

«مستر حزب الله» كان مسؤولاً أمنياً في بعض السفارات الألمانية المعتمدة في الشرق الأوسط، ولديه معرفة تامّة بخفايا السياسة السورية تحديداً، كما يتقن اللغة العربية بامتياز ويتحدّثها بسهولة وطلاقة