حيفا ــ فراس خطيب
أعادت مشاهد المواجهات في البقيعة فلسطينيي 48 إلى «هبة تشرين الأول» في عام 2000، حين شنّت السلطات الإسرائيلية حرباً عليهم بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وهو ما استشعره الفلسطينيون أمس أيضاً لدى تصديهم لمئات الجنود الإسرائيليين الذين حاولوا اقتحام هذه القرية


اقتحم المئات من جنود حرس الحدود الإسرائيلي والوحدات الخاصة التابعة للشرطة، أمس، قرية البقيعة الواقعة في الشمال على مقربة من حدود فلسطين المحتلة مع لبنان، بحجّة اعتقال شبان متهمين بـ«حرق هوائي» لإحدى الشركات الخلوية. وأدت المواجهات إلى جرح 31 شخصاً، بينهم 20 شرطياً من الوحدات الخاصة.
وقال أهل القرية التي تسكنها غالبية درزية، إن الشرطة والوحدات الخاصة أطلقت الرصاص الحي والمطاطي وهاجمت «الخلوة الدرزية»، ما أدى إلى إصابة أحد المشايخ بجروح خطرة.
واعتقلت الشرطة خمسة شبان من القرية، فيما احتجز شبان القرية شرطية وبادلوها بالشبان الخمسة.
واستبعدت القيادات العربية ومواطنو البقيعة أن يكون هذا الاعتداء على خلفية «حرق هوائي»، مشددين على أنَّ ما كان في البقيعة هو «عملية انتقامية، لم تشهد القرية مثيلاً له»، مضيفين أنه حسب القانون الجنائي الإسرائيلي يمكن إرسال دعوة للتحقيق مع الشبان ولم تكن ضرورة لاقتحام القرية بعد أيام من إحراق الهوائي.
وتخوض القرية منذ وقت طويل صراعاً ضد هوائيات الهواتف الخلوية التابعة للشركات الكبرى في إسرائيل. وروى أحد سكان القرية، لـ«الأخبار»، أنّه في أحد الأحياء اكتُشفت عشرات الحالات من السرطان، على ما يبدو نتيجة الإشعاعات. وفي يوم السبت الماضي، أحرق شبان هوائياً يقع في مزرعة الدواجن في مستوطنة «بكعين هحداشا» المبنية على أراضي البقيعة المصادرة.
وانتظرت الشرطة أياماً إلى أن دخلت قوات معززة، مؤلفة من أكثر من عشرين شرطياً من الوحدات الخاصة (يسام)، لاعتقال الشبان. واستفاق أهل القرية على الضجيج وخرجوا إلى الشوارع. وروى شاهد عيان أن «سيارة الشرطة وجدت نفسها بين الأزقة، كانوا يتصرفون بهستيريا مطلقة. خرج رجل من بيته ليرى ما يجري في الشارع فضربوه. وألقوا قنابل مسيلة للدموع على بعض البيوت ونادت إحدى الشرطيات من قلب المركبة: أين أنتم يا جبناء».
وتجمع شبان القرية في الحي القديم وهاجموا الوحدات الخاصة، فدخلت قوة أخرى إلى القرية تشمل مئات أفراد الوحدة الخاصة وأطلقت القوات الرصاص الحي على المواطنين. وأشار شهود إلى أنَّ «الشرطة صوّبت نحو الأجزاء العليا في أجساد المتظاهرين».
وتحوّلت شوارع القرية إلى ساحة مواجهات؛ سيارات محروقة، ومركبات مقلوبة وزجاج منثور. ونصب الشبان حواجز عند مداخل القرية وألقوا الحجارة على السيارات العسكرية الداخلة إليها.
وبعد المواجهات، طالب رجال الدين الدروز ورئيس المجلس والقيادات المشاركة بتأليف لجنة للتحقيق بالحادث، وخصوصاً أنها المرة الأولى التي يُعتدى فيها على «الخلوة».
وقال النائب سعيد نفاع (التجمع الوطني الديموقراطي) لـ«الأخبار» إن «ما حدث في البقيعة يثبت بشكل لا يقبل التأويل أن الخدمة العسكرية الإلزامية ليست كفيلة لمنح العرب الدروز المساواة»، مشدّداً على أنَّ هذه المعادلة «سقطت منذ زمن».
وهاجم نفاع بعض الشخصيات الدرزية التي تتبوّأ مراتب سلطوية بقوله: «هؤلاء لا يخدمون إلا أحزابهم، وهم يمثلون أحزابهم الصهيونية». وتابع أن ما حدث في القرية هو «خطة مبيتة من الشرطة لقمع إرادة أهل البقيعة بشكل خاص وإرادتنا كعرب». وتابع أن «تصرف السلطات في البقيعة، لا يختلف عن تصرفها في مدينة الطيبة قبل أيام. الناس يطالبون بحقهم والشرطة تتدخّل بشكل فظ».
وأضاف نفّاع أن «الناس مصرون على المواجهة وقلت من على عشرات المنابر في الفترة الاخيرة إن الوضع في القرى العربية الدرزية سيولد انتفاضة نتيجة احتقان وتراكم توجهات سياسية هي استهتار بحقوق العرب الدروز ومطالبهم. الساحة تشهد مصادرة أراضٍ وتفكيك مجالس محلية وانهياراً في مستوى التحصيل العلمي».
بدوره، استنكر النائب محمد بركة (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة) الاعتداء على قرية البقيعة، واصفاً ممارسات الشرطة الإسرائيلية والأذرع الأمنية بأنها «جرائم ترهيبية ضد أهالي البقيعة»، مشيراً إلى أن الأهالي «يمارسون حقهم في التصدي لكل من يريد الاعتداء على قريتهم وعلى أجوائها من خلال نصب هوائي يرفضه الأهالي». وتابع أن «الشرطة تريد استغلال هذه المعارضة لتصفية حسابات مع أهاليها وقمعهم ومنعهم من التعبير عن رأيهم ورغباتهم».
وقال النائب جمال زحالقة (التجمع الوطني الديموقراطي) «إن المؤسسة الإسرائيلية قررت أن تدخل في مواجهة مكشوفة مع كل المواطنين العرب من البقيعة في أقصى الشمال حتى قرية الطويل في النقب». وأضاف أن المطلوب هو «توحيد صفوف الجماهير العربية كلها وقد توجهت للسلطات المحلية الدرزية للانضمام إلى لجنة المتابعة العليا حتى نتصدى بوحدة للهجمة السلطوية». وتابع أن غضب أهالي البقيعة كان «نتيجة تراكم السخط على سياسة التفرقة العنصرية والاستهتار بمشاعر الناس وحقوقهم والمحاولات المتكررة للاستيلاء على الأرض».
وختم زحالقة بالقول إن «السلطة ظنت أنها استطاعت تدجين أبناء العرب الدروز، لكن ما حدث في البقيعة هو دليل فشلها، وبرهان على أن الأمور ستنفجر. فمن يزرع الشوك يحصد الشوك».
وتقع قرية البقيعة في الجليل الأعلى على مقربة من الحدود اللبنانية، ويبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، ثلثهم من الدروز، والباقي مسيحيون ونسبة قليلة من المسلمين. وفي القرية حي قديم فيه كنيس يهودي محفوظ. وتسكنها عائلة يهودية منذ قبل النكبة.