strong>محمد بدير
«قيود» وخشية الغرق مجدّداً في وحول غزة تمنعها من اجتياح القطاع

قرّرت إسرائيل أمس الإبقاء على وتيرة عدوانها الحالي على قطاع غزة من دون توسيع عملياتها العسكرية فيه. وفي انتظار جهوز وسائل تقنية ناجعة تمكنها من التصدي للهجمات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، فضّلت، على ما يبدو، التعويل على أساليب التنكيل بسكان القطاع من خلال استخدام الخدمات الإنسانية التي يمكنها التحكم بها رافعةً لتأليبهم على المقاومة عموماً، وحكومة «حماس» خصوصاً، من دون التخلّي عن «التوغلات الهجومية» ردّاً موضعياً يهدف إلى إحباط نشاط المقاومة.
ومثلما كان متوقعاً، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية، في اجتماع عقد أمس في مقر الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة، عدم شن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، خلافاً لمطالبة سكان المستوطنات الواقعة ضمن منطقة «غلاف غزة».
وفي خطوة وصفتها وسائل إعلام عبرية بـ«قرار اللا قرار»، اكتفى قادة إسرائيل بمواصلة العمليات العسكرية الموضعية التي يشنّها جيش الاحتلال على أطراف القطاع، مع طلب إعداد خطة «لتقليص هجمات القسام قدر المستطاع» من الجيش، وإعداد خطة لفرض عقوبات اقتصادية وخدماتية على القطاع من الجهات ذات الصلة.
وأمر رئيس الوزراء الاسرائيلي، إيهود أولمرت، الجيش بإعداد «خطط عملانية مفصلة» تهدف الى مواجهة اطلاق الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة. وقالت رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في بيان نشر في ختام الاجتماع الحكومي الذي استمر نحو خمس ساعات، إن هذه الخطط ستشمل على الأرجح إجراءات قد تؤثر على السكان المدنيين في قطاع غزة. وأكد البيان «الطلب من الاجهزة الامنية، بالتشاور مع وزارة الخارجية والهيئات القضائية، وضع خطة تأخذ في الحساب الجوانب العسكرية والمدنية للتأثير على الخدمات التي توفرها اسرائيل الى قطاع غزة ردّاً على الهجمات الدنيئة التي تستهدف السكان الاسرائيليين». وأضاف البيان أن «الحكومة قررت مواصلة العمليات العسكرية المكثفة ضد الأشخاص الضالعين في الإرهاب وهجمات الصواريخ الذين لن يتمتعوا بأي حصانة».
وبرغم دعوات وزارية سبقت الاجتماع الحكومي إلى استهداف شبكة الكهرباء وبنى تحتية أخرى في القطاع أو فرض عقوبات جماعية على سكانه على مثل وقف تزويدهم بالوقود، فإن أي اقتراح من هذا النوع لم يطرح على التصويت خلال الاجتماع وبقيت إثارته عند حدود التهويل.
وقال مصدر مسؤول في مكتب أولمرت، إن رئيس الوزراء يعارض فكرة إعادة احتلال قطاع غزة ويرى في الوقت نفسه أن فرض عقوبات اقتصادية تشمل كل المدنيين ليست حلاًّ. وأشار المصدر إلى أن اولمرت يؤيد انتهاج «سياسة حازمة اثبتت فاعليتها».
وكانت صحيفة «هآرتس» قد نقلت قبل الاجتماع الحكومي عن مصادر سياسية قولها، إن الخطوات العسكرية الإسرائيلية في القطاع «بلغت الحد الأقصى» ولن يتم توسيعها.
ويعكس الإحجام الإسرائيلي عن اللجوء إلى التصعيد العسكري على جبهة القطاع رغبة في عدم التورط ثانية في وحل القطاع من جهة، ووعياً لعدد من «القيود» التي تجد إسرائيل نفسها مضطرة إلى مراعاتها في الظروف الراهنة. ولخّص معلقون إسرائيليون هذه القيود على النحو الآتي: المحادثات التي يجريها أولمرت مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومؤتمر السلام المتوقع في تشرين الثاني المقبل، والتوتر على الحدود السورية الذي لا يسمح باستقدام قوات كبيرة من الشمال لاستخدامها في غزة، إضافة إلى اقتراب حلول فترة الأعياد اليهودية في إسرائيل التي تمثّل قيداً معنوياً على الحكومة في موضوع تجنيد آلاف جنود الاحتياط.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الدفاع ايهود باراك قوله خلال الاجتماع، إنه في غياب جهاز يحمي بلدات جنوب إسرائيل من صواريخ «القسام»، فإن الحل هو تقليص عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها من خلال عمليات توغل في عمق القطاع. وأضاف باراك أنه في موازاة النشاط الهجومي الموضعي «ينبغي مواصلة النشاط الدفاعي الذي يشمل تحصين الجبهة الإسرائيلية الداخلية»، داعياً في الوقت نفسه إلى «درس إمكاني فرض عقوبات إضافية على حكومة حماس».
وكان باراك قد أصدر تعليمات أمس للمؤسسة الأمنية بدرس الجوانب القانونية وتبعات قطع الكهرباء عن قطاع غزة. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن باراك أمر المؤسسة الأمنية «بدرس الجوانب العسكرية والقضائية لتنفيذ خطوات لتقييد حكم حماس في قطاع غزة» بينها قطع الكهرباء بتقطّع ردّاً على الهجمات الصاروخية للمقاومة ضد المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع.
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فإن طلب باراك يتمحور حول درس «الحد الأدنى الإنساني» الذي ينبغي لإسرائيل ضمانه للفلسطينيين.
من جهة أخرى، قرر باراك أمس تجديد سريان مفعول الأمر الذي أصدره وزير الدفاع السابق عامير بيرتس، والذي يعدّ منطقة «غلاف غزة» في «وضع خاص». وسيسري مفعول الأمر لمدة 48 ساعة إلى حين مصادقة الحكومة الإسرائيلية عليه وتمديده لفترة أطول. ويعني هذا القرار أن وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي، وخصوصا قيادة الجبهة الجنوبية، ستكون مسؤولة عن إدارة حياة سكان بلدات «غلاف غزة» وسيخول الجيش إصدار أوامر للأجهزة المدنية في هذه المنطقة، مثل أجهزة التعليم والصحة والمصانع، وفقاً للتقويمات العسكرية والأمنية.
وكان سكان سديروت قد نظّموا تظاهرة أمام مكتب رئاسة الوزراء في القدس المحتلة وطالبوا أولمرت بالاستقالة «والبدء في تحصين سديروت كما لو كانت تل أبيب». كذلك أضربت المؤسسات التعليمية في المدينة احتجاجاً على عجز الحكومة عن حل مشكلتهم الأمنية.

دعا الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، حركة «حماس» إلى أن تختار بين «إطعام» أطفال غزة أو «إطلاق الصواريخ» على جنوب اسرائيل. وقال للإذاعة الاسرائيلية العامة قبل مغادرته الى ايطاليا في زيارة رسمية، «علينا أن نفعل كل ما هو ممكن على الصعيد العسكري، وأن نبدي حزماً جعل حماس في السابق تدفع ثمن اطلاق الصواريخ»