يديعوت ــ أليكس فيشمان
في غياب الرواية الإسرائيلية لما حدث، لا يبقى سوى الاعتماد على الوصف السوري للأحداث. وما يتحدث عنه السوريون يظهر في أقل تقدير صورة غريبة جداً.
صورة تسلّل صاخب قامت به طائرات سلاح الجو في منتصف الليل إلى الشمال السوري


يجب أن يكون لهذا العرض الجوي المدهش سبب يبرر قبل كل شيء المخاطرة بحياة الطيارين. هذا السبب يجب أن يكون مبرّراً لمستوى الخطورة الذي ستثيرها عملية التحليق هذه، والذي يلامس حد إشعال الريش المنتشر على الحدود.
سلاح الجو حلّق في أجواء لبنان وسوريا في الماضي البعيد والقريب. التطلّع كان الوصول الى وضع يكتشف فيه العدو عملية التغلغل الجوية في مرحلة متأخرة جداً، هذا اذا اكتشفها أصلاً. سلاح الجو يمتلك الوسائل والمعلومات للقيام بذلك. وبالفعل، في جزء لا بأس به من الحالات لم يعرف العدو أن الطائرات الإسرائيلية قد زارته، وفي جزء آخر اكتشف ذلك في مرحلة لا تمثّل خطراً على هذه الطائرات ولم يصرح بذلك علانية حتى لا يحرج نفسه.
أما أمس، بعد منتصف الليل، وفقاً لشهود العيان السوريين، فقد حلّقت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاع منخفض لفترة طويلة قبل أن تجتاز الحدود، الأمر الذي أتاح لمضادات الطائرات السورية الاستعداد لاستقبالها ــــــ هذه الطائرات أصدرت أصواتاً خارقة لحاجز الصوت في سماء سوريا ولاحظها المواطنون، ومن ثم قامت مضادات الطائرات السورية بإطلاق النار عليها. استعراض جوي حقيقي. هذا الاستعراض الذي يأتي في ظل محاولات المستوى السياسي في اسرائيل بث رسالة بخفض التوتر مع السوريين طوال الوقت، ليس منطقياً ولا مقبولاً. سلاح الجو لا يتصرف بهذه الطريقة. ذلك لأن كل عيون المنظومة الدفاعية السورية مُركّزة عليه.
إن قرار تنفيذ طلعات من النوع الذي نفّذ أمس، وفقاً لادّعاءات السوريين إذا كانت صحيحة، يتّخذه المستوى السياسي: رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وأحياناً المجلس الوزاري الأمني كله. مثل هذا القرار هو اختبار أعلى لعقلانية وقدرات القيادة على مستوى العلم والخبرة والفهم والمسؤولية. اسرائيل الرسمية تختار، وفقاً لما يجري الآن، سياسة التعتيم. في بعض الأحيان، يهدف هذا التعتيم الى إخفاء خطوات استراتيجية هامة وإبقاء الخصم في وضع الجهل وعدم معرفة ما يحدث. هذا التعتيم يرمي أيضاً الى عدم التحرش بالعدو بصورة مفرطة حتى لا يكون مضطراً إلى الرد وتركه يتلذّذ بوهم أنه قد نجح، مثلاً بإبعاد سلاح الجو من الأجواء السورية.
ولكن في بعض الأحيان يرمي التعتيم الى إخفاء قرارات إشكالية ومغامرات ومخاطر غير محسوبة. ولأننا لا نمتلك القدرة على تحديد ما يختفي من وراء هذه الطلعة الجوية، لم يبق إلا أن نأمل إمكان الاعتماد على الأشخاص الذين اتخذوا القرار والوثوق بهم. وزير الدفاع (إيهود) باراك شخص مُجرّب، ورئيس هيئة الأركان غابي أشكنازي شخص اختصاصي متميز، أما رئيس الحكومة فقد أصبح أكثر نضجاً بعد لجنة فينوغراد.
أيضاً لم يبقَ إلا الأمل أن لا تكون هذه الثلاثية قد خاضت الخطورة المذكورة فقط من أجل خطوة تكتيكية ما. هذه العملية مبرّرة فقط إذا كان هدفها هاماً. أي عملية تكون ناجعة حتى بعد سنوات طويلة. التكتيك يجب أن يبقى لغزة. سوريا ليست غزة.
هذا الحدث كشف أيضاً حقيقة أن التصريحات في إسرائيل عن انخفاض التوتر بيننا وبين السوريين كانت مبكرة جداً.

فحص جهوزية!

ليس من المنطقي أن يكون أحد ما قد قرر فجأةً أنه يرغب في التصوير ليلاً في شمالي سوريا أو العراق أو مناطق أخرى. كما أن محاولة توضيح هذا الاستعراض الجوي على أنه «فحص لجهوزية» الدفاع السوري في تلك المنطقة، في الوقت الذي تنتشر فيه غالبية الجيش السوري قبالتنا، ليست منطقية.