دمشق | دقت مطرقة القضاة لإعلان الحكم بالطلاق كثيراً خلال سنوات الحرب الأربع الفائتة، فالصراع الذي يدمي قلوب السوريين، لا بدّ أن يقطر مشاكل اجتماعية، تجسد بعضها بخصومات عائلية، وصلت، في حالات كثيرة، إلى الانفصال، حين لم يعد الصلح سيّد الأحكام. فعلى الرغم من الحالة المادية الجيدة للمهندس علاء، إلا أنه لم يستطع منع وقوع الانفصال بينه وبين زوجته التي طالبته بتغيير مكان سكن العائلة، بسبب الأوضاع الأمنية.
يقول علاء لـ«الأخبار»: «قررت ندى الحصول على الطلاق بعد زواج دام 10 سنوات وأثمر طفلين، رافضةً أن يبقى سكننا في بلدة قدسيا، معتبرةً أن من واجبي البحث عن مكان أكثر أماناً، من وجهة نظرها، حتى لو كلفني ذلك الكثير من المال، أما أنا فرفضت ذلك لأن حياتها بالنسبة إلي ليست أهم من حياة والديّ اللذين يسكنان بالقرب مني». بطريقة مختلفة سارت الأمور مع صفاء التي قبلت أن تسكن مع حماتها في بيت واحد، بعدما نزحت 3 مرات، متنقلة بين سقبا وجرمانا والمزة، وتقول: «تحملت الكثير، وعانيت لوعة الإيجار سنتين دون تذمر، لكي أبقى مع ابنتي الوحيدة غير أنني وصلت إلى وضع لا يطاق. مشاكل يومية، وتوتر نفسي»، فكان الطلاق عندما رفض زوجها الخروج من منزل العائلة، ودفع مال لا قدرة له في بيوت بلغت إيجاراتها أرقاماً خيالية.
وضع الانفصال كان مختلفاً حين تقدمت شيرين بدعوى طلاق إلى المحكمة، بعد غياب زوجها عن المنزل لمدة 19 شهراً، بحجة العمل في الخارج. «لم يعد أهلي قادرين على إعالتي، أنا وثلاثة أطفال، وإلى وقت غير معلوم. وأنا لم أعد قادرة على تربيتهم وحدي، أريد الطلاق بأسرع وقت، وسأعمل لأعيل نفسي، ولو خادمة في البيوت، أو قد يتزوجني من يقدر على تحمل هذه المسؤولية معي»، تروي شيرين. فيما كان الاختلاف في الآراء سبباً لانفصال أحمد عن زوجته، بعد مرور عام واحد على زواجهما، ويشرح أحمد الأمر: «اختلفنا بالآراء والانتماءات في ما يتعلق بالحرب الدائرة، احترم كل منا رأي الآخر، إلا أننا لم نعد قادرين العيش تحت سقف واحد، فقررنا الانفصال».

الاختلاف في الآراء السياسية كان سبباً لانفصال أحمد عن زوجته

تشير المحامية، فتون ضوّا، إلى أن نسبة دعاوى الطلاق ارتفعت مقارنة بالأعوام الماضية، وأن الأسباب، غير المباشرة، لكثير من الحالات تعود، في المجمل، لآثار الأزمة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وتقول في حديثها لـ«الأخبار» إنّه «قد يكون أول تلك الأسباب غلاء المعيشة وقلة فرص العمل تزامناً مع النزوح الذي شهدته الكثير من الأسر السورية، ما أدى إلى فقدان المسكن الشرعي للزوجين الذي يعد الأساس لبناء علاقة زوجية مستقرة، بالإضافة إلى الوضع النفسي السيئ الذي عزز المشاكل والخلافات». أمّا القاضي الشرعي الأول في محكمة دمشق، محمود معراوي، فيبين أن ارتفاع عدد دعاوى الطلاق، خلال السنوات الأربع الماضية، لا يعد مؤشراً حقيقياً لزيادة نسبة الطلاق خلال الأزمة، موضحاً أن «محكمة دمشق اليوم تُعنى بقضايا 70% من الدعاوى السورية في مختلف المجالات، نتيجة التدفق البشري الكبير الذي وصل إلى العاصمة، إلا أنه يؤكد أن الصلح الذي كان يحصل أثناء معاملات دعاوى التفريق لم يعد فعالاً كما كان سابقاً، حيث انخفضت نسبته من 20% نتيجة إيجابية، إلى أقل من 5%». ويضيف أنه «في المقابل ازدادت معاملات الزواج. إذ، بملاحظة نسبة الطلاق إلى الزواج فإنها كانت 25% خلال عام 2010، وأصبحت 23% في عام 2014، وبذلك لا يمكن القول إن الأزمة زادت من معدلات الطلاق في سوريا بشكل غير طبيعي».
وبالأرقام، فقد وصل عدد دعاوى الطلاق في عام 2010، بمختلف أنواعه (إداري، دعوة تفريق، مخالعة)، نحو 5300 دعوى، وفي عام 2014 جرى تسجيل نحو 6500 دعوى. ويتابع معراوي: «أنتجت الأزمة حالات جديدة أدت إلى الطلاق، وهي غياب الزوج بشكل غير مبرر، وهنا بإمكان الزوجة تقديم دعوى تفريق للغياب بعد سنة من غيابه، أو دعوى تفريق للشقاق والضرر دون انتظار انقضاء المدة». ويرى أن سكن عدد من العائلات في بيت واحد، والظروف النفسية التي خيمت على الجميع، أدت إلى زيادة نسبة المشاكل الزوجية، وانعكس ذلك على حالات الطلاق، إلى جانب مخلفات الأزمة الأخرى، كالاختلاف بالآراء، أو تردّي الأوضاع الاقتصادية.