بعدوانها على اليمن، نقلت السعودية حربها الشاملة والمتواصلة على اليمن، من حروب بالوكالة عنها بين «أنصار الله» وحلفائها مع «القاعدة» وحزب «اﻻصلاح» المستمرة منذ سنوات، إلى المواجهة المباشرة في أعقاب إخراج عبد ربه منصور هادي من عدن. هذه الحروب التي حاول إعلام وساسة الخليج وحلفاؤهم في الداخل اليمني إلباسها ثوباً طائفياً، سرعان ما أدت الى انتصارات كبيرة وحاسمة لمصلحة «أنصار الله» ضد المشروع التكفيري المرتكز على تحالفات قبلية وعسكرية ورعاية رسمية وتمويل سعودي خليجي لم يتوقف.
كانت الاستراتيجية السعودية في اليمن تعتمد على إضعاف السلطة المركزية، وتكريس تبعيتها الكاملة لها، ومن ناحية ثانية تقوية مراكز النفوذ القبلية والمشيخية والعسكرية التي اعتمدت عليها في الضغط المستمر على السلطة الحاكمة في صنعاء والاحزاب والقوى السياسية القومية واليسارية والتيار السياسي الزيدي ورموزه، وإضعاف التجربة الديموقراطية التي وجدت مع قيام الوحدة اليمنية 1990، إضافة إلى نجاح السعودية في فرض التيار الوهابي على الخطاب الديني ومناهج التعليم في اليمن والعمل على طمس الهوية الحضارية لهذا البلد.
خلال حكم هادي شنّ حزب اﻻصلاح وحلفاؤه القبليون والعسكريون الحروب التي فرضت على «أنصار الله» منذ منتصف عام 2012 في محافظة الجوف المجاورة لصعدة بغرض تحجيمهم وتحطيمهم وإبعادهم عن المشهد السياسي الذي ظهروا فيه بقوة مع مشاركتهم الفاعلة في «ثورة 11فبراير» (2011)، ثم في مؤتمر الحوار الوطني، وتمكُّن «أنصار الله» من كسب جولات تلك الحروب والمؤامرات وصولاً لدخولهم العاصمة صنعاء يوم 21 أيلول (سبتمبر) 2014، وفرار الجنرال علي محسن إلى السعودية، وإسقاط مراكز القوى العميلة للسعودية وللسياسات اﻻميركية الداعمة لتلك المراكز والقوى الفاسدة.
وبرغم انتصارهم الحاسم على القوى المعيقة للحوار السياسي والانتقال السلمي للسلطة، فإن «أنصار الله» لم يفرضوا شروط المنتصر على خصومهم، بل سارعوا لتوقيع اتفاق «السلم والشراكة»، برعاية المبعوث الدولي إلى اليمن، جمال بن عمر، الذي نص على الشراكة الوطنية، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتصحيح اﻻختلالات التي شابت اﻻجراءات التنفيذية، ولا سيما في موضوع الدستور والأقاليم. ونص «السلم والشراكة على دمج «أنصار الله» في اجهزة الدولة وقيام الدولة بالتصدي للحرب على اﻻرهاب. حينها، قبل هادي وبعض القوى المعرقلة الاتفاق على مضض، واعترفت به الدول العشر الراعية لما سمي المبادرة الخليجية.
وتكمن أهمية اتفاق «السلم والشراكة» في أنه عمل على تحويل مرجعية الحوار الوطني والعملية السياسية من المبادرة الخليجية وما استتبعها من وصاية إقليمية سعودية بريطانية أميركية، إلى مرجعية يمنية وطنية للمرة اﻷولى منذ عقود من الزمن.
ومنذ اللحظة اﻷولى لتوقيع اﻻتفاق، بدأ هادي في التلكؤ من تنفيذ بنوده والخضوع للاملاءات السعودية والأميركية، محاوﻻً مع شركائه عرقلة الحوار السياسي الذي رعاه بن عمر للتأسيس لشراكة سياسية جديدة ومرحلة انتقالية جديدة. كان سيكون هادي فيها رئيساً توافقياً بصلاحيات محددة وليس كما كان حاكماً مطلقاً، وهذه المرة بوجود قوى «ثورة 21 سبتمبر» بقيادة حركة «أنصار الله» في مؤسسات الدولة لمحاربة الفساد وملء الفراغ في المحافظات التي أُريد لها أن تسقط في أيدي «القاعدة»، وبوجودهم في الشارع للتعبير عن هموم الجماهير وتطلعاتها الوطنية والقومية، وعلى جبهات محاربة التنظيمات اﻻرهابية.
وكان لكل تلك التطورات أصداؤها اﻻيجابية وطنياً وجماهيرياً، كما السلبية لدى القوى الإقليمية واﻷجنبية التي أدركت حجم المتغير الوطني في اليمن، الذي بات يرفض تدخلاتها في الشأن الداخلي وقضاياه. وبمفعول ذلك التحول، جاء قرار هادي ورئيس حكومته اﻻستقالة بطلب سعودي ﻻبتزاز الثورة وقواها ووضعها بين خياري اﻻنسحاب من المشهد وعودة هادي رئيساً مطلقاً يهيمن على القرار الوطني ويعيث فيه فساداً، ومواجهة الفراغ الدستوري والمؤسسي. لقد اختار الثوار مواجهة الفراغ والتحديات الوطنية على التفريط بمكتسبات «ثورة 21سبتمبر» وفي مقدمتها استقلال القرار السياسي الوطني لليمن.
على تلك الممهدات المحلية والإقليمية والدولية جاء العدوان السعودي ومعه «تحالف الشر العربي» بمباركة ودعم اميركي غربي واضح، ليضع اليمن واليمنيين أمام تحدٍّ مصيري يكسب الثورة المزيد من الصلابة والاقتدار ويضع الشعب اليمني أمام آفاق المواجهة مع العدوان السعودي المحكوم بفشله وانكساره بمقدماته ونتائجه.
أمام حروب الإرادات والضغوط والمحفزات والترهيب الأمني والاقتصادي والتلويح بالحصار، نجحت ثورة الشعب اليمني في الصمود واجتراح البدائل السياسية وامتلاك زمام المبادرة، ولم تكن عملية هروب هادي المنتهية ولايته في 21 شباط الماضي إلى عدن، سوى الفصل اﻷخير من سلسلة طويلة من الامتحانات القاسية الذي تعرض لها الشعب اليمني. فقد حاول المخططون «استثمار» هادي من موقعه في عدن ليقود حرب إخضاع للإرادة الثورية والوطنية باعتباره حائزاً شرعية من يمولون الحروب ويذكون التمردات ويئدون الثورات العربية، غير مدركين حجم التغيير في اليمن ومؤسسته العسكرية التي نفضت يدها من هادي بعدما خذلها وفتتها وتآمر عليها وتواطأ على قتل واغتيال خيرة كوادرها خلال سنوات حكمه الفاشل.
حسمت الثورة أمرها وقررت ومعها الشعب خوض حرب استباقية لدحر المؤامرة التي ينفذها هادي والفلول التكفيرية، فمن تعز الى الضالع وعدن وأبين وشبوة وما بعدها يتكرس مشهد انتصار أبناء الشمال والجنوب على مخطط التفكيك والتفتيت بالحروب الطائفية والشطرية التي اتخذت لها السعودية عنواناً ذرائعياً هو إعادة الشرعية لهادي.
العدوان على اليمن من جانب السعودية وحلفائها يستبطن الرغبة في «تأديب» الشعب اليمني العظيم الذي رفض استمرار الهيمنة السعودية واﻻميركية على قراره السياسي، والتنفيس عن أزمة النظام السعودي وفشله الممتد من سوريا الى العراق الى لبنان الذي مقدر له التعاظم بتوقيع ايران والدول الست اتفاقاً نووياً تاريخياً تعتقد السعودية وحلفها العدواني أنه سيضعهم في مربع الهزيمة الاستراتيجية والحضارية امام ايران.
إنه العدوان على شعب لن يستكين، وسيعرفون أنه لن يهزم قريباً وعلى الباغي تدور الدوائر.

* القائم باعمال الامين العام لحزب «الحق» اليمني