strong>الدكتور جوناثان سبير (باحث مختص بالشؤون الدولية في مركز غلوريا، شغل في السابق منصب المسؤول عن المكتب الصحافي للحكومة الإسرائيلية)

تنشر «الأخبار» في ما يلي أهم ما ورد في حلقة نقاش خاصة بلبنان، أعدّها «مركز الأبحاث العالمي للشؤون الدولية ــ (غلوريا)، التابع لمركز هرتسليا المتعدد المجالات في إسرائيل، بالتعاون مع برامج الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية الأميركية، حاول خلالها عدد من الباحثين الإسرائيليين والأميركيين، استشراف مآلات الواقع اللبناني وانعكاساته والقدرة على التأثير فيه، تحت عنوان: «مستقبل لبنان»

- «تتركّز الاهتمامات الإسرائيلية الآنية تجاه لبنان، على ما تراه اسرائيل التنفيذ المحدود والجزئي للقرار 1701، وتحديداً في ما يتعلق بمنع تهريب السلاح عبر سوريا، وتفويض اليونيفيل صلاحيات اوسع كي تتمكن من منع إعادة تسليح حزب الله في الجنوب اللبناني.
وبات من المسلم به عموماً، منذ وقف إطلاق النار، أن هناك عمليات تهريب سلاح واسعة النطاق من سوريا الى حزب الله، في الوقت الذي يفتقر فيه الجيش اللبناني، بحسب تقويم الأمم المتحدة، الى الخبرة والمعدات والوحدات الضرورية (لمنع ذلك)، إضافة إلى أن قوات اليونيفيل لم تنتشر على الحدود مع سوريا. الأمر الذي يعني، أن الحزب يواصل تسلحه، خلافاً لمهمة الموكلة للقوات الدولية.
وهناك أيضاً أدلة على أن حزب الله أعاد، وبشكل واسع، ترميم بنيته التحتية العسكرية التي تضررت خلال الحرب، رغم وجود الاف من الجنود الدوليين وجنود الجيش اللبناني، مع مهمة ظاهرها منع ذلك. واسرائيل، من جهتها، تريد انتشاراً لليونيفيل على الحدود الدولية بموجب الفصل السابع، بدلاً من الفصل السادس، ما يمكّنها من التعامل مع حزب الله بقوة أكبر، وإلا فلا يسعنا إلا أن نتوقع مزيداً من الأزمات والهجمات مستقبلاً.
وتنظر اسرائيل إلى أحداث لبنان من منظور اقليمي واسع، حيث تظهر ايران وعملاؤها كمصدر أساسي للتهديد. ولبنان، من وجهة النظر الاسرائيلية، ساحة من الساحات الإقليمية التي تسعى ايران وعملاؤها إلى تعزيز قوتها من خلالها، وكلما ازادت قوة ايران ازداد التهديد الموجّه الى اسرائيل.
من ناحية ثانية، ترى إسرائيل أن أياً من الأطراف الفاعلة في التحالف الاستراتيجي المعارض لوجود إسرائيل، لا يريد البدء وبشكل فوري بصراع معها. إلا أن هذا التحالف يعمل على بناء قوته في لبنان باعتباره (لبنان) محطة في هذه المرحلة في إطار الحرب الطويلة والاستراتيجية ضد إسرائيل. ومع إعادة تسليح حزب الله، من الممكن القول إن تجدد الصراع، ليس الا مسألة وقت.
أما في ما يتعلق باليونيفيل، فيبدو أنها قبلت بأن تقوم بدور محدود للغاية، ويمكن التهكم والقول إنها أصبحت تحت حماية حزب الله الى حد ما. ولا يعني ذلك أن المسألة مسألة انهيار، لكنها قوات تمتنع عن القيام بأي شيء. وأريد أن أنقل عن مسؤول ايطالي تعرض لهذه المسألة بالقول: ليس لدينا الارادة السياسية في ايطاليا بأن يُعاد الايطاليون جثثاً وبالأكياس الى الوطن.
واذا ما اندلعت الحرب مجدداً، فهناك إمكان لأن تعمد اسرائيل الى تعميق اجتياحها، وهذا يعني إمكان أن تصطدم بالقوات السورية».



الدكتور بول أ. جوريديني
(باحث أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ومستشار لعدد من المؤسسات والشركات الأميركية الكبرى، لديه العديد من المؤلفات حول المنطقة والأزمات فيها)

- «دعوني أبدأ بالقول إن هناك فرقاً واضحاً بين «حزب الله» و«أمل»؛ فالشيعة في لبنان ينظرون إلى الحزب الديني وارتباطه بإيران، وهذا يعطيه شرعية. أما «أمل» فينظر إليها كمجرد أداة سورية، لا أكثر ولا اقل. وليس هناك شك في أن (الرئيس) نبيه بري قد تمكن من استخدام منصبه لتوظيف العديد من الشيعة في لبنان، سواء لدى الحكومة أو في الأعمال التجارية الكبيرة، اذ ليس هناك فندق أو شركة طيران أو كازينو أو غيرها، لم يجر إجبارها على توظيف الشيعة. لكن مع ذلك، لا يكنّ كل المجتمع الشيعي احتراماً كبيراً لنبيه بري.
من جهة أخرى، فإن الجيش اللبناني، كمؤسسة عسكرية، لا يملك تدريباً او معدات ضرورية لمراقبة الحدود ومنع تهريب السلاح، وقد جرى اجهاده بين نهر البارد والجنوب وحفظ الامن في بيروت. كما أنه ليس هناك من مجال لأن يقدم على مواجهة حزب الله وتجريده من سلاحه، لانه لا يعرف كيفية محاربة المتمردين. اذ استغرقت عملية التخلص من 300 شخص من الجهاديين في نهر البارد أكثر من شهر، فالجيش اللبناني ليس قادراً على الدخول إلى معاقل حزب الله.
وفي ما يتعلق بإسرائيل، انا على قناعة بأنه ليس باستطاعتها ان تنتصر على حزب الله، وعليها أن تعالج قبل ذلك سوريا؛ اذ لدى إسرائيل القدرة على الوصول إلى بيروت ودحر حزب الله، لكن في النهاية عليها ان تنسحب من هناك، وبالتالي سيتمكن حزب الله من العودة. إن الطريقة الوحيدة لتغيير المعادلة في لبنان هي بتغيير المعادلة في سوريا، ومن دون ذلك، فان أي حرب مع حزب الله هي حرب خاسرة، ومعظم نتائجها ستكون مؤقتة.
انا على قناعة بعدم وجود طريقة للنصر في لبنان من دون مهاجمة سوريا، بطريقة أو باخرى.
في الوقت الذي اقدر فيه جهود الإدارة الأميركية على دعمها للحكومة اللبنانية، وهو دعم يساعد بالتأكيد، لكنني غير مقتنع بأن الولايات المتحدة تتبع سياسة يمكنها أن توصل إلى سدة الرئاسة شخصية غير مؤيدة لسوريا. والامل أن تتمكن قوى 14 اذار من انجاز شيء، واعتقد أن هذه القوى ترسل الينا كثيراً من «الوعود» حول هذه المسألة، لأنها تواصل القول: انتظروا حتى منتصف تشرين الأول، وسوف تستسلم قوى 8 آذار، وعندها سننتخب الرئيس الذي يناسبنا. أنا لا أرى أنهم سيستسلمون، وأننا سننتخب الشخص الذي نريده. ولا أعلم كيف لحزب الله أن يستسلم.
من ناحية ثانية، أريد أن أضيف إنه نتيجة لجهود حزب الله باتجاه إسقاط الحكومة اللبنانية، تسلّل العديد من الجهاديين والإرهابيين إلى لبنان؛ ليس فقط في نهر البارد، بل أيضاً في بيروت وصيدا والشمال، مع دعم من المؤسسات غير الحكومية والأموال من دول الخليج. والسنة، كما نعرف جميعاً، لم يكن لديهم ميليشيا، وما يقلقني هو أن ينسحب الشارع (السني) من يد (سعد) الحريري و(فؤاد) السنيورة».


لي سميث
(باحث متخصص بالشؤون العربية
والإسلامية في معهد هيدسون في واشنطن)

- «إذا ثبت أن قوات اليونيفيل غير فعالة، فستبرز مشكلة اخرى. سيزيد ذلك من اعتقاد سوريا بأن قرارات الامم المتحدة، سواء تلك المتعلقة باخراجها من لبنان أو تلك المتعلقة بالتحقيق الدولي حول الهجمات الارهابية في لبنان التي يجري ربطها بها، هي قرارات من الممكن تجاهلها. إضافة إلى ذلك، ستخشى اوروبا أن يتعرض جنودها لهجمات، مما سيقوّض جهودها بشأن حل قضايا الشرق الأوسط، وهذا أمر بالغ الخطورة.
ويتوجب أيضاً الاشارة إلى أن الحكومة اللبنانية، تختلف في أدائها عن حكومة لبنان عام 1970، اذ امتنع السنة في ذلك الوقت عن العمل ضد القوى المتطرفة، بل جرى التعامل معها كحليف. لكن اليوم، وكما ظهر من التعامل مع «فتح الإسلام» من جانب الحكومة السنية في لبنان، وبمساندة من الدول الخليجية وبموافقة من المصريين والأردنيين، فقد أقدمت هذه الحكومة على الدخول إلى المخيمات، ومواجهة مجموعة ميليشيات فلسطينية».



الدكتور باري روبن
(مدير مركز غلوريا للأبحاث الدولية التابع لمركز هرتسليا المتعدد المجالات في اسرائيل)

- «أود أن أشدد على اهمية عدم النظر إلى سيطرة حزب الله كحقيقة لا مفر منها، اذ هناك العديد من الأخطاء التي وقع فيها الحزب:
أولاً: ضيّع فرصة بناء تحالف مع السنة في لبنان، وانحاز إلى جانب الجيش السوري، في الوقت الذي بات فيه من المؤكد أن لسوريا يد في مقتل رفيق الحريري، أهم زعيم للطائفة السنية في لبنان. لقد وضع حزب الله نفسه عدوّاً للسنة.
ثانياً: أصبح حزب الله، بعد الحرب ضد إسرائيل عام 2006، اقل شعبية في لبنان، إذ إننا نجد مرارة عميقة واستياءً، إضافة إلى أن الحزب لم يتابع إعادة الإعمار.
ثالثاً: يظهر الحزب ولاءً أكثر لسوريا وإيران من ولائه للبنان؛ فحزب الله بمثابة حركة شيعية تستجيب لمصالح دمشق وطهران.
أخيراً، لم ينجح حزب الله، بعد طول جهد والعديد من التهديدات، في فرض سلطته على الحكومة اللبنانية.
من ناحية سياسية، فإن دعم حزب الله هو خطأ كبير (يرتكبه السوريون)، اذ من الأفضل أن يركّزوا على السياسيين التقليديين الذين يمكن السيطرة عليهم؛ فلسوريا، كما هي الحال بالنسبة إلى حزب الله الذي يقاتل اسرائيل ويريد السيطرة على لبنان، استراتيجيات متناقضة جداً.
سوريا تريد العودة الى لبنان، وتقول للأوروبيين وللأميركيين من خلال القنوات الدبلوماسية التالي: اذا كنتم لا تريدون حرباً أخرى ضد اسرائيل، أو أنكم لا تريدون أن نثير مشاكل في العراق او عدم الاستقرار في لبنان، فيجب أن نحصل على الدور الأساسي في لبنان والتخلص من المحكمة الدولية.
الأولوية الرئيسية لسوريا هي التخلص من المحكمة الدولية، وفي المرتبة الثانية استعادة السيطرة على لبنان.
الإدارة الأميركية ترفض ذلك من الأساس. لكن إذا تولى رئيس ديموقراطي كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، فسوف نرى ما سيحدث عندها.
في اطار مناقشة العوامل الخارجية، من الضروري جداً أن نسأل عن دعم الحكومة اللبنانية. هل ينوي الأوروبيون والأميركيين الوقوف الى جانب لبنان لمواجهة النفوذ الإيراني والسوري؟
الحكومة اللبنانية هي الأكثر موثوقية للحلف الأميركي في العالم العربي، اذ رغم ما يشيعه المصريون والسعوديون، فهم ليسوا على استعداد لمواجهة إيران. لكن بحكم طبيعة واقع الحكومة اللبنانية، ليس لديها خيار سوى المواجهة والمكافحة من اجل البقاء. إن الحكومة اللبنانية في غاية الأهمية من وجهة النظر الأميركية.