صعدة | بالرغم من أن الحياة في صعدة تبدو محدودة النشاط وثقيلة الحركة، إلا في حدود ما تقتضيه متطلبات العيش الأساسية التي تفرض على السكان تحدّي قصف الطائرات بحثاً عن لقمة عيش، تشهد المحافظة الشمالية التي تتصدّى للحرب للمرة السابعة، حراكاً كبيراً لقبائلها نحو الشمال، استعداداً للقتال.لا توجد في صعدة مراكز تسوّق تجارية كبيرة، بحُكم البنية التحتية المتردية ومستوى الدخل الضعيف للفرد.

فصعدة تعد من أفقر المحافظات اليمنية، ويعتمد الناس فيها على الزراعة والرعي كمصدر رئيسي للدخل لقرابة 75% من السكان. وهو عامل خفّف نسبياً من آثار الحرب والحصار على الجانب الاقتصادي، لكن نائب المدير العام لمكتب الصناعة والتجارة في المحافظة، عبد الرحمن الصيلمي، يؤكد في هذا المجال أن صعدة لا تمتلك مخازن غذائية استراتيجية ولا صوامع غلال، ويعتمد السوق فيها على ما يستورده التجار من محافظة الحُديدة والعاصمة صنعاء، ما يُغطي السوق لمدة أسبوع».
ليست المرة الأولى التي تُشن فيها حرباً على صعدة. لقد عاشت المحافظة الشمالية ست حروب خلال عشر سنوات، آخرها استمرّت ستة أشهر، وشاركت فيها دولٌ عربية على رأسها السعودية، ما يجعل من الحرب استراحة للقبيلة التي لا يُفارق سلاحها أكتافها، ودخول كل المحافظات اليمنية في دائرة استهداف طيران التحالف السعودي منحَ القبيلة من اللُحمة والوحدة ما كادت تفقده بفعل التجاذبات السياسية.
تجربة الصعداويين مع الحروب أكسبتهم خبرة كبيرة لمواجهة تحديات الحرب وتداعياتها، على سبيل المثال اعتاد الأهالي إجلاء السكان إلى المناطق الجبلية بعد حفر جروف وملاجئ صناعية يجري إعدادها على نحو عاجل ثم تُوسع لاحقاً بما يتناسب مع عدد أفراد العائلة النازحة. وكانت أغلب الأسر، وخصوصاً في منطقة خولان الجبلية غربي صعدة، قد حفرت هذه الجروف أيام الحروب الست، وهي الآن بحاجة فقط لبعض الصيانة والتوسعة. أما في منطقة صعيد صعدة، فالوضع الإنساني أكثر صعوبة، ويراهن السكان على التنقل في جغرافية الأرض المتنوعة بين السهول والهضاب. فالطيران الذي بدأ من يومه الأول باستهداف البنى التحتية لن يستثني المساكن وبيوت المواطنين بل وملاجئهم الإنسانية التي ترعاها وتشرف عليها منظمات دولية منبثقة عن الأمم المتحدة.

تتعطش القبائل التي تعيش
على الحدود لقتال آل سعود
وما حصل يوم 30 آذا الماضي، من استهداف لمنطقة المزرق أودى بحياة أكثر من 45 شهيدا وأدى الى 150 جريحا على الأقل، بينهم أطفال ونساء وشيوخ وجلّهم مدنيون عزل، هذه المجزرة المروّعة زادت من تخوفات السكان وخصوصاً في ظل سكوت المجتمع الدولي. أما بالنسبة إلى المدارس في صعدة، فهي عرضةً للاستهداف في كل حرب تقريباً من قبل الطيران، حتى إن غالبية المدارس المدمرة جراء الحروب السابقة لا تزال شاهدة على همجية القصف الذي كانت السعودية شريكاً فيه، بل وهو ما يُفسّر تعليق الدراسة منذ اليوم الأول للعدوان الحالي.
ومنذ اليوم الأول لشن الغارات على صعدة، بدت واضحة طبيعة الأهداف التي يشنها التحالف بقيادة السعودية من خلال استهداف البنية التحتية للمحافظة، مثل محطة مياه ومحطة كهرباء وقبلهما كانت محطة الغاز الواقعة في منطقة قحزة، شمالي صعدة، ما أدى إلى احتراق مخزونها بالكامل بالإضافة إلى إتلاف حوالي 3000 أسطوانة غاز، وهو رقم كبير بالنسبة لحجم الاستهلاك. هذا الأمر أثار مخاوف المسؤولين من ارتفاع سعر الغاز الأمر الذي لم يحصل حتى اللحظة، كما أشار الصيلمي الذي أضاف أن مادة الغاز تأتي مباشرة من مصافي مأرب ولا وجود لمخازن استراتيجية في المحافظة.
لكن الملاحظ أن انعدام أو قلة مادة الديزل يُعدُ أمراً حساساً بالنسبة لسكان المحافظة الذين يعتمدون عليه في عمليات ري المزارع وتشغيل ماكينات حفر الآبار الجوفية، باعتبارها مصدرا رئيسيا للحصول على الماء، وخصوصاً مع نضوب مياه الآبار السطحية التي تتغذى من مياه الأمطار الموسمية، وهو التحدي الذي تتوقف على التغلب عليه الزراعة، لكن التحدي الأكبر في ظل الأوضاع الحربية المفروضة على المحافظة، يبقى الخشية من استهداف طيران التحالف المعادي للسلاسل البشرية المنتظرة نصيبها من الديزل أمام محطات الوقود، وخصوصاً بعدما استهدف الطيران الحربي السعودي محطات الوقود نفسها في محافظة إب وتسبب بمقتل العشرات، غالبيتهم من الأطفال، سكان المنازل المجاورة.
وفي مقابل تلك الاستباحة للعدوان السعودي ولأن الحرب ليست قدراً، تحتشد قبائل صعدة نحو الشمال للقتال. الشيخ مجلي التام، شيخ أحد بطون قبيلة وائلة الشهيرة الممتدة بين الأراضي اليمنية والسعودية، وهو مقرّب من «أنصار الله» وشارك مع رجال قبيلته في قتال الجماعات التكفيرية بمنطقة كتاف الحدودية، يصف الحرب بأنها «متنفّس حقيقي» له ولرجال قبيلته. ويقول في حديثٍ إلى «الأخبار»، إن معظم القبائل اليمنية التي تعيش على حدود أرض الحرمين «تتعطش للقتال ضد آل سعود المغتصبين للأراضي اليمنية ومرتزقة المال الذين باعتهم حكوماتهم بمال النفط السعودي القذر»، متسائلاً: «أين هذه الوحدة وهذه القوات والطائرات من فلسطين المحتلة؟ وما الذي فعله اليمنيون بتلك الدول حتى تُحشد ضدهم كل هذه الحشود؟». واستنفر الشيخ مجلي القبائل اليمنية للوقوف في وجه الغطرسة السعودية، ودعاها إلى نسيان كل الخلافات بينها، والالتحاق بحبهات القتال، محذراً من أن العدوان طاول كل الشعب وسيطاوله من دون أن يستثني أحد.
كذلك، تشهد صعدة توافد الألوف من رجال القبائل المدججين بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، الآتين من معظم المحافظات اليمنية استجابةً للدعوة التي أطلقتها «اللجنة الثورية» للتعبئة العامة، وباركها زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، وهي مجاميع قبلية عُرِف عنها البأس الشديد والقدرة الكبيرة على القتال، ويُعدُ انضمامها إلى صفوف المقاتلين من «أنصار الله»، عامل قوة يُضاف إلى الرصيد القتالي الكبير للجماعة، التي تنتظر حالياً الإذن من قائد الثورة الحوثي للبدء بالرد، وهو ردٌ يتوقع الكثيرون أن يكون قوياً وقادراً على تغيير معادلات القوة التي يسعى التحالف ومن ورائه أميركا على فرضها في المشهد اليمني.