تتواصل الاستنتاجات والتحليلات والانتقادات، مع تواصل العدوان السعودي على اليمن. ومنذ البدء بهذا العدوان حتى اليوم، يبقى في العالم الغربي ـ كما العربي ـ من يلتف حول الموضوع أو من يستسهل الاتهام، إضافة إلى القلّة القليلة التي تسعى إلى وضع إصبح على الجرح، في محاولة لإيجاد ترابط منطقي بين الأحداث.لكن مع تصاعد وتيرة العنف وبروز عناصر جديدة في هذه الحرب، بدأت الأحداث بالنسبة إلى بعض الصحف الغربية تأخذ منحى مختلفاً أو ربما أكثر عمقاً، مع أن هذه الأخيرة كانت قد هلّلت في البداية للخطوة السعودية، على اعتبار أنها أتت دفاعاً عن الأمن القومي السعودي، مثلاً.

رغم ذلك، لم يسترعِ مقتل 40 مدنياً وجرح 200 باستهداف مخيّم للنازحين شمال اليمن الانتباه كثيراً، إلا أنه اضطر بعض الصحف إلى النظر إلى الموضوع بعين واحدة، لانشغال العين الأخرى بتشريح الأحداث بأبعادها الاستراتيجية.
صحيفة «ذا غارديان»، مثلاً، توقفت عند المجزرة، أول من أمس، لتقول إنه «كما كان متوقّعاً، فإن المدنيين هم الذين يدفعون ثمن التنافس الإقليمي والطائفي».
«ما يُطلق عليه اسم الأضرار الجانبية، حدث فعلاً خلال عملية عاصفة الحزم، فقد تمّ استهداف مخيم للنازحين اليمنيين، وقتل 40 شخصاً»، قالت الصحيفة في افتتاحيتها، مؤكدة ما ذكره المفوّض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، عن أن اليمن «على شفا الانهيار».
«ذا غارديان» اعتبرت أن «السبب الرئيسي وراء العملية العسكرية في اليمن هو تخوّف السنّة من إمكانية توصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، ما دفع الملك السعودي الجديد، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي تعتبر عائلته الحامي التاريخي لأهل السنّة، إلى شن عملية عسكرية مع حلفائها على اليمن».
وفي إشارة إلى أن الخطوة السعودية كانت متسرعة، أضافت الصحيفة أنه «ليس من المبكر أبداً دعوة جميع الأطراف المتصارعة إلى الالتفاف حول مائدة للمفاوضات، لأن البديل سيكون إراقة دماء عدد أكبر من المدنيين»، مؤكدة أنهم «أول ضحايا لأي استراتيجية مضطربة أو مرتجلة».
مع كل ذلك، لم تهمل الصحيفة البريطانية المقاربة الغربية المتعارف عليها، محاولِةً موازنة الأدوار بين الحوثيين والطائرات السعودية، فنوّهت بـ«تقارير تطرّقت إلى جرائم حرب ارتكبت من قبل الطرفين».
غداة هذا التقرير، حملت «ذا غارديان» على بلادها، التي تؤدي دوراً في هذه الحرب «بشكل غير مباشر»، وفق ما رأى جيل فرايزر في أحد التقارير.
قال فريزر إنّ «من المحتمل أن تكون السعودية قد استخدمت المقاتلات النفاثة التي صُنعت في بريطانيا، لإلقاء القنابل على مخيّم للنازحين في شمال اليمن»، فالسعودية تبقى أكبر الأسواق المستوردة للصناعات الدفاعية البريطانية.
«إن كنتم تظنون أن الأمور في الشرق الأوسط لن تزداد سوءاً، تجب إعادة التفكير في الموضوع»، عقّب الكاتب، «وإن كنتم تظنون أن لا دخل لنا، فذلك لأننا نختار أن لا نذكر أنفسنا بأن المحركات التي تصدح في السماء هي من صناعتنا، وأن اليوروفايتر التي تقصف، تم تجميعها في لانكشاير»، أضاف فريزر، ليقول بعدها: «نحن نصدِّر الأسلحة، ثم نرتعب عندما تُستخدَم».
في الولايات المتحدة، الحدث ذو مجرى آخر، فالمدنيون لا أهمية لهم في التقارير المنشورة نسبة إلى تحليل البعد الاستراتيجي، وخصوصاً الشق المرتبط بالولايات المتحدة نفسها.
«يجب أن لا نخطئ، الولايات المتحدة تقاتل في هذه الحرب على اليمن»، كتب ميكا زينكو أول من أمس في «فورين بوليسي». فبلاده تقدم المعلومات الاستخبارية عن قائمة الأهداف والمسؤولين الأميركيين قالوا إن «المخططين العسكريين الأميركيين يستخدمون المعلومات الاستخبارية والصور الحية التي توفرها طلعات مراقبة جوية على اليمن، لمساعدة السعودية في تقرير ماذا وأين تقصف».
ومثل كل التدخلات العسكرية، أضاف الكاتب: «كان هناك الكثير من المبررات، في بعض الأحيان متناقضة، يقدمها المسؤولون الأميركيون». وهنا أشار إلى البيانات التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، لتبرير هذا العدوان.
وبناءً على هذا، وفق زينكو، فقد اتخذت المساعدات، وبشكل واضح، طابعاً أبعد من مجرد الدعم «الاستخباراتي»، «فقد أعلنت وزارة الدفاع السعودية أن فرقة البحث والإنقاذ الأميركية، التي أقلعت من قاعدة جيبوتي أنقذت طيارين سعوديين في خليج عدن. ولا ننسى أن الولايات المتحدة تزوّد الطائرات المقاتلة السعودية بالوقود الجوي».
«الجنرالات السعوديون يستخدمون الحرب على اليمن للاستعراض»، عنون برايان مرفي في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، فـ«منذ بدء العملية على اليمن، يقوم الصحافيون بالاستماع إلى البيانات السعودية حول مستجدات العملية العسكرية... مع زيادة نفحة من شعور السعوديين بالفخر، إلى حدّ أن الحدث تحوّل إلى ما يشبه بروفة لبلد يمكن أن يخرج بسرعة من خلفية الاتفاقات الأمنية الأميركية ويأخذ مشاكل المنطقة على عاتقه».
هذا الدور السعودي المتغيّر لحظه وبرره فهد فرزاد في تقرير في مجلة «ذي ناشيونال انترست»، انطلاقاً من نظرية أن السعودية تسعى إلى تحويل الشرق الأوسط. وإن رأى الكاتب أن الخطوة الأولى التي قامت بها المملكة على هذا الطريق هي اتخاذ موقف أكثر اعتدالاً تجاه جماعة «الإخوان المسلمين»، لكن بالنسبة إليه وإلى عدد آخر من المحللين، فإن ما سعت السعودية إلى القيام به هو «إنشاء تحالفات جديدة على أمل تأليف جبهة موحدة في وجه ما يعتبر تهديدين كبيرين لأمنها القومي ولاستقرار المنطقة، إيران وداعش».
أما عن دور الولايات المتحدة في كل ذلك، فبحسبه «رغم أن الرياض وواشنطن أكملا التعاون عن قرب على جبهات عدة من ضمنها الضربات العسكرية ضد داعش في سوريا، منذ بدء الربيع العربي»، لكن الاختلاف بين البلدين «برز خلال السنتين الأخيرتين، الأمر الذي أدى بالسعودية إلى البدء بتطوير قدراتها العسكرية، من دون أن تضطر إلى الاعتماد على الولايات المتحدة التي تغيّرت التزاماتها وأولوياتها بشكل واضح تحت إدارة الرئيس باراك أوباما». لكن مع الوقت «برزت إيران على أنها أخطر نقطة خلاف بين الولايات المتحدة والسعودية»، وفق الكاتب.
(الأخبار)