هآرتس ــ جدعون ليفي
محمود عباس ملزم بالبقاء في البيت. من المحظور أن يسافر إلى واشنطن في الظروف الحالية. إن لقاءاته مع إيهود أولمرت تتحول إلى مسألة مهينة ومذلّة لشعبه ولن تتمخض عن أي شيء جيد. العقل لا يطيق المزيد من مسرحيات الزيارات الودية الدافئة التي يقوم بها قائد فلسطيني إلى القدس مع طبع القبلات على خدي زوجة رئيس الوزراء الذي يهدد في الوقت نفسه بوضع مليون ونصف من أبناء شعبه تحت الحصار والتجويع والظلام.
لو كان أبو مازن زعيماً قومياً حقيقياً، وليس شخصية وهمية صغيرة، لكان عليه أن يصرح: لا مؤتمر ولا لقاءات إلى أن يُرفع الحصار عن غزة. ولو كان يتميز بالمقام التاريخي الرفيع لأضاف قائلاً: المؤتمر هو مع اسماعيل هنية فقط. فهو أيضاً يمثل الفلسطينيين، وإذا كانت إسرائيل تريد السلام حقاً، لا مجرد «إعلان مبادئ» مع قائد ـــ دُمية فلن يفضي إلى أي شيء، لكان عليها أن تحترم ذلك. على إسرائيل أيضاً أن تكون معنية بأن يُعتبر أبو مازن قائداً في نظر شعبه، وليس فقط دمية مربوطة بخيط تحركها إسرائيل والولايات المتحدة.
أبو مازن الضعيف يمتلك الآن القوة في ظل تحرّق زعماء واشنطن والقدس إلى فرصة لالتقاط الصور في مؤتمر السلام لإبراز «إنجاز» ما، بإمكانه، ويجب عليه أن يهدد بالمقاطعة حتى يحاول انتزاع شيء ما على الأقل لأبناء شعبه. ففي غزة أيضاً يعيش فلسطينيون، ولا يمكن لأبو مازن أن يواصل تجاهل الوضع غير الإنساني الذي يعيشون فيه محبوسين من قبل إسرائيل.
إلا أن الانطباع هو أن أبو مازن ليس أكثر من متفرغ سياسي مواظب وقادر على البقاء. فهو لا يشارك في طقوس الأقنعة الأميركية ـــ الإسرائيلية بسبب ضعفه أو سذاجته؛ إن غزة بالنسبة له هي «منطقة معادية» بدرجة لا تقل عنها بالنسبة لإسرائيل. بينه وبين إسرائيل الآن وحدة مخزية من المصالح.
ولا يكتفي أبو مازن بعدم معارضة ما ترتكبه إسرائيل في غزة، لا بل إنه يشاركها في الفرضية الحمقاء التي تعتقد أن الضغط القاسي سيؤدي إلى خضوع «حماس» وعودة المواطنين إلى أحضان «فتح». بذلك يبرهن أبو مازن على أنه بالفعل ليس صوصاً لم ينبت ريشه بعد، كما نعته (آرييل) شارون، وإنما دجاجة سخيفة لا تكترث لمصلحة شعبها.
كان من المفترض بمؤتمر السلام الحقيقي أن يدعو كل الأطراف المتنازعة. السلام يعقد بين الأعداء. السؤال الحاسم ليس مشاركة السعودية فيه أو عدمها، وإنما إذا كان هذا المؤتمر سيتضمن تمثيلاً فلسطينياً حقيقياً. أبو مازن يمثل في أقصى الأحوال نصف شعبه، وبإمكانه أن يحقق نصف اتفاق. نصف الاتفاق هذا لن يصمد هو الآخر مع معارضة «حماس» القوية. مصلحة كل الأطراف، بما فيها أبو مازن، تتمثل في جر «حماس» إلى طاولة المفاوضات. مؤتمر سلام من دون «حماس» وسوريا هو أضحوكة.
يصعب على ما يبدو أن نتوقع من أبو مازن أن يترفع عن اعتباراته الضيقة، وأن يدعو إلى مشاركة «حماس» المنتخبة ديموقراطياً. إلا أن الحد الأدنى المطلوب ممن يحمل اللقب الرفيع «رئيس السلطة الفلسطينية» هو أن يحاول الحرص على مصلحة كل أبناء شعبه، وخصوصاً عندما يكونون في ضائقة فظيعة إلى هذا الحد. لكنه بدلاً من العمل على وقف إطلاق النار وفتح غزة أمام العالم، ينشغل في صياغة ورقة عمل أخرى لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه، وسرعان ما ستلقى في مزبلة التاريخ كسابقاتها.