حيفا ــ فراس خطيب
ياتوم: الملك حسين سامحني وعبد الله الثاني يخشى قيامنا بعمليّات على أرضه


عشر سنوات مرت على محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل على أيدي وحدة خاصة إسرائيلية في الأردن. فشلت العملية وضُبط منفذاها وأجبر الإسرائيليون على إرسال طبيب إلى عمّان لتفكيك مفعول السم الذي رشّه العميلان على عنق مشعل.
وفي تقرير أعدّته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يكشف الصحافي يوسي ملمان تفاصيل جديدة عن الإخفاق الكبير، معتبراً أنه «الأكبر في تاريخ الموساد، كاد أن يؤدي الى ضرب السلام مع الأردن».
ومن المقرّر أن يصدر رئيس «الموساد» السابق، داني ياتوم، كتاباً، خصص فصلاً كاملاً منه لقضية محاولة اغتيال مشعل في الخامس والعشرين من شهر أيلول عام 1997. ولا يبدو ياتوم نادماً، رغم ما سببته العملية من إخفاق. كتب «في نظرة إلى الوراء، العملية لم تسبّب أضراراً: العلاقات مع الأردن عادت إلى ما كانت عليه. وبحسب رأيي، فإن قرار الملك عبد الله الثاني بطرد قادة حماس بعد توليه السلطة، نابع من تخوفه من قيامنا بعمليات على أرضه». ويدّعي ياتوم أيضاً بأنَّ «مبعوثاً أردنياً من القصر الملكي الأردني، قال له بعد وفاة الملك حسين، إن الملك سامحه على أفعاله».
ويعيد ملمان تسلسل الأحداث وكيفية اتخاذ القرارات. يقول إنَّ «حماس نفذت عملية داخل اسرائيل قتل إثرها 16 إسرائيلياً وجرح 169 آخرين. طالب رئيس الحكومة الإسرائيلي في حينه بنيامين نتنياهو رداً سريعاً واتصل بياتوم، ودعاه إلى مكتبه. وطالبه بتحضير قائمة بأسماء لقادة من حماس، ممكن يجب تصفيتهم».
بعد اللقاء، دعا ياتوم رؤساء الأقسام ووحدات العمليات في «الموساد» الى جلسة طارئة. وطلب منهم قائمة بـ «أهداف للتصفية». وتبيّن خلالها أنَّ «الموساد» لا يملك قائمة تلائم الهدف المطلوب.
كان قادة «حماس» موجودين في المناطق المحتلة، والمسؤولية في هذه الحالة تقع على عاتق جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) لا على «الموساد». وقال أحد المشاركين في الجلسة، لـ«هآرتس»، «اعتقدنا بأن ياتوم يملك الجرأة المطلوبة، من أجل الذهاب إلى رئيس الوزراء الإســـرائيلي وإبلاغه بالحقيقــة وأن لا هدف للهجوم».
إلا أن النبوءة لم تتحقق. كان ياتوم «عنيداً» وقدّمت إليه في النهاية قائمة اشتملت على أسماء لـ«قياديين صغار» غالبيتهم في أوروبا. إلا أن ياتوم طلب قائمة جديدة، تشمل «أهدافاً» في الأردن. فأُعدت قائمة برز منها اسما موسى أبو مرزوق وخالد مشعل، فتم اختيار مشعل.
وتقرر تكليف وحدة «قيسارية»، التي تضم وحدة «كيدون»، بتنفيذ العملية.

تعزيز القرار

في الرابع من أيلول عام 1997، وقعت عملية تفجيرية أخرى في شارع بن يهودا في القدس المحتلة، قتل فيها خمسة أشخاص وجرح 181 آخرون. عززت العملية نيات الإسرائيليين بتنفيذ عملية الاغتيال.
كانت الوضعية «تبشّر» بأنَّ كل شيء يسير على ما يرام. رئيس وحدة «قيسارية» وضابط الاستخبارات منحا ياتوم الشعور بأن كل شيء تحت السيطرة ونسبة نجاح العملية عالية جداً. لم يتحدّث أحد عن إمكان إخفاق. وقال عميل «موساد»، لـ«هآرتس»، «لم يشكّك أحد من محيط ياتوم في العملية، لم يسأل أحدهم أسئلة، لم يلفت أحدهم انتباه ياتوم الى الصعوبات المتوقعة».
كان على نائبة رئيس «الموساد»، عليزا مغان، أن تشكّك، لكنّها لم تفعل. قالت، لـ«هآرتس»، «إنَّها لم تشارك في اتخاذ القرار بل في بعض الجلسات فقط»، مشيرة الى أن «الخطأ الأكبر في تنفيذ تلك العملية لم يكن في اختيار مكانها (الأردن) بل في كيفية الاتكال على خرائط ورسوم لميدان العملية من دون أن يخرج رئيس الموساد أو رئيس قسم إلى جولة ميدانية في مكان محاولة اغتيال مشعل».
كانت وحدة «قيسارية» تشعر «بثقة زائدة بالنفس»، تعود الى اختيار وسيلة الاغتيال، وهي السمّ، الذي حضّر في المعهد البيولوجي في مدينة نس تسيونا. سُمّ يظهر مفعوله بعد ساعات، من دون أن يتضح سبب الوفاة.
سافر ستة عملاء «موساد» الى الأردن، كان على اثنين من وحدة «كيدون»، بحسب التخطيط، التوجه الى «الهدف». وقد كتب رونين برغمان، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل عام تقريباً تفاصيل التخطيط: «يقترب مقاتلان تابعان للموساد الإسرائيلي من مشعل (من الوراء) يفتح أحدهما علبة مشروب غازيّ بعد خضّها بشكل كبير ومبالغ فيه حتى يفيض المشروب منها مع ضجة. ويقوم المقاتل الثاني في تلك الأثناء برش السم القاتل على مشعل أثناء فتح القنينة ليعتقد الهدف (مشعل) بأنَّ السم هو نفسه المشروب الغازي الخارج من العلبة. وعندما يلتفت لفحص ما إذا كان قد تبلل من المشروب الغازي، يلقى بجانبه سائحين أجنبيين (عميلي الموساد) وكأنهما متخبطان ومحرجان من الحدث بحسب التمثيلية التي وضعاها. وقد اقترح دكتور البيوكيمياء أن يحمل المقاتلان معهما مضادّ السم إذا رشَّ أحدهم السمّ على نفسه بالخطأ».
وقالت «هآرتس» إن اختيار السم وسيلة للاغتيال قلّل من استعدادات الوحدة لسيناريو مضاد إذا فشلت العملية، وهو جزء من سلسلة إخفاقات أبرزها أن «الموساد» أعطى العميلين المذكورين جوازي سفر كنديين من دون أن يتأكّد مما اذا كانا يتحدثان الإنكليزية بلكنة كندية.
وأثناء تنفيذ العملية، اقترب عميلا الموساد من مشعل، فتح أحدهما علبة المشروب، ورش الثاني الغاز على عنق مشعل. استمرت العملية ثانيتين. شعر مشعل شعوراً غريباً وكأن شيئاً قرصه، لكن مساعده شعر بشيء آخر وضرب واحداً من الاثنين بصحيفة كان يحملها.
بعد العملية، فقد عميلا «الموساد» الاتصال بمن معهم، واستقلا سيارة تم استئجارها لهما خصيصاً، بحسب بيرغمان. لكن مساعد مشعل لحق بالسيارة وسجل رقمها. كان على السيارة الهروب الى نقطة التقاء، حيث تنتظرها سيارة أخرى. وحتى اليوم، ومع أن لجان تحقيق كثيرة تولت الموضوع، ليس واضحاً لماذا أخطأت السيارة في طريق عودتها وعادت تقريباً إلى نقطة انطلاقها، حيث استطاع مساعدو مشعل الإمساك بهما وتسليمهما إلى الشرطة الأردنية، التي ادعيا أمامها أنهما سائحان كنديان، لكن أحداً لم يصدقهما لأنّ لكنتهما الإنكليزية ليست كندية.
استطاع باقي عملاء «الموساد» الهروب من الأردن، ومنهم من وجد مكاناً آمناً في السفارة الإسرائيلية في عمان. وغضب الملك حسين وهدّد، بحسب «هآرتس»، بوقف العلاقات مع اسرائيل وبإرسال وحدات عسكرية نخبوية لاقتحام السفارة في عمان.
في أعقاب الإخفاق، استدعى نتنياهو سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي في حينه، افرايم هليفي، الذي تربطه علاقة طيبة بالملك حسين، وأوفده إلى عمّان، حيث اقترح على الملك صفقة اطلاق سراح العميلين في مقابل إطلاق سراح الزعيم الروحي لـ «حماس» أحمد ياسين، وإرسال طبيب إسرائيل إلى عمان لإبطال مفعول السم الذي تعرض له مشعل، وهو ما حصل.