حيفا ــ فراس خطيب
نشر المحلّل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، رون بن يشاي، أمس تقريراً موسّعاً عن زيارته إلى سوريا، حيث قضى هناك «ستة أيام وسبع ساعات» بهوية مزيفة زار فيها مناطق عديدة من حلب إلى دمشق، وصولاً إلى دير الزور والجزء غير المحتل من الجولان، حيث وصف الوضع بأن «المنطقة لا يبدو بأنها تستعد لحرب» مع إسرائيل


أكد رون بن يشاي، في تقريره عن مشاهداته في سوريا التي وصلها الأربعاء قبل الماضي وغادرها الاثنين الماضي، أن «حياة الناس في هذا البلد طبيعية، وكذلك أوضاعهم والمقاهي التي يجلسون فيها»، مشيراً إلى أنه زار، في اليومين الأخيرين، منطقة بحوث دير الزور، معتقداً أنه المكان الذي نفذت فيه اسرائيل غارتها الجوية في السادس من الشهر الجاري.
وزار الصحافي الإسرائيلي الجولان برفقة سائق سيارة أجرة يدعى ماجد ليرى عن كثب مدى استعداد السوريين للحرب. شاهد، بحسب روايته، «الكثير من المعسكرات، ومعدات للحفر وخنادق. لكن عدد الجنود كان قليلاً». وأضاف «كان هناك الكثير من الدبابات والمدرعات، لكنها كانت بعيدة عن الخط الأمامي. وعند الأسلاك الشائكة السورية المطلة على إسرائيل (الجولان السوري المحتل)، هناك الكثير من المواقع العسكرية المحفورة والجاهزة، لكن لم يكن فيها أحد».
وخلال جولته في المناطق السورية، أشار بن يشاي إلى أنه «لم يجد، لا في دمشق ولا في غيرها، رياح حرب تهب بقوة مثل الرياح التي تهب في إسرائيل»، مضيفاً أن السوريين الذين تحدّث إليهم، بدءاً من تجار في البازار وحتى موظف حكومي رفيع المستوى، يدّعون أنه «لن تندلع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل القريب».
ونقل تقرير بن يشاي عن «موظف سوري كبير» قوله «لن تُفتح حرب في المستقبل القريب». وأضاف «لكننا نريد الجولان الذي احتلته إسرائيل منا. نحن نملك الصبر. وفي النهاية سنعيده إلى أيدينا». وتابع إن «التهديدات هي وسائل ضغط شرعية. لكن الحرب هي أمر مختلف كلياً. يبدو لي أن الإسرائيليين هم من يريد حرباً. لذا فهم يستفزوننا دائماً».
ويشير الصحافي الإسرائيلي إلى أنه «في مرحلة واحدة في رحلتي كان واضحاً أن شيئاً ما قد حدث» في منطقة دير الزور، حيث تدّعي وسائل الإعلام الغربية أن الطائرات الإسرائيلية أغارت في السادس من أيلول على هدف في المنطقة. ونقل بن يشاي، عن صحافي سوري يحرّر في صحيفة محلية من دير الزور، قوله «نعم، لقد حلقت طائرتان إسرائيليتان فوق المدينة وضواحيها في تلك الليلة، وسمعنا أصوات انفجارات وهمية وقال لي ضابط تحدثت معه إن الطائرتين الإسرائيليتين لم تقصفا وإنما أسقطتا قطعاً معدنية». وأضاف الصحافي السوري، رداً على سؤال حول «القطع المعدنية»، «في الحقيقة لا أعرف، ومن يعرف فليس مستعداً لإبلاغي».

يوم الأربعاء: حلب

يروي بن يشاي قصة دخوله إلى الحدود السورية عن طريق تركيا. ويقول إنه تعرف إلى رجل أعمال سوري اسمه عاطف أثناء وجوده في الطائرة المتجهة من اسطنبول إلى المدينة التركية التي سقطت عليها خزانات الوقود للطائرات الإسرائيلية.
ويقول بن يشاي «جلس إلى جانبي رجل في نهاية الثلاثينات من عمره، عرّف عن نفسه بأنّه رجل أعمال سوري يتاجر بالملابس والأحذية، ويظل متنقلاً بين سوريا وتركيا». ويتابع «عندما سمع بأني أريد السفر إلى سوريا تلهّف كثيراً وقال: تعال معي، أنا مسافر إلى حلب، نستأجر سيارة أجرة من المطار، ونسافر معاً ونصل الليلة. تلك مدينتي، أنا أعرفهم جميعاً هناك. سأحرص عليك، ليس هناك فقط، إنما في كل سوريا». ردّ عليه بن يشاي «لكني لا أملك تأشيرة دخول»، إلا أن رجل الأعمال السوري قال له «لا تقلق، أنا أعرفهم جميعاً هناك».
رفض الجندي السوري عند الحدود إدخال بن يشاي من دون تأشيرة إلى سوريا، إلا بمصادقة مسؤول رفيع المستوى. دخل عاطف إلى أحد المكاتب، وبعد نصف ساعة، عاد برفقة الضابط المسؤول وقال لبن يشاي إن الضابط يريد توجيه أسئلة له. حقق السوريون مع بن يشاي ما لا يقل عن ساعة. وفي النهاية، تأكد الضابط، بحسب بن يشاي، أنه «سائح أجنبي»، فدفع 33 دولاراً في مقابل التأشيرة.
وفي حلب، يصف بن يشاي الأجواء الرمضانية التي تهيمن على المدينة، بالقول إن «الشوارع مضاءة، لافتات دعائية ضخمة، أزمة سير وصفارات تختلط بالموسيقى الشرقية. شباب وعائلات يتجولون في شوارعها. هناك من يجلس أيضاً ويدخن النرجيلة، نساء شابات مع حجاب وأخريات يرتدين ملابس غربية. جلسن في مجموعات ويثرثرن ومن فوقهن غيوم دخان ضخمة».
ويشير بن يشاي إلى أنه لم ير أي رجل أمن أو شرطي يحافظ على الهدوء. وقال «يجب الاعتراف بأن الخوف من المخابرات والشرطة السرية، أثبت نفسه في سوريا كوسيلة فعالة للحفاظ على الأمن في الأماكن العامة».

يوم الخميس: 60 ألف دولار

في اليوم التالي، يقول بن يشاي إنه بدأ البحث عن أماكن لليهود. وعن طريق مرشد سياحي كبير السن، استطاع الوصول إلى حارة اليهود القديمة، ووجد هناك «كنيساً يتم ترميمه»، وإلى جانبه لافتة تحذر المارة من عمليات الترميم، مشيرة إلى أنه «موقع أثري تاريخي وروحي».
ومع نهاية النهار في حلب، دُعي بن يشاي إلى تناول وجبة الإفطار في بيت رجل الأعمال عاطف. كان من بين الحضور تجار ملابس وأحذية. وفهم يشاي، على حد تعبيره، ومن خلال معرفته البسيطة للعربية، أنه كان موضوع حديث رجال الأعمال، وأن عاطف ينوي أن يهرب 60 ألف دولار إلى خارج سوريا عن طريق بن يشاي، باعتبار أن أحداً «لن يفتش أي سائح أجنبي».
طلب عاطف من بن يشاي العودة إلى حلب بعد زيارة دمشق، لكنه كتب في تقريره «لم أنو التورط بتهريب أموال من سوريا». وأضاف «فهمت أن رحلتي مع عاطف الحبيب عليها أن تنتهي هنا».

يوم الجمعة: الطريق إلى دمشق

يصف بن يشاي الشارع الواصل بين حلب ودمشق: «335 كيلومتراً على أوتوستراد ممتاز، فيه ستة مسارات، ثلاثة مسارات لكل جهة». ويضيف «شبكة الشوارع في سوريا تثير الغيرة، حتى في داخل القرى، الشوارع محترمة تؤمّن سفراً سريعاً وآمناً».
استقل بن يشاي سيارة أجرة لنقله إلى دمشق، ويقول «خرجنا الى الجنوب، والى يميننا سلسلة جبال تفصل مركز سوريا عن المدن الساحلية. لا توجد هناك منظومات رادار أو منظومات حراسة جوية. ويمكن الافتراض أن طائرات الـ اف 15 الاسرائيلية اخترقت هذه المنطقة. الى داخل الأراضي السورية في طريقها إلى المهمة». وأضاف «ان اختياراً صحيحاً للمسار، يشمل تجاوز معسكر صواريخ السكاد السورية الموجودة، بحسب الإعلام الأجنبي، في عمق هذه المنطقة، من شأنه تمكين الطائرات خلال دقائق من الوصول الى المساحات غير المحصنة، وللصحراء الشرقية التي يمكن التحليق فوقها بارتفاع صفر من دون خوف».
وفي الطريق، شاهد بن يشاي صوراً كثيرة للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونجله الرئيس الحالي بشار الأسد. وعندما سأل السائق أبو فهد «من أفضل الأسد الأب أم الأسد الابن؟»، رد السائق «حافظ الأسد كان جيداً في السياسة الخارجية وسيئاً لسوريا، وبشار جيد لسوريا لكنه سيئ في سياسته الخارجية».
عندما اقتربت السيارة من الطريق المؤدية من دمشق إلى لبنان، شاهد بن يشاي الكثير من الشاحنات. قال له أبو الفهد «إنهم يشترون الوقود من سوريا ويهربونه إلى لبنان لأن سعر الوقود في سوريا أرخص بكثير. والجنود والمراقبون يغضّون الطرف عنها بعد نيلهم إكرامية».
وقال بن يشاي «ممكن الافتراض، أن جزءاً كبيراً من الأسلحة، التي تنقلها سوريا الى حزب الله، يمر من هذا المسار القصير».
ومرت السيارة قرب منطقة معسكرات الجيش التي تحيط دمشق. وقال بن يشاي، بعدما وصف كيف يبدو المعسكر، إن «تلالاً ترابية تحيط جزءاً كبيراً من المباني الأساسية». ويتابع «لا يجب عليك أن تكون خبيراً عسكرياً من أجل أن تعرف أن الجيش السوري يعي المشكلة الجاثمة أمام قدرة سلاح الجو الإسرائيلي وهو يحاول تحصين نفسه».
وقال بن يشاي للسائق «قالوا لي ألا أقترب من هذه المنطقة لأن حرباً ستندلع بين اسرائيل وسوريا». فرد عليه ابو فهد «هذا هراء، كلام فارغ، بشار لا يريد حرباً تهدم كل ما أنجزه. إنه يهدد لأنه يريد استعادة الجولان». سأله: «ماذا تفكر عن اسرائيل؟» فرد أبو فهد: «هذه دولة مجرمين ولصوص. انظر كيف سرقوا الجولان والأراضي الفلسطينية. ربما ليس كل اليهود كذلك، لكن حكومتهم حكومة مجرمين».
ويصف بن يشاي لحظة الدخول إلى دمشق قائلاً «شبكة شوارع أنيقة. على الجانبين مبان للمكاتب عالية مبنية من الإسمنت والزجاج، ما يميز كل مدينة حديثة». ويعترف «أثيرت مشاعري، الناس في دمشق أذكياء، واعون أكثر من الناس في الضواحي. طبعاً هؤلاء يسافرون في العالم ويصادفون إسرائيليين، قررت أنه من الآن وصاعداً عليّ الحفاظ على الهدوء». وتابع: «أبو فهد قال لي إنه لا مشكلة بأن أجد غرفة في فندق جميل في دمشق وبأسعار معقولة. لقد صدق. بحسب توصيته، نزلت في أحد الفنادق في المدينة الحديثة. استطعت أيضاً أن أتجول معه في الشوارع قبل أن يعود الى حلب. ودّعته بإكرامية وعناق وقُبَل على الخدين».

يوم السبت: إلى الكنيس

التقى بن يشاي في الفندق صدفة بمراسل إحدى القنوات الإخبارية الكبيرة. سأله عن اليهود فوصف له أين يسكنون في دمشق. وصل إلى هناك، فأوقفه شاب يرتدي زياً مدنياً ولكنه يحمل مسدساً.
يقول بن يشاي إن الشاب منعه من الدخول، ولكنه أعطاه «بعض الأوراق النقدية فسمح له». وبعد عشر دقائق، عاد السوري مع رجل قصير القامة ويرتدي ملابس الصلاة اليهودية، وسأل يشاي «بماذا تريد أن أساعدك».
ادّعى بن يشاي أنه محاضر في إحدى الجامعات الأميركية، وجاء إلى سوريا للتعرف إلى العلاقة بين الأديان. فطلب منه اليهودي، المعروف باسم ألبرت كمو، العودة بعد ساعتين، بعد صلاة الغفران.
عاد بن يشاي بعد ساعتين الى المكان نفسه وتبع كمو في الطريق الضيقة التي بدأت بالاتساع الى حين وصل الاثنان الى ساحة تتوسطها نافورة. وقفت هناك خمس نساء يصلين، ومن الناحية الجنوبية للساحة، مبنى كبير من الحجر، بابه مفتوح يؤدي الى كنيس يهودي جميل، سقفه عال وجدرانه مغطاة بالخشب الغامق علق عليها فقرات من التوراة.
قال كوم لبن يشاي إن هذا الكنيس هو الأخير في سوريا، حيث يصلي اليهود السفرديم فيه. وأضاف: ان في دمشق اليوم يعيش 150 يهودياً. يعمل اليهود في تجارة الملابس والذهب وغالبيتهم ينتمون الى المستوى المتوسط وما دون.
يقول بن يشاي: «جميل أن تكون في دمشق، بازارات ضخمة، تعج بالبشر، مطاعم أوروبية ونواد ليلية، الى جانب مساجد من عهد الخلافة».

يوم الأحد: دير الزور

يقول بن يشاي إنه عندما وصل إلى منطقة محطة بحوث دير الزور أوقفه جندي سوري وقال له إن الدخول ممنوع وحذّره من استخدام الكاميرا التي بحوزته. ورغم أن اللافتة كانت تشير إلى أن المنطقة هي محطة بحوث زراعية «إلا أنه كان هناك عدد من الجنود والشاحنات العسكرية منتشرة في المكان».
ورفض الكثيرون في دير الزور الرد على أسئلة بن يشاي حول ما حدث في ليلة السادس من الشهر الجاري، فيما قال آخرون إنهم سمعوا صوت انفجارات جدار صوت وهدير طائرات في الليلة نفسها.
ويقول بن يشاي «إنه شاهد على بعد 4-5 كيلومترات من المكان الذي كان فيه حاجز عسكري عند محطة البحوث منطقة كبيرة محفورة، وتبدو كأنها كسارة، وبالقرب منها مبان عديدة. وفي المنطقة المحفورة كان يتجول بضع عشرات الأشخاص الذين بدوا كأنهم يلبسون زياً عسكرياً وكانت هناك شاحنات، ولكن بسبب البعد يصعب التأكد تماماً مما كانوا يفعلونه لكنهم بدوا كمن يتفحصون الأرض وربما يبحثون عن شيء».
وأضاف بن يشاي أن «الأمر الواضح، وبالإمكان رؤية ذلك على الأرض، أن دير الزور تقع في مركز منطقة مناجم فوسفات وفيها عدد كبير من المصانع وبينها مصانع بتروكيمائية تحصل على المواد الخام من حقول النفط الكثيرة المنتشرة في محيطها». وتابع «من الفوسفات يتم صنع الأسمدة الكيميائية، لكن يمكن استخراج اليورانيوم منها أيضاً، وهذا تماماً ما فعله في حينه خبراء البرنامج النووي لصدام حسين قبل حرب الخليج الأولى في عام 1991 والمكان الذي استخرج فيه العراقيون اليورانيوم من الفوسفات في بلدة القائم يقع على بعد 95 كيلومتراً فقط من دير الزور في الجانب العراقي من حدود سوريا - العراق».

يوم الاثنين: الجولان

كانت هضبة الجولان المحطة الأخيرة لبن يشاي حيث اطلع على المعسكرات والاستعدادات. أراد الدخول الى القنيطرة لكنه منع. وتذكر في نهاية تقريره «قبل 37 عاماً، أُصبت بجروح في مكان ليس بعيداً من هنا، عندما كنت مراسلاً عسكرياً وشاركت في اقتحام الجيش الاسرائيلي للخط السوري الأمامي جنوب القنيطرة وقد أصابت قذيفة سورية ذراعي».
يقول بن يشاي إنه شعر في نهاية رحلته بأنه سيعود بسلام، فاستقلّ التاكسي وطلب من السائق نقله إلى مطار دمشق الدولي.