الرباط | لم يكن القرار المغربي بالمشاركة في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن بست طائرات، منذ بضعة أيام، أمراً مفاجئاً أو صادماً، فالمراقبون للسياسة الخارجية للمملكة يعلمون أن القرار الخارجي للمغرب قد أصبح منحازاً، بشكل معلن، للمحور الخليجي الذي تقوده السعودية والإمارات، بسبب الدعم المالي الكبير الذي ترصده الأنظمة الخليجية للرباط. لذلك، فإن قرار المغرب بالمشاركة العسكرية في «عاصفة الحزم»، كان مجرد تحصيل حاصل بعدما فقد منذ مدة، استقلالية قراره الخارجي، وهو ما يفسر هذا الانقياد العبثي والهرولة المضحكة نحو خوض حرب في منطقة بعيدة بلغة الجغرافيا والتاريخ عن الحدود المغربية.
لكن وجب الإقرار بأن الانتقال من مرحلة «التصريح» بالدعم المطلق لاختيارات السعودية إلى مرحلة «الفعل العسكري المباشر» في معارك القوى الخليجية، يعتبر تحولاً ملموساً وانتقالاً إلى مستوى متقدم في طبيعة هذه العلاقة بين الملكية المغربية ومشيخات الخليج، وخصوصاً أن المغرب قد رفع لمدة طويلة شعار «تازة قبل غزة»، في جوابه السياسي على استفهامات شعبية وإعلامية عن عدم حضوره وانحسار دوره في القضايا العربية الشائكة، في إشارة إلى أن أولوية الحكم في الرباط هي القضايا المحلية وليس الخارجية.

كل البيض في سلّة «السعودية»

الواقع أن السعودية أصبحت تعتمد على لاعبين احتياطيين مستعدين، في أية لحظة، لتقديم الدعم العسكري لها والمشاركة في أي حرب تقرّر خوضها، وذلك في مقابل كل ما تضخه في خزائن هذه الدول. وتعتبر السعودية هذه البلدان التي يمكن حصرها في مصر والمغرب والأردن، جزءاً من تحالف إقليمي استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه. فقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد وجهت، عام 2011، في خضم مخاض الحراك الذي عرفته المنطقة، الدعوة إلى كل من المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، قبل أن تقدم دعماً للبلدين بقيمة خمسة ملايين دولار، في الوقت الذي كانت فيه الدول الخليجية تحتقر الطلبات المستمرة القادمة من اليمن الفقير، بالانضمام إلى المجلس.
تحمل التبريرات الرسمية، التي صاغتها بلاغات وزارة الخارجية المغربية، الجواب الشافي والواضح عن الدوافع التي دفعت الرباط إلى الدفع بقواتها الجوية للتدخل في فضّ نزاع يمني ــ يمني، فالبيان الرسمي يقرّ بأن المشاركة في الحرب هي تضامن مع السعودية ودفاع عن السعودية ضد أي خطر قد يطال أرضها، وهو ما زكّته تصريحات وزير الخارجية نفسه بالقول إن المغرب يتدخل حفاظاً على أمن الدول الخليجية.
وكان المغرب قد سبق أن مد السعودية بقوات خاصة، خلال حربها الشرسة مع الحوثيين عام 2009، إلا أن الأمر مختلف الآن لأنه يكتسي طابعاً رسمياً ولأن نطاق الحرب اتسع ليشمل كل الأراضي اليمنية، فيما تركّزت الحملات السعودية في ذلك الوقت على جبال صعدة.
المشاركة تجعل من المغرب طرفاً ثابتاً في الحروب المقبلة

وتبدو بقية المبررات، من قبيل العمل على إعادة الشرعية الممثلة في الرئيس، ضعيفة وغير مقنعة بل ومتناقضة، ذلك أن المغرب الرسمي دأب على تجنّب التعليق بسلبية على التغييرات السياسية المفروضة بقوة السلاح من «الميليشيات» أو الانقلابات العسكرية التي تحصل في الدول العربية، ما لم يتعارض ذلك مع مصالح أو مواقف تحالفه مع المحور الخليجي. فقد رحب القصر في المغرب، بالتغيير الذي حصل في مصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على حكم «الإخوان المسلمين» في مصر. وتجنّب المغرب إبداء موقف منحاز لأحد طرفي النزاع المسلّح في ليبيا، رغم ميله النسبي إلى برلمان طبرق، كما احتضنت أرضه الحوار بين الطرفين، ما فهم على أنه محاولة لإعادة لعب أوراق جديدة للإمارات في ليبيا، بعد اتضاح صعوبة الحسم العسكري على الأرض لصالح حليفها اللواء خليفة حفتر.
وفي سوريا، بدت الرباط أخيراً أكثر ميلاً لتبني خطاب «التسوية السياسية» للأزمة السورية، بشكل يتماهى مع ارتباك الموقف الخليجي الحالي، بعد فشل محاولات إسقاط الرئيس بشار الأسد عسكرياً، بل كانت الرباط قد احتضنت مؤتمر «أصدقاء سوريا» في مراكش، عام 2012.

حائط الصد الأول

تجعل هذه المشاركة في حرب إمارات الخليج، المغرب في اليمن طرفاً ثابتاً في جميع الحروب المقبلة أو النزاعات العسكرية الإقليمية، التي يمكن أن تخوضها أو تشارك فيها هذه الدول في المستقبل. ولن يقتصر على مساعدتها في مواجهة خطر الإرهاب، الذي فرضه تمدّد «داعش» كما ذكر في السابق، بعيد إعلان المغرب نشر وحدات عسكرية على الأراضي الإماراتية نهاية السنة الماضية، فالمغرب بموجب الاتفاقيات العسكرية الموقعة مع دول الخليج، وتحديداً كل من السعودية والإمارات، والتي تم تعزيزها وتوسيع صلاحياتها أخيراً، ملزم بنشر وحداته داخل هذه الدول للدفاع عن أمنها. وهو ما يظهر أن الدفاع عن أمن الخليج قد أصبح خياراً يحظى بالأولوية القصوى بالنسبة إلى القصر الذي يتحكم، بموجب الصلاحيات الدستورية، في تحديد الاختيارات الاستراتيجية للبلاد. اتفاق تعزيز التعاون العسكري الموقع أخيراً مع دولة الإمارات، على سبيل المثال، ارتقى ليصير قانوناً يحظى بتصديق البرلمان والحكومة. ويشمل الاتفاق الذي عجّلت زيارة ولي عهد أبو ظبي للمغرب، قبل أسابيع، باعتماده تعاوناً عسكرياً كلياً في جميع المجالات، لمدة خمس سنوات. ويرجّح أن تكون هذه العملية العسكرية من النقاط التي قد تباحث فيها العاهل المغربي وولي عهد أبو ظبي في الزيارة القصيرة.
وبعيداً عن الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، بات واضحاً أن المغرب أصبح جزءاً من تحالف سني تقوده السعودية، في محاولة لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة. وبما أن الأنظمة الخليجية تعدّ الداعم الاقتصادي الأول للنظام المغربي، فإن هامش مناورة الأخير يبدو ضيقاً وضئيلاً لتفادي الانجرار والزج بنفسه في حروب أو نزاعات عسكرية لا تعنيه، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغامرة الخليجية في اليمن.
يحصل هذا الأمر في الوقت الذي كانت فيه العلاقات المغربية ــ الإيرانية قد بدأت تعرف انفراجاً، مهّد لاتفاق مبدئي بين البلدين على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 2009، بسبب ردّ إيراني جارح على دعم المغرب للبحرين في أزمتها.
وحتى إذا ما سلّمنا بصحة ادعاء أن التحرك السعودي نابع من شعورها بخطورة المد الشيعي الإيراني على الدول السنية، فإن المغرب ليس معنياً على المستوى المنطقي بهذا الخطر، ذلك أن الأقلية الشيعية الموجودة في المغرب وغير المعلن عنها تتبع لمرجعية العلّامة اللبناني، السيّد محمد حسين فضل الله، المناقض لأسس التشيّع الإيراني. ولا تبدي هذه الأقلية أي أطماع سياسية في السلطة أو تكوين كيانات سياسية خاصة بها، بل كان بعضها قد بدأ مفاوضات للانخراط في أحزاب سياسية موجودة. كذلك، فقد عبّرت هذه الأقلية عن ولائها للنظام الملكي، وبالتالي فإن تبرير خوض الحرب على أساس وجود خطر مذهبي على الثوابت المالكية السينة للمغرب التي يحكمها «أمير المؤمنين»، يسقط أيضاً.

صفر من المكاسب

باستثناء إرضاء الخليج والحفاظ على العلاقات التاريخية بين العائلة الحاكمة في المغرب وإمارات الخليج، وبالتالي ضمان المزيد من العون الاقتصادي وتدفّق الاستثمارات بحيث توجد الاستثمارات الخليجية في صدارة الاستثمارات الأجنبية، لا يبدو أن هناك مكاسب يمكن أن يجنيها المغرب من المشاركة المعلنة في ضربات التحالف العربي الموجّهة إلى اليمن. الدول الخليجية ليست مؤثرة في نزاع الصحراء الغربية، ولا يمكن القول إن تأييدها لمقترح المغرب بالحكم الذاتي يمكن أن يكون له أي وزن في ترجيح كفة الطرف المغربي، أو الضغط على الطرف الآخر لقبول المقترح المغربي. كما أن التحليل القائل بإمكانية أن يلعب المغرب دوراً جديداً على مستوى القضايا العربية المشتعلة في المنطقة، يمكن دحضه بسهولة لأن المغرب لم يقدم، طوال السنوات الأخيرة، على أي مبادرة فردية لحلّ الأزمات العربية خارج ما تقترحه القوى الخليجية، ولا يمكن تصور أي دور يمكن أن يلعبه خارج الهامش، الذي تلعب فيه السياسة الخارجية لمحور السعودية ــ الإمارات.
على المستوى الداخلي، وإن كان من المتوقع أن تتجنّب الأحزاب السياسية المغربية الخوض في الموضوع لكون مجال السياسة الخارجية شأناً ملكياً خاصاً ــ فضلاً عن أن معظم هذه الأحزاب تنظر إلى الصراع السياسي في اليمن بنظرة مذهبية محدودة ــ فإن مشاركة المغرب في هذه الحملة العسكرية قد وضعت المؤسسة الملكية المغربية، من جديد، أمام سؤال احترام المساطر الدستورية، ذلك أن البند 49 من الوثيقة الدستورية لعام 2011، ينص على أن قرار إشهار الحرب يتخذ من طرف الملك داخل المجلس الوزاري، كما أن البند 99 ينص على ضرورة إحاطة البرلمان من لدن الملك بهذا القرار، وهو الأمر الذي لم يحصل قبيل الإعلان عن المشاركة العسكرية المغربية، ما يعني أن القصر يكرّس نفسه مرة أخرى كسلطة فوق دستورية، تغلب مصالحها على أي اعتبارات أخرى.