هآرتس ــ تسفي برئيل
يصعب الافتراض، حتى في عهد التغيرات الإقليمية، أن الخريف المقبل، الذي يُفترض أن ينعقد المؤتمر الدولي للسلام خلاله، سيتمخض عن ربيع في العلاقات بين اسرائيل والسعودية. لكن عندما نتخيل «أكل الحمص في مكة» يحظر توجيه الانتقادات لصفقة السلاح الكبرى (20 مليار دولار)، التي عُقدت بين الولايات المتحدة والسعودية خصوصاً.
وليس ثانوياً الغوص في أعماق المنطق الأميركي المتجسّد في إدارة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
خطة بيع السلاح للسعودية «ستساعد على تعزيز القوى المعتدلة وتؤيّد استراتيجية الصمود ضد تأثير القاعدة وحزب الله وإيران وسوريا السلبي» ، أوضحت وزيرة الخارجية الاميركية رايس مُفسّرة منطق خطة تسليح السعودية.
لننس للحظة أن جذور «القاعدة» قد جاءت من السعودية تحديداً، وأن غالبية الإرهابيين في عملية الحادي عشر من أيلول كانوا سعوديين، ولنتجاهل للحظة أيضاً استمرار المدارس في السعودية حتى الآن في إطلاق رسائل الكراهية ضد المسيحيين واليهود، ولن نذكر هنا التناقض الكامن في صعوبة دخول السعوديين إلى الولايات المتحدة باعتبارهم مشبوهين، في الوقت الذي سيكونون هم أنفسهم المستمتعين بهذا السلاح الأميركي الحديث.
سنغلق أعيننا ونُركّز بدرجة كبيرة متحدثين فقط عن الاستراتيجية. على سبيل المثال ما هي العلاقة بين صفقة الطائرات الحديثة المباعة للسعودية وتهدئة الوضع في العراق؟ أكثر من 800 كلم من الحدود تفصل بين السعودية والعراق، هذه الحدود التي لا تخضع في غالبيتها للرقابة ويسهل النفاذ منها كثيراً. من المعروف أيضاً أن المؤسّسات السعودية تموّل أطرافاً سياسية سنيّة في العراق وبعضها له علاقة بالإرهاب، وأن السعودية أوضحت أنها لن تؤيّد حكومة نوري المالكي المدعومة من واشنطن. لكن في الوقت الذي تُفرض فيه العقوبات على سوريا بسبب خطوات مشابهة، تبقى السعودية زبونة جذابة.
أي رسالة استراتيجية يطلقها بوش «للديموقراطية العراقية» أو للدول الأخرى عندما يدعم «الديموقراطية» السعودية بالسلاح؟ لماذا يجمّد مساعدة قدرها 200 مليون دولار إلى مصر لأنها لا تبذل جهوداً كافية في رعاية الديموقراطية وحقوق المواطن، بينما لا يطالب السعودية بشيء في هذا المضمار؟ أوَلم يعد تطوير الديموقراطية وتنميتها في الشرق الأوسط هدفين استراتيجيين، أم أن الدول الغنية بالنفط معفاة من ذلك؟
قد نجد منطق استراتيجية بوش في زاوية مظلمة اخرى: في تلك المحاولة لبعث رسالة لإيران عبر السعودية بثمن قدره 20 مليار دولار. لكن هنا بالتحديد يكمن فشل المنطق الآخر. السعودية برهنت على أنها غير قادرة على تحدّي صدام حسين عسكرياً في حينه أو أيران حتى عندما كانت تمتلك أفضل الاسلحة. عن أي توازن استراتيجي يتحدثون هنا؟ إذا كان وجود سلاح مُحكم بيد السعودية سيردع ايران، فهذا يعني أن التهديد الايراني ربما ليس خطراً إلى ذلك الحد الذي نظنه. ومن الناحية الأخرى عندما لا تكون دولة نووية حسب المصادر الاجنبية مثل إسرائيل قادرة على ردع ايران فكيف ستفعل ذلك الطائرات الحديثة؟
إذا كان من الصعب فهم منطق صفقة السلاح للسعودية وسبر غوره، فمن المسموح لنا أن نقلق بالتحديد من مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة، ذلك أنه ليس السلاح السعودي أو الكويتي هو الذي يحمي الخليج بل الوجود العسكري الاميركي المكثف وإدراك أن واشنطن هي التي ستتحرّك ضد أي تهديد للدول العربية. على هذه النقطة تحديداً يعتمد أمن اسرائيل.
الولايات المتحدة فشلت في السابق في إحداث توازن للرعب في مواجهة صدام حسين، كذلك فشلت في ذلك في مواجهة ايران. لقد أقامت دولة ارهاب في العراق، وغير قادرة على كبح تصدير الارهاب منه إلى الدول العربية الاخرى.