strong>محمد بدير
حلقة جديدة في سلسلة التوجس الإسرائيلي من الجبهة الشمالية شهدتها مداولات المجلس الوزاري الأمني المصغر أمس، خطف الأضواء منها، رغم حرص رئيس الحكومة إيهود أولمرت على إطلاق تصريحات تهدئة تجاه دمشق، ما كشفته صحيفة «يديعوت» من تقديرات ضمنية داخل المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية تعتقد أن وجهة سوريا هي نحو الحرب، وأنها تنتظر الوقت المناسب للمبادرة إليها

في اجتماع هو السادس من نوعه خلال أقل من شهرين، ناقش الأعضاء الأحد عشر في الطاقم الوزاري المكلف إعداد الجبهة الداخلية لحالة الحرب، وفي مقدمتهم أولمرت، الأوضاع على الجبهة الشمالية واحتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وسوريا. ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية المداولات بـ«الحساسة جداً» و«السرية» وطُلب من الوزراء تسليم أجهزة هواتفهم الشخصية في مدخل قاعة الاجتماعات.
وكرر أولمرت، خلال الاجتماع، أقواله بأنه يهدف إلى البحث في الاستعدادات الإسرائيلية لحالة حدوث «سوء فهم» في الجانب السوري لخطوات إسرائيلية، مثل المناورات العسكرية الواسعة النطاق، وخصوصاً تلك التي تجري في الجولان، لا بسبب وجود معلومات عن تغييرات في انتشار الجيش السوري، وأنه لا نية لدى إسرائيل بمهاجمة سوريا.
وشارك في الاجتماع إضافة إلى أولمرت كل من وزراء الخارجية تسيبي ليفني، والدفاع إيهود باراك والشؤون الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان والأمن الداخلي أفي ديختر والمواصلات شاؤول موفاز والبنى التحتية بنيامين بن العيزر والعدل دانييل فريدمان والنائب الأول لرئيس الوزراء حاييم رامون ونائب رئيس الوزراء إيلي يشاي والوزير رافي ايتان.
وكان قد تقرر تشكيل هذا الطاقم الوزاري قبل نحو شهرين في خطوة أراد أولمرت من ورائها إظهار اهتمامه بشأن الجبهة الداخلية على خلفية تعرضه لانتقادات شديدة بالتقصير والفشل في إدارتها خلال عدوان تموز الماضي. لكن سرعان ما تحول الطاقم الوزاري إلى شبه حكومة مصغرة تعنى بـ«تهديدات الجبهة الشمالية» واحتمالات اندلاع مواجهة عسكرية فيها.
وفي السياق، نقل موقع «يديعوت أحرونوت» عن أولمرت قوله في المداولات إن «الحرب غير متوقعة، إلا أن ثمة خشية من أن يفكر أحد ما خطأً أن حرباً أو هجوماً لا أحد معني بهما سيقعان». وأضاف: «ينبغي الاستعداد لكل السيناريوات حتى تكون إسرائيل جاهزة».
وشدد أولمرت على أن «إسرائيل لا تنوي شن هجوم، وكذلك سوريا». وأشار، بنبرة تهدئة، إلى أن الاجتماعات من هذا النوع تجري «من أجل الاستعداد لأي سيناريو، ورغم ذلك، فإن إسرائيل ترغب في عدم استنتاج خلاصات غير صحيحة».
واستمع الوزراء خلال الاجتماع إلى شروح عن الوضع الراهن للجبهة الداخلية، وخاصة في مواجهة «التهديد الصاروخي من الشمال والشمال الشرقي (سوريا)». كما استمعوا إلى تقارير تفيد بحصول تقدم في معالجة نقاط ضعف وخلل تكشفت عنها الحرب الأخيرة، من بينها حاويات المواد السامة في خليج حيفا. وفي تطور لافت، كشف محلل الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، رون بن يشاي، أن ثمة وجهة في التقدير تتبناها أوساط داخل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تُرجح وجود نيات حربية لدى الرئيس السوري بشار الأسد. وأوضح بن يشاي، المعروف بصلاته الواسعة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أنه رغم أن التقدير الاستخباري الرسمي في إسرائيل يستبعد احتمال شن حرب سورية على إسرائيل إلا على خلفية «الحسابات الخاطئة» للإجراءات الميدانية المكثفة على جانبي الحدود، غير أن «الصورة الكاملة» لحقيقة الأمر لدى الأجهزة المعنية في إسرائيل ترى أنه «لا يوجد أي ضمان بأن سوريا لن تبادر لمواجهة عسكرية مع إسرائيل».
وكتب بن يشاي أن «عدداً غير قليل من المحققين في شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد يشتبهون بأنها (أي سوريا) تتحين الوقت المريح بالنسبة إليها (لشن هجوم) وهذا ليس في المستقبل البعيد». وأضاف أن حرباً كهذه إذا ما اندلعت فإنها «لن تكون من نوع الحروب المألوفة لنا في الأيام الستة (1967) أو يوم الغفران (تشرين 1973)، بل ستكون حرباً على غرار نموذج حزب الله، لكن بحجم كبير للغاية».
وبحسب بن يشاي، فإن هذه التقديرات تؤخذ على محمل الجدية العالية في الحكومة الإسرائيلية، لافتاً إلى أنها هي السبب وراء اجتماع الحكومة المصغرة الإسرائيلية أمس وللاجتماعات المكثفة التي عقدتها هذه الهيئة أخيراً للبحث في احتمال «هجوم صاروخي سوري مكثف». وأشار بن يشاي إلى عدد من الأسباب التي تدفع المحققين الاستخباريين الإسرائيليين إلى هذا الاستنتاج، منها: أن سوريا تستكمل في هذه الأثناء بشكل مكثف إقامة منظومة صاروخية كبيرة لإطلاقها باتجاه إسرائيل. وتشمل هذه المنظومة صواريخ من عيارات مختلفة تراوح بين 222 كيلومتراً و600 كيلومتر، قادرة على حمل رؤوس متفجرة زنة الواحد منها مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة تصل حتى نصف طن وقادرة على الوصول من الجولان وحتى تل أبيب. وأوضح الكاتب أن الجيش السوري نصب عشرات منصات الصواريخ في الجولان القادرة على إطلاق مئات القذائف الصاروخية دفعة واحدة باتجاه العمق الإسرائيلي، وذلك إضافة إلى صواريخ «سكاد» من أنواع مختلفة منصوبة في عمق الأراضي السورية وبمقدورها الوصول إلى جنوب إسرائيل.
ولفت بن يشاي إلى أن صواريخ «حيتس» المضادة للصواريخ التي طورتها إسرائيل بتمويل أميركي من شأنها اعتراض صواريخ «سكاد» وأنه ليس لدى إسرائيل رد تكنولوجي جوي أو بري أفضل لمواجهة الصواريخ الكبيرة.
وتابع بن يشاي أن الجيش السوري يتزود بسرعة بمئات القذائف المضادة للطائرات والقذائف المضادة للمدرعات من صنع روسيا وبتمويل إيراني بهدف صد أي هجوم بري أو جوي إسرائيلي محتمل، «وهو هجوم سيؤدي، في حال تنفيذه، إلى شل منظومة الصواريخ السورية». ويقول بن يشاي إن «الجيش السوري كثّف منذ نهاية العام الماضي تدريب جميع الفرق العسكرية النظامية والاحتياط، ويرى أنها مؤهلة لخوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل».
ويضيف أن «الجيش السوري يستعد لشن حرب استنزاف على طريقة حزب الله حتى من دون تغيير الاستعدادات العسكرية من دفاعية إلى هجومية، ما يعني أنه إذا قرر الرئيس السوري بشار الأسد شن حرب كهذه، فإنه لن تكون هناك مؤشرات مسبقة وواضحة تدل على نياته».