strong>أولمرت يتحدّث عن «ديناميكية ستغيّر الوضع في الشمال» وباراك عن «مواصلة التدريب استعداداً لأي اختبار»
في ظل الإعراض الأميركي والفتور العربي والتحسب الأوروبي، يبدو أن الأجواء المشدودة بين إسرائيل وسوريا وجدت أخيراً من يدخل إليها من باب الوساطة الرامية إلى تهدئة الأجواء والتخفيف من حدة التوتر بين الدولتين. وفي حين تحدثت تقارير إعلامية عبرية عن ممارسة تركيا لهذا الدور في إطار سعي إلى إطلاق العملية السياسية بين دمشق وتل أبيب، فإن رسائل الطمأنة الإسرائيلية لم تفقد حصتها شبه اليومية في تصريحات قادة الاحتلال الذين يجددون في كل مناسبة نياتهم البريئة من كل عدوانية تجاه سوريا.
وذكرت صحيفة «هآرتس»، في عنوانها الرئيسي، أمس، أن تركيا تبذل جهوداً لدفع كل من سوريا وإسرائيل إلى اتخاذ خطوات لبناء الثقة تجاه بعضهما البعض كمقدمة لاستئناف المفاوضات بينهما. وكتب مراسل الصحيفة للشؤون العربية، تسفي بارئيل، من أنقرة، أن المسؤولين الأتراك يرون في التصريحات الأخيرة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس السوري بشار الأسد، جزءاً من تلك الجهود التي تهدف إلى طمأنة الجمهور في الدولتين تمهيداً لمواصلة العملية السياسية. ونقل بارئيل عن هؤلاء المسؤولين قولهم إن تبادل الرسائل مستمر بين الطرفين، وإن «أنقرة ستسعى في المرحلة المقبلة إلى ترتيب لقاءات بين مسؤولين من البلدين من أجل التوصل إلى اتفاق بينهما».
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن إنجاز اتفاق كهذا عملي وأكثر سهولة من اتفاق إسرائيلي ـــــ فلسطيني، ذلك أن شروط الأول معروفة مسبقاً، فيما الأخير يتطلب «توافقاً ثلاثي الطبقات: اتفاق إسرائيلي فلسطيني حول الحدود، وموافقة عربية على حل قضية اللاجئين وموافقة إسلامية تتعلق بالأماكن المقدسة». وهنا تنطلق الصحيفة من أن حل قضية اللاجئين سيكون عبر التوطين. ورأى المسؤولون الأتراك، بحسب الصحيفة نفسها، أن مطالبة دمشق بالحصول على ضمانات في شأن انسحاب إسرائيلي من الجولان لا تختلف في الجوهر عن مطالبة الفلسطينيين بإقامة دولة في نهاية العملية السياسية.
وفي ما يتعلق بالعلاقة بين دمشق وطهران، رأى المسؤولون الأتراك أنه من الخطأ جمع سوريا وإيران بشكل تلقائي في قالب واحد، مشيرين إلى عدم وجود اتفاق تام بين البلدين في عديد من القضايا، منها القضية الفلسطينية والوضع في لبنان وإمكان التفاوض مع إسرائيل. واستدل المسؤولون على صحة رؤيتهم باعتراض إيران على اتفاق مكة في شباط الماضي بين حركتي «فتح» و«حماس»، في وقت عملت سوريا على إنجاحه وإقناع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل بالتوقيع عليه.
وقالت «هآرتس» إن تركيا تعارض سياسة الولايات المتحدة التي تسعى إلى عزل سوريا و«حماس» وإيران، وتعتقد أن «هذه السياسة قد تولد جبهة مقابلة وتدفع سوريا وحماس أكثر إلى دائرة تأثير إيران». وأشارت إلى أن أنقرة تعتقد بأن المؤتمر الدولي الذي بادرت إليه الولايات المتحدة لا يمكنه أن يكون بديلاً للمفاوضات المباشرة، وأن محاولات استبعاد سوريا عنه هي ضد المصالح الإسرائيلية والأميركية الرامية إلى استئناف العملية السياسية. ونقل مراسل الصحيفة عن مسؤولين أتراك قولهم إن «الولايات المتحدة قد تقتنع، في نهاية المطاف، بصحة الموقف التركي كما اقتنعت في الماضي بضرورة الحوار مع إيران في شأن الوضع العراقي».
وفي السياق، كعادته في الفترة الأخيرة، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت رسائله التهدوية تجاه دمشق، وقال خلال لقاء مع أعضاء في مجلس كديما الأربعاء «ليس لنا مصلحة في حرب مع السوريين، لكن أيضاً لا مصلحة لنا في الدخول إلى ضمانات عبثية مسبقة». وإذ شدد على أنه لن يسمح لنفسه «بتفويت أي بصيص أمل مع السوريين»، لفت إلى أنه يعتقد بأنه «ستتولد الديناميكية التي ستغير الوضع في الشمال» من دون أن يوضح ما يعنيه.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قد حضر أول من أمس مناورات عسكرية في الجولان المحتل، في زيارة هي الثانية إلى المنطقة الشمالية خلال أقل من 48 ساعة، حيث كان قد زار وأولمرت مقر قيادة المنطقة الشمالية الثلاثاء. وكرر باراك، في زيارته، معزوفة الطمأنة الإسرائيلية لدمشق، فأوضح أنه لا يتوقع حرباً مع سوريا، مشيراً إلى أن كلاً من الدولتين لا تريدان الحرب «لذلك لا يجب أن تحصل حرب».
وحاول باراك التقليل من دلالات التدريبات المكثفة التي يجريها جيشه في الجولان، قائلاً إن «مناطق التدريب في إسرائيل هي في الجولان والنقب، ونحن لم نتدرب على مدى خمس سنوات بما فيه الكفاية، وسنواصل تدريب الجيش حتى يكون جاهزاً لأي اختبار».
وتطرقت «هآرتس» إلى الموقف الأميركي من التوتر الذي يلف الجبهة السورية الإسرائيلية. ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن واشنطن لم تنقل أية رسائل خاصة إلى تل أبيب بهذا الخصوص. ورفض المسؤول وصف مقاربة الولايات المتحدة للموضوع باللامبالاة، لكنه أوضح أن «بؤرة الاهتمام في المحادثات الأخيرة مع الأميركيين كانت الملف الفلسطيني، في حين أخذت منا المسألة السورية دقيقتين إلى ثلاث دقائق نقلنا فيها الرسالة العادية أنه ليس لنا نية بالمبادرة إلى حرب».
وأضاف المصدر نفسه أن إسرائيل والولايات المتحدة تتبادلان باستمرار مواد استخبارية حول سوريا، إلا أنه «في الحوار السياسي، لا يحتل التوتر (على الجبهة) حجماً ذا مغزى». وأوضح أن «الأميركيين لا يزالون يخشون من أن نتعب من المسار الفلسطيني وننتقل إلى المسار السوري. الرسالة من الولايات المتحدة اليوم هي: لا تبدأوا قصة غرام مع سوريا بسبب مصاعب مع الفلسطينيين».

الأميركيون لا يزالون يخشون من أن نتعب من المسار الفلسطيني وننتقل إلى المسار السوري. الرسالة من الولايات المتحدة اليوم هي: لا تبدأوا قصة غرام مع سوريا بسبب مصاعب مع الفلسطينيين