strong>محمد بدير
وجّهت إسرائيل بوصلة اتهاماتها نحو موسكو محمّلة إياها مسؤولية التوتر الذي ساد جبهتها مع سوريا على مدى الأشهر الأخيرة، فيما رحبت روسيا بتقليص وجود القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان ورأت فيه «خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقات» بين الدولتين

قالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أمس إنه تبين أن أحد أسباب التوتر الهائل الذي شهدته هضبة الجولان المحتلة أخيرا «يرتبط بنشاط دولة ثالثة، هي روسيا، التي سخّنت العلاقات بين إسرائيل وجارتها الشمالية». وأضافت الصحيفة، من دون أن توضح هوية المصدر الذي نقلت معلوماتها عنه، أنه مع «مرور الوقت تزداد الخشية في إسرائيل من أن أوساطاً روسية أمنية وسياسية نقلت رسائل إلى القيادة السورية تفيد بوجود نية إسرائيلية لشن حرب». وبحسب «معاريف»، فقد تعامل السوريون مع هذه الرسائل بصدقية عالية، مما سبب لديهم قلقاً كبيراً، رغم قيام محافل دولية أخرى بنقل رسائل معاكسة تقول إن إسرائيل لا تعتزم المبادرة إلى مهاجمتهم.
وتابعت «معاريف» أن «الرسائل الروسية كانت على ما يبدو من بين الأسباب التي دفعت السوريين إلى اتخاذ خطوات تأهب استعداداً لإمكان نشوب حرب على الفور، وأدّت هذه الخطوات إلى حالة استنفار بالغة في الجيش الإسرائيلي، رصدها السوريون، الأمر الذي زاد التوتر أكثر».
وأشارت الصحيفة إلى أن «الأوساط المعنية في إسرائيل تجد صعوبة في العثور على تفسير منطقي لما قامت به روسيا على هذا الصعيد»، ولفتت إلى أن «أحد التقديرات يربط بين السلوك الروسي وبين كون موسكو المزود الرئيسي لدمشق بالسلاح».
ووفقاً للصحيفة، فإنه برغم وجود غضب شديد في إسرائيل على روسيا جراء «تسخينها» للحدود مع سوريا، فإن «الموضوع حساس جداً من ناحية دبلوماسية»، في إيحاء إلى الحرج الذي تشعر به الدولة العبرية من إثارة الموضوع بطريقة حادة نتيجة الحجم السياسي للدولة التي تتهمها.
وبرغم ما نشرته، لم تجد «معاريف» بدّاً من الإشارة إلى أن التوتر بين سوريا وإسرائيل بدأ في أعقاب عدوان تموز على لبنان و«قبل تدخل الدولة الثالثة»، وذكّرت بتصريح الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لم يستبعد فيه استعادة الجولان بالوسائل العسكرية إذا فشلت الوسائل السياسية.
ورأى رئيس القسم السياسي ـــــ الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس غلعاد، أن ما نشرته «معاريف» مبالغ فيه، مؤكداً في الوقت نفسه الدور الروسي في التسبب بزيادة التوتر بين دمشق وتل أبيب. وقال غلعاد، في مقابلة مع موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» على شبكة الإنترنت، إن «الروس لم يكونوا العامل الرئيس في التحريض ونقل المعلومات التي تُظهر إسرائيل وكأنها تنوي مهاجمة سوريا في الصيف». وأضاف «حاليا، تم تسلُّم الرسائل التي نقلناها إلى الروس بشأن عدم وجود نية لدينا لمهاجمة سوريا». وتابع أن ما نشرته «معاريف» مبالغ فيه، مستدركاً بالقول إن «الأمر صحيح نسبياً، فهم (الروس) لم يكونو العامل الرئيس، لكنهم اعتقدوا أن إسرائيل تنوي شن هجوم، علماً أن الجانبين الآن، السوريين والإسرائيليين، يدركان عدم وجود نية كهذه. وقد نقلنا، طوال الوقت، رسائل بهذا المعنى إلى الروس، وجرى نقل رسائل مشابهة إلى سوريا».
وأوضح الجنرال في الاحتياط أن «الرسائل التي نقلت إلى الروس تقول إن عليهم الامتناع عن التحريض، وقد شرحنا لهم حقيقة أننا غير معنيين بمهاجمة سوريا. وفي المناسبة نفسها، نحن نعرب لهم دائماً عن قلقنا من تدخلهم في المنطقة، بما في ذلك عمليات بيع الوسائل القتالية لدمشق، التي يصل بعضها إلى أماكن أخرى، مثل حزب الله».
ووصف غلعاد العلاقات مع سوريا بـ«الهادئة نسبياً». وقال «لا يزال من غير الممكن أكل الحمص في دمشق. الوضع ليس مثلما هي عليه الحال بين إيطاليا وسويسرا، لكن عندما يطرح سؤال عما إذا كانت سوريا تريد حرباً مع إسرائيل، فالجواب هو كلا. ورغم ذلك، أُذَكر بأن سوريا هي نفسها التي تدعم كل الجهات الإرهابية، سواء الإسلام المتطرف في المنطقة أو حماس أو الجهاد، أو حماستان أو حزب الله ستان في لبنان». وأضاف «إنها ليست علاقات طيبة، لكن ثمة اطمئنان معين إزاء القلق من الحرب».
من جهة أخرى، رأى رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفدرالية الروسي، ميخائيل مارغيلوف، أمس، أن خلو هضبة الجولان من القوات السورية في حال انسحاب إسرائيل منها بموجب اتفاق سلام هو ضرورة للحفاظ على أمن الدولة العبرية.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي» عن مارغيلوف قوله إنه في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين دمشق وتل أبيب فإن «إسرائيل ستطلب من سوريا إخلاء هذه المنطقة من القوات، وأن يحتفظ الجانب الإسرائيلي بحق استخدام مياه نهر الأردن، وهذان المطلبان خطوة اضطرارية لضمان الأمن الوطني لإسرائيل».
لكن المسؤول الروسي رأى أن الانسحاب من مرتفعات الجولان «ستتخلله الكثير من الصعاب وخصوصاً مع الأخذ في الحساب الأهمية الاقتصادية والعسكرية» لهذه المنطقة التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت «بحاجة إلى دعم داخلي شامل من أجل الانسحاب الكامل من الجولان»، مذكراً بأنه عندما ذكرت تقارير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية عازم على إعادة مرتفعات الجولان في مقابل السلام، كان «رد فعل المجتمع الإسرائيلي حيال هذه الفكرة سلبياً».
ورحّب مارغيلوف بـ«تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي في الجولان»، واصفاً ذلك بأنه «خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقات السورية ـــــ الإسرائيلية».