رون بن يشاي
في نهاية الاسبوع الماضي فقط، تحدث عدد من وزراء الحكومة، في الكواليس، عن «توتّر كبير ومقلق في الشمال». يوم الاثنين، لمّح إيهود باراك إلى «إشارات اولية إلى امتصاص التوتر مع سوريا». وحالياً تبشر مصادر في المؤسسة الامنية، بتهدئة فعلية. هل ما جرى إشارة الى تراجع عملي في قوة رياح الحرب على جانبي الحدود؟
ميدانياً، لا جديد: السوريون لم يغيّروا استعداداتهم العسكرية في الجولان وفي منطقة محيط دمشق، حتى انهم لم يُبطئوا معدل مسار التعاظم العسكري. حزب الله يواصل التعاظم وبناءمنظومة صاروخية ومواقع جديدة في شمالي الليطاني وشرقيه. كذلك الجيش الإسرائيلي لم يغير خطة تدريباته ومعدلاتها في الجولان، ولا حجم القوات المتدربة هناك. وعلى الرغم من ذلك، حدث شيء ما في الاسبوعين الاخيرين أدى الى خفض مستوى التوتر.
هذا «الشيء» هو إدراك استخباري جديد، تبلور في نهاية المطاف في دمشق والقدس، مفاده أن العاصمتين اقتنعتا، على ما يبدو، بأن الجانب الآخر لا ينوي توجيه ضربة مفاجئة في الصيف الجاري. الشكوك بقيت، لكن مستوى الاستعدادات، مع ذلك، تراجعت بدرجة واحدة او اثنتين، لكن ليس على حساب الجهوزية لاحتمال اشتعال عسكري، وهو احتمال، مع ذلك، يمكن أن يحدث في المستقبل غير البعيد.
المخاوف السورية من هجوم مفاجئ للجيش الاسرائيلي نشأ أساساً من تحريض ايراني. طهران بذلت جهوداً بارزة لإقناع (الرئيس السوري بشار) الاسد بأن اسرائيل «ستحاول محو عار هزيمتها في لبنان وترميم قدرة ردعها» عبر ضربة عسكرية مؤلمة للنظام السوري وحزب الله. في دمشق، شخصوا التدريبات المتسارعة في الجولان بأنها إشارة سيئة، لكن اتضح ان الرسائل، التي نُقلت بين العاصمتين عبر القنوات الدبلوماسية، فعلت فعلهاأيضاً التصريحات العلنية لـ(رئيس الوزراء ايهود) اولمرت وباراك في وسائل الإعلام الاسرائيلية والعالمية تغلغلت ببطء الى وعي الرئيس السوري ومقرّبيه، وأقنعته بأن الرأي العام الاسرائيلي لن يقبل «حرب الخيار»، وأن الجيش، مثلما يعلن قادته، يتدرب من اجل إصلاح العيوب. لكل ذلك ينبغي اضافة رسائل الردع الكثيرة، التي ارسلتها اسرائيل الى سوريا وحزب الله عبر جلسات المجلس الوزاري المصغر وزيارات كبار المسؤولين الى الشمال المغطاة إعلامياً. كل ذلك، دفع السوريين الى التفكير مرة اخرى، إذا كان من المجدي لهم المبادرة الى مسار يوفّر لإسرائيل سبباً وظرفاً لتوجيه ضربة عسكرية لهم، يمكن أن تعرّض النظام للخطر.
في إسرائيل، حصلت عملية مشابهة، تماماً كما لو أنها «صورة معكوسة عن المرآة» لما يحصل في سوريا. وقد كانت التهديدات والـتصريحات التصادمية لبشار الأسد فور انتهاء حرب لبنان الثانية هي التي أطلقت إشارة التحذير الأولى من هجوم سوري. وأضيف إلى ذلك العلم بأن الحاكم السوري في حاجة يائسة إلى إنجاز ما، عسكري أو سياسي، من أجل أن يغسل لدى الرأي العام في بلاده عار طرد جيشه من لبنان. المفاوضات مع إسرائيل حول الجولان من شأنها أن تؤدي إلى إنجاز كهذا، وإن لم توافق إسرائيل على التفاوض، فإن عملية عسكرية، ولو محدودة، يمكن أن تسبب بتغيير رأيها.
إضافة إلى ذلك، كانت دمشق في حاجة يائسة إلى حدث ما، يحرف الرأي العام العالمي عن وضوح مسؤوليتها في قتل (الرئيس) رفيق الحريري، وقد أيضاً يؤدي إلى وقف المسار القضائي الدولي في الأمم المتحدة. أما السبب الثالث، فهو عملية التسلح المتسارعة بالصواريخ من كل الأنواع التي باشرتها سوريا في أعقاب حرب لبنان الثانية، إضافة إلى التدريبات المكثفة لجيشها واستعداده لإطلاق الصواريخ وصد هجوم بري إسرائيلي في الجولان. كل هذه الأسباب دفعت إسرائيل إلى الخشية الكبيرة من هجوم مفاجئ قريب، يمكن أن يعطي الأسد مطلبه الاستراتيجي، حتى لو انتهى بإنجاز سوري محدود وبثمن باهظ.
في «أمان» قدروا منذ مطلع العام أن سوريا لا تنوي شن حرب في الصيف الجاري؛ فجيشها لم يستكمل بعد تزوده بالأسلحة المضادة للطائرات والمدرعات من الطراز الحديث، التي اشتراها من روسيا بتمويل إيراني. فضلاً عن أن الصيف، الذي يسمح الطقس فيه لسلاح الجو الإسرائيلي وللدبابات بالعمل من دون قيود تتعلق بالرؤية أو بالخوف من الغرق في الوحل، ليس الفصل المناسب للتصادم. إلا أن هذا التقدير كان على طرف نقيض مع الاستعدادات المتسارعة للجيش السوري وللتصريحات التصادمية المنطلقة من دمشق. لذلك، رغم تقديرات «أمان»، لم يكن صناع القرار في القدس مرتاحين.
في الأسابيع الماضية، تغيرت نبرة التصريحات من دمشق. وفي إسرائيل تعزز التقدير بأن لا تحضيرات فعلية لدى الجانب الآخر لهجوم فوري. لائحة «الإشارات الدالة» تقلصت جوهرياً، وحالياً لا يبدو أن الأمر كان يتعلق بجهد خداعي يهدف إلى «تخدير» إسرائيل. لذلك يواصل الجيش الإسرائيلي، مثل الجيش السوري، خطوات الاستعداد المختلفة، لكن التوتر انخفض. علماّ أنه يمكن الافتراض بالتأكيد أنه في غضون أشهر، أي في الشتاء، سيعود ويرتفع مجدداً.