علي حيدر
تنكب أجهزة التقدير المختلفة في إسرائيل على دراسة مرحلة ما بعد الخروج الأميركي من العراق، واستشراف تداعياته عليها وعلى المنطقة. وتبرز في هذا السياق مقاربتان إسرائيليتان متباينتان: الأولى، وهي الأبرز، تقول بأن الانسحاب الأميركي في الظروف الحالية سيئ جداً لإسرائيل، لأنه سيُفسر بأنه ضعف، ومن الممكن استشعار آثاره على المنطقة بدءاً من أيلول المقبل.
أما المقاربة الثانية، فترى نقاطاً مضيئة في هذا الانسحاب، انطلاقاً من التركيز على أولوية مواجهة المشروع النووي الإيراني، وخاصة أن الانسحاب الأميركي، وفق هذه المقاربة، لن يكون فورياً ولأن قادة جيش الاحتلال يعارضون توجيه ضربة لإيران ما دام الجيش الأميركي موجوداً في العراق.
وانطلقت المداولات من تقدير، أجمعت عليه الأجهزة، ولا يوجد حوله أي اختلاف في الآراء، يُفيد بأن «احتمالات وضع أسس نظام سياسي راسخ من الأميركيين قبل الانسحاب، معدومة، وأنهم سيخرجون من العراق تاركين وراءهم نظاماً مناصراً لإيران في بغداد»، فضلاً عن أن النظام العراقي المتوقع في مرحلة ما بعد الانسحاب هو نظام ائتلافي بين أطراف شيعية وكردية.
ويقدر الخبراء الإسرائيليون، من أصحاب المقاربة المتشائمة، أن المساءلات الدراماتيكية التي ستبدأ في الكونغرس الأميركي بشأن «النجاحات» الأميركية في العراق، بدءاً من «مسيرة الوفاق الوطني، ومروراً بالإصلاح الاقتصادي واحتمالات التوحيد السياسي وفرص منع الإرهاب وتقدم الإدارة المدنية، وانتهاءً بالوضع الأمني» ستؤدي إلى اهتزاز الجهاز السلطوي الأميركي، ليصل إلى حد التفسخ بين الإدارة الأميركية والحكومة العراقية الحالية، كما سيصبح محور الجدل الشعبي الأميركي.
ويذهب هؤلاء الخبراء إلى ما هو أسوأ من ذلك، إذ يقدرون أن هذه المجريات ستترافق مع موجة عمليات كبيرة استثنائية يقوم بها تنظيم «القاعدة» والمتمردون السنة في العراق، من أجل ممارسة الضغوط على الإدارة الأميركية للانسحاب.
وسيبدو كل ذلك، بدءاً من شهر أيلول المقبل، بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميين من الملك السعودي عبد الله وحتى «القاعدة» في لبنان، بمثابة انسحاب فعلي، وسيبدأون بالتصرف على هذا الأساس. ويرى أنصار هذه المقاربة أن «على إسرائيل أن تبدأ بالاستعداد لشرق أوسط جديد»، وخاصة أن «الرحيل الأميركي عن العراق سيقود إلى إقامة نظام مناصر لإيران، وهو ما لن يقبل به السنة، وبالتالي سنكون أمام حرب طائفية في العراق، وسيقف في هذه المجابهة السعوديون ودول الخليج والأردن، وربما مصر، وراء السنة. ومن الناحية الأخرى، سيقف الإيرانيون وحزب الله. أما السوريون فسيعملون مع الجميع، فهم مرتبطون بإيران، لكنهم يؤيدون المتمردين السنة الذين ينطلقون من سوريا لتنفيذ العمليات في العراق».
ويؤكد أصحاب النظرة التشاؤمية أن صفقة الأسلحة الأميركية للسعودية، التي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، «لم تكن صدفة، بل هي مرتبطة بمرحلة ما بعد الانسحاب، وتهدف إلى إعطاء الأميركيين للسعوديين شعوراً بالأمن والثقة بأنهم قادرون على مواجهة التهديد الشيعي ـــــ الإيراني المتربص وراء حدودهم، وأن الأمر نفسه ينطبق على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل».
كما يتخوف هؤلاء من أن يُطلق الانسحاب الأميركي من العراق «طاقات إرهابية» كبيرة في أرجاء الشرق الأوسط كانت متمركزة حتى الآن في العراق، إذ «سيبحث آلاف النشطاء الأصوليين عن عمل لهم في أماكن أُخرى، في لبنان وسوريا والأردن ومصر وإسرائيل، وستبدأ الأنظمة العربية المعتدلة في مواجهة مشكلات اللاجئين العراقيين ومشكلات الإرهاب الصعبة، وهو ما سيؤدي، على الأرجح، إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها». وشدد هؤلاء على خطورة وجود الإرهاب الأصولي «وراء حدودنا» في غزة وجنوب لبنان والأردن وسيناء.
ومن المتوقع أن يؤدي الانسحاب الأميركي وانفجار الوضع في العراق، بحسب هذه المقاربة، إلى حدوث «مواجهة بين القوى المختلفة في لبنان في ظل وضع هش وقابل للانفجار أصلاً. الخشية هي أن تتطاير شرارات امتداد المجابهة المسلحة من العراق إلى لبنان، نحو إسرائيل، وخاصة أن حزب الله يقوم بأعمال تثير الدهشة والإعجاب في جنوب لبنان، حيث يقوم ببناء المواقع المحصنة بوتيرة جنونية والعلاقات العسكرية بين حزب الله وسوريا وصلت إلى ذروة لم تصل إليها في أي وقت سابق».
ويحذر هؤلاء من أن الانفجار على الجبهة السورية «لن يكون بالضرورة في إطار سيطرتنا، ومن هنا ما زال من المبكر جداً خفض مستوى الجهوزية والتأهب». كما يقدرون أن يدخل الجيش التركي إلى شمال العراق لمنع استقلال كردستان.
في المقابل يتبنى خبراء آخرون مقاربة مغايرة، ترى نقاطاً مضيئة في عملية الانسحاب الأميركي، انطلاقاً من تركيزهم على أولوية مواجهة «القنبلة الإيرانية». ويقدِّر هؤلاء أن الانسحاب «لن يكون فورياً، بل على مراحل، إذ سيخرج الجيش الأميركي في البداية من المدن نحو المعسكرات الكبيرة، وينتشر أيضاً في دول صديقة مثل الأردن وتركيا، إلى أن يعود الاستقرار إلى العراق. كما أن قادة الجيش الأميركي الموجودين في العراق يعارضون أية عملية ضد إيران بصورة حازمة، ما بقي الجيش الاميركي في العراق، خوفاً من ردود فعل انتقامية تطالهم على أرض العراق».