strong>بسام القنطار
شهدت المملكة الأردنية حدثاً استثنائياً لم يسبقها إليه أي من الدول والحكومات في تاريخ العالم القديم والمعاصر؛ فعادة يُستقبل الأسرى العائدون من معتقلات الأعداء استقبال الأبطال ويُكرّمون وتُرفع لهم أقواس النصر وتُقام لهم الأعراس والاحتفالات. إلّا أنّ مشهد عودة الأسرى الأردنيين سلطان العجلوني وخالد أبو غليون وسالم أبو غليون وأمين الصانع إلى بلدهم أمس مثّلت علامة فارقة.
فلقد تسلّمت الحكومة الأردنية أسراها الآتين من السجون الإسرائيليّة، أمس، على أن يكملوا مدّة محكوميّتهم في سجونها، وذلك بناءً على اتفاق مع تل أبيب، معتبرةً الخطوة «إنجازاً إيجابياً وتغييراً نوعياً ذا منحى إنساني يوفّر على السجناء وذويهم معاناة إنسانية بالغة».
وتمّ تسليم الأسرى الأربعة بعد أن اقتيدوا مكّبلي الأيدي والأرجل من سجن «هداريم» حيث يقبع الأسيران مروان البرغوثي وسمير القنطار.
ووُجّهت انتقادات حادّة إلى الحكومة الأردنية من أهالي المعتقلين والمفقودين الأردنيين ومن بعض القوى السياسية بسبب هذه الخطوة. وأبدت كتلة نوّاب حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين» في الأردن، «استنكارها واستياءها الشديدين لإيداع الأسرى في السجون الأردنية». ورأت، في بيان لها، أنّ «هذه الخطوة انتقاص من السيادة الأردنية وتجاوز للقوانين وإساءة بالغة إلى مشاعر الأردنيين جميعاً».
ودفعت هذه الانتقادات رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت إلى عقد مؤتمر صحافي قال فيه «إذا كان البعض يرى أن في انتقالهم (الأسرى) إلى وطنهم إحراجاً سياسياً، فإن الحكومة لا تمانع في تحمّله ما دامت الغاية إنسانيّة ووطنيّة».
وشدد البخيت على أنّ «عودة أبنائنا إلى وطنهم اليوم جاءت نتيجة لجهود مضنية بذلتها الدبلوماسية الأردنية من خلال مفاوضات شاقة وطويلة ومعقدة حتى توصلت إلى أقصى ما يمكن التوصّل اليه مرحلياً».
وأوضح البخيت أنّه «كان هناك خياران وحيدان؛ إما القبول بالمتاح وهو نقل الأسرى والاحتفاظ بهم لمدة أقصاها 18 شهراً، إلا إذا توافرت ظروف خاصة قبل ذلك؛ أو ترك الأسرى في السجون الإسرائيلية، مدى الحياة».
إلّا أنّ مقرّر اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين ميسره ملص أكد لـ«الأخبار» أنّ خطوة الحكومة الأردنية استباقية وتهدف إلى قطع الطريق أمام حركة «حماس» و«حزب الله» اللذين تعهّدا لأهالي الأسرى أنّ يتم إدراج أسمائهم في أيّ صفقة تبادل مع إسرائيل.
ووجّه البخيت سهام النقد إلى كل المشكّكين في الصفقة، معتبراً أنّه «لو كان لأحد أصحاب هذه الحناجر الملتهبة ابن أو شقيق مع هؤلاء الأسرى لرأينا منه موقفاً آخر ولارتسمت على محيّاه علامات مشاعر أخرى».
ولكن عماد العطايطة، الذي لديه شقيقان في الأسر هما علي وعمر، لا يشارك رئيس وزرائه الرأي. فقد أمضى علي 14 عاماً ونصف عام من أصل مدّة حكمه البالغة 15 عاماً، وهو اعتقل قبل توقيع اتفاقية «وادي عربة» للسلام مع إسرائيل، ولم تشمله الصفقة رغم أن الحكومة أكّدت سابقاً أنّها ستشمل كل المعتقلين قبل «اتفاقية أوسلو».
وشدّد عماد العطاطية، في حديث لـ «الأخبار»، على أنّ عائلته لا يمكنها الاعتراض على القرار المتخذ لأن أحداً لم يصغ إليها، مؤكّداً أن أمله الوحيد هو «أن تتمكّن المقاومة في لبنان وفلسطين من إطلاق سراح شقيقه».
أما صالح العجلوني، وهو شقيق الأسير الأردني الأقدم سلطان العجلوني والذي نقل أمس من إسرائيل إلى الأردن، فيبدو أنه مرتاح للخطوة، وخصوصاً أنّ لحظة لقائه مع شقيقه عند معبر «جسر الشيخ حسين الشمالي» لا توصف، بحسب تعبيره، عندما تحدّث لـ «الأخبار».
أما شقيقة سلطان، كاملة، فلم تخف من جهتها حسرتها بسبب عدم عودة شقيقها إلى المنزل، إلّا أنّها ترى أنّه «بالحد الأدنى هو هنا أقرب من إسرائيل ونستطيع أن نطمئن أكثر إلى وضعه الصحي».