شهد الأسبوع الماضي «إعادة إحياء» لتنظيم «القاعدة في اليمن» (القاعدة في جزيرة العرب)، على مسافة أسبوعٍ واحد من بدء العدوان السعودي على اليمن. التنظيم الذي يتخذ من محافظات الجنوب معقلاً له، شنّ يوم الخميس الماضي هجوماً ضخماً في محافظة حضرموت جاء بالتزامن مع تقدّم «أنصار الله» في جنوباً، ما عُدّ تنفيذاً لأهداف تحالف «عاصفة الحزم» برّياً.
الحضور القوي للتنظيم الذي ظهر مجدداً في المشهد اليمني المشتعل، استدعى إعلاناً أميركياً، على لسان وزير الدفاع أشتون كارتر، يقرّ بالتقدّم الذي ينجزه «القاعدة»، ويؤكد مواصلة الولايات المتحدة عملياتها في إطار استراتيجيتها «لمكافحة الإرهاب» في اليمن.
وأضاف كارتر، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الياباني جين ناكاتاني في طوكيو، أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يمثل «منذ زمن طويل تهديداً خطيراً على الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وسنستمر في محاربته»، مؤكداً أن بلاده ستقوم بذلك بطريقة أخرى. وعبّر كارتر عن أمله في «عودة النظام إلى اليمن، ليس فقط للتمكن من ضرب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بسهولة أكبر، بل أيضاً «لإنهاء معاناة الشعب».
غير أن «القاعدة» الذي يتعرّض لحملةٍ جوية أميركية بواسطة طائرات من دون طيار منذ عام 2002، لم يكن دوره ثانوياً أو هامشياً في ما يشهده اليمن اليوم، مثلما قد يعتقد البعض، إذ إن خطاً تصاعدياً يسم حركة التنظيم منذ أشهرٍ، لا يمكن استبعادها عن مآلات الأزمة اليمنية، ولا سيما عدوان «عاصفة الحزم».
يمكن القول إن دور التنظيم المتطرّف شهد تحولاً جذرياً في شهر تموز الماضي، حين سُجّلت أول مجزرة ارتكبها تحت عنوانٍ مذهبي فاضح، حين ذبح 14 جندياً من الجيش اليمني، بتهمة «التحوّث» أي التحالف مع الحوثيين (أنصار الله).

يحارب العدوان
السعودي القوة الوحيدة التي تقاتل تنظيم «القاعدة في اليمن»
منذ ذلك الحين، بدأت لغة التنظيم في بياناته تركّز على استهداف الجماعة، حتى وصلت في أيلول الماضي، حين سيطرت «أنصار الله» على العاصمة صنعاء، إلى إعلان حربٍ عليها. وبالفعل، شهدت محافظات الوسط اليمني (البيضاء، إب)، معارك عنيفة بين تنظيم «أنصار الشريعة» (التابع للقاعدة) وداعميه من مقاتلي القبائل وبين «أنصار الله».
واصل التنظيم تنفيذ عشرات التفجيرات ضد «أنصار الله» في مختلف المحافظات وتبنيها، وصولاً إلى إعلان الجماعة على لسان زعيمها عبد الملك الحوثي، نية التوجه إلى الجنوب لتطهيره من التنظيمات الإرهابية، بعد ظهور تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في المشهد اليمني أيضاً. إعلان الحوثي كان كافياً، ليبدأ التلويح السعودي بالتدخل العسكري في اليمن، تحت عنوان حماية الشرعية في عدن، التي يتخذها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي «عاصمة» بعد إعلان صنعاء «عاصمة محتلة».
وكانت القوات الأميركية المتمركزة في الجنوب اليمني قد انسحبت مع تدهور الوضع الأمني في البلاد وبدء المعارك في عدن، قبل أن تشير تقارير في الأيام الماضية إلى تدمير العمليات العسكرية السعودية للأسلحة الأميركية التي حصل عليها الجيش اليمني في إطار التنسيق في «الحرب على الإرهاب»، خلال استهداف معسكرات الجيش التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء.
وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن «الفراغ» يسمح لتنظيم «القاعدة» اليوم، بإعادة بناء قوته بعد سنوات من بدء ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية ضد قيادييه، بحيث يأتي الهجوم الكبير الذي نفذه التنظيم في حضرموت الأسبوع الماضي في هذا السياق، حيث تمكن من إطلاق سراح 300 سجين من السجن المركزي في المحافظة ونهب عشرات ملايين الدولارات من البنوك. هذه العملية تذكّر بأخرى كانت الشرارة في انطلاق التنظيم، حين فرّ 23 سجيناً من أحد سجون السعودية عام 2006، بينهم الزعيم السابق للتنظيم، ناصر الوحيشي. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن الدعم الذي تقدّمه واشنطن للحرب السعودية على جماعة «أنصار الله»، لن يجعل محاربة «القاعدة» مسألة ثانوية، وأن واشنطن «لن تحوّل موارد حربها على التنظيم إلى أي مكان آخر»، علماً بأن الطائرات الأميركية لم تنفذ أي عملية جوية ضد التنظيم منذ استقالة الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي وتسلّم «أنصار الله» مقاليد السلطة في صنعاء. كذلك، يرى مسؤولون أميركيون أن الهجوم على السجن المركزي في المكلا، يعيد الفعالية إلى التنظيم ويتيح له الفرصة للتخطيط لأعمال ضد الغرب في المستقبل، بعدما تبنى التنظيم نفسه الهجوم على مكاتب مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية في كانون الثاني الماضي.
عملياً، يحارب العدوان السعودي المدعوم أميركياً القوة الوحيدة التي تقاتل تنظيم «القاعدة في اليمن» ميدانياً، والتي تكبّده خسائر لم تتمكن الاستراتيجية الأميركية من تحقيقها خلال ثلاثة عشر عاماً من حربها على التنظيم. وفي وقتٍ يجمع فيه «العداء للحوثيين» السعودية بـ«القاعدة»، يمكن من يراجع تصريحات حلفاء السعودية في اليمن في الفترة الماضية، أن يلاحظ تماهياً بينها وبين بيانات «القاعدة» المتعلّقة بجماعة «أنصار الله». على سبيل المثال، سجّل هادي قبل بدء العدوان تصريحاً فاقعاً في مذهبيته ضد الحوثيين، حين قال إن الجماعة «تريد تطبيق التجربة الإيرانية الاثني عشرية في اليمن»، ما يحيل على نبرة التنظيم في بياناته الرسمية. وفي هذا المجال، تشير صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن «القاعدة» لم يدِن التدخل السعودي العسكري في اليمن، «ما يعني أن التنظيم يجني مكاسب من العمليات السعودية». كذلك، تشير الصحيفة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة بدورها، تقف في موقع «القاعدة» نفسه بشكلٍ غريب، إذ إن الطرفين يراقبان تأثير الحرب الجارية في اليمن على مواقعهما وقدراتهما.
(الأخبار)