«هآرتس» ــ يوئيل ماركوس
عام على حرب لبنان الثانية. ليس في المناسبة أي مدعاة للاحتفال. فهذه الحرب، من بين كل حروب إسرائيل، هي الوحيدة التي يقترن ذكرها بالفشل. وهي الحرب الأطول التي شهدتها إسرائيل. كما أنها الحرب الوحيدة التي ضرب العدو فيها عمق الجبهة الداخلية. والحرب الوحيدة التي اتخذ قرارها بتسرع لم يتجاوز بضع ساعات. وهي الحرب الوحيدة التي كانت نهايتها معروفة مسبقاً. والحرب الوحيدة التي انطلقنا اليها ونحن غير مستعدين. والأخطر من كل ذلك، أنها الحرب الوحيدة التي قضمت من فكرة الردع والقوة العسكرية لإسرائيل في نظر جيرانها والعالم.
ورغم كل ذلك، ورغم الثمن الباهظ الذي جبته، 163 قتيلاً، من حظنا أن الحرب حصلت قبل سنة لا بعد ثلاث أو خمس سنوات. وذلك أنه اذا كان قد كُشف الآن كم كنا غير مستعدين من ناحية مهنية لحرب نحن بادرنا اليها وكم أخطأنا في تقدير العدو وقوته، فالله وحده يعرف أين، وكيف وفي مواجهة من وما كانت إسرائيل ستجد نفسها في الحرب المقبلة؟
إن حجم الفشل هو بحجم غرور رئيس الوزراء ايهود اولمرت، وزير الدفاع عامير بيرتس، ورئيس الأركان دان حالوتس، في شأن «الدرس» الذي سنلقنه لحزب الله في الحرب.
حالوتس لم يخطئ فقط في إدراك أنه من غير الممكن إنهاء العملية من خلال سلاح الجو وحده. لقد أخطأ حتى في قراره بيع أسهمه قبل بضع ساعات من الحرب. فقد تبيّن أن الأسهم في البورصة ارتفعت بعد يومين على بداية الحرب. خطؤه كان مضاعفاً: في الحرب وفي الاستثمار.
حزب الله فاجأنا في إطلاق 4 آلاف قذيفة صاروخية حتى الدقيقة الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار. في حروب المستقبل، ستكون الجبهة الداخلية جزءاً لا يتجزأ من الحرب. وفي ضوء منظومة الصواريخ المنصوبة في محيطنا، «الكاتيوشا» و«الزلزال» سيُعدّان لعبة أطفال في المواجهة المقبل. لقد تبدّد، بين ليلة وضحاها، الافتراض بأن الجيش مستعد لشن عملية شاملة في اللحظة التي تقرر فيها القيادة السياسية الحرب. القيادة كانت مهترئة، وكذلك تفكيرها في شن حرب شاملة في غضون بضع ساعات. الجيش لم يقم، ولم يكن بوسعه أن يقوم، بالمطلوب، حتى على أقل مستوى.
لقد كنا محظوظين إذ تلقينا ضربة على أطراف الأصابع في ظرف لم تكن إسرائيل فيه أمام خطر وجودي. في الماضي، حصلت حروب في مواجهة جيوش عربية نظامية أو شبه نظامية بعيداً عن الجبهة الداخلية. في الحرب المقبلة، ستتعرض كل أراضي إسرائيل للهجوم بالصواريخ وبالقاذفات الصاروخية والجبهة الداخلية ستكون الجبهة الأساس. وإذا كنا قد رأينا في الماضي العدو وكان بوسعنا أن نستعد له، فاليوم يدور الحديث عن عدو متملّص، تعلّم كيف يختفي في الأرض ويتناثر في قوات صغيرة، مزوّدة بالصواريخ ضد المدرعات، ضد الطائرات وضد السفن، بكميات تجعل هجماتها نوعية. وكل ذلك من دون التطرق إلى خطر استئناف الإرهاب والعبوات الناسفة والعمليات الانتحارية في قلب البلاد.
في ضوء دروس الحرب، التهديدات من سوريا والتحوّل النووي لإيران، أصبحت نظريات عديدة عن ساحة الحرب المستقبلية تحوم في الهواء. حيال تزوّد العدو بقوة هجومية والخطر المحدق بالجبهة الداخلية، يطرح السؤال نفسه: ليس فقط لأي سيناريو عسكري نستعد، بل كيف تستعد القيادة السياسية لاتخاذ قرارات الحياة والموت؟ فمن ينتصر هو ليس من يمتلك سلاحاً حديثاً وأكثر فتكاً، بل قيادة تفكر على نحو سليم في خطواتها. الوسائل القتالية أكثر تطوراً اليوم، لكن المفهوم الأساس الذي وضعه دافيد بن غوريون في السنوات الأولى لإسرائيل لا يزال على حاله: نقل الحرب الى أرض العدو وتحقيق حسم سريع.
من لم يفهم ذلك حين اتخذ القرار المتعجل بالحرب في لبنان الثانية، فلينتظر شهر تشرين الأول ـــــ حين سيشرح لهم فينوغراد حجم الفشل ومن المسؤول عنه.