كما كان متوقّعاً، مرّ قرار رفع أجور الاتصالات الخلويّة في سوريا من دون أي «تعكير» يُذكر. حملات المُقاطعة التي دُعي إليها لا يبدو أنّها وجدت طريقها إلى التطبيق، ورضخ السوريون للأمر الواقع، كما جرت العادة مع كلّ قرار اقتصادي مماثل، ليبدو عام «عيشها غير» الذي بُشّر به السوريون جديراً بكل أنواع السخرية التي يحاول هؤلاء التنفيس عبرَها. لكن لرفع أسعار المكالمات تتمة لم تنل حصّتها من الضوء، وهي رفع أسعار الإنترنت (3 جي) الذي تقدمه شركتا «سيريتل» و«MTN» للهواتف الخلوية، وبمقدار 50% فقط لا غير! ودخلت الزيادة حيّز التنفيذ منذ مطلع الشهر الجاري.
«السورية للاتصالات» والوزير يتستّران؟

رفع أسعار المكالمات الخلوية تبّلغه المشتركون عبر وسائل عدة، من بينها ما أخذ صيغة إعلان صادر عن الشركة السورية للاتصالات، ومن بينها إرسال رسائل نصيّة قصيرة لشرائح من المشتركين في الخدمات، ومن بينها ما تداولته وسائل الإعلام. لكنّ اللافت أن كل وسائل التبليغ تلك نقلت المعلومات منقوصةً (باستثناء عدد محدود من وسائل الإعلام المحلية)، ليظهر الأمر أشبه بمحاولات تستّر على رفع سعر خدمة الانترنت الجوّالة. وزير الاتصالات محمد الجلالي لم يتطرّق إلى الأمر نهائياً في كل تصريحاته التي اقتصرت على تناول زيادة أسعار المكالمات. الجلالي أخذ على عاتقه التقليل من شأن الزيادة التي «لن يكون لها تأثير ملموس على المواطن»، والبحث عن مبررات للشركتين المُشغلتين من قَبيل أن «الزيادة في أجور الاتصالات الخلوية منذ بداية الأزمة لا تزيد على 50 في المئة». وتجاهل في الوقت نفسه أن أسعار الإنترنت (3 جي) قد خضعت لزيادة قدرها 100 في المئة عام 2013، وثانية قدرها 50 في المئة مطلع الشهر الجاري. أكثر من ذلك، فإنّ العنوان الذي وُسمت به مقابلتُه مع إحدى الصحف المحلية جاء مضلّلاً بشكل أو بآخر، حيث عنونت الصحيفة: «وزير الاتصالات: لا زيادة على مكالمات الهاتف الثابت والإنترنت». لكن الوزير كان يتحدث في واقع الأمر عن خدمة الإنترنت ADSL التي تقدّمها «السورية للاتصالات» فحسب.

عقد الاشتراك هو أشبه بعقد إذعان يتيح للشركتين تعديل الأسعار من دون إبلاغ المشترك

أما الشركتان المُشغلتان فقد ضمّنتا إعلانات زيادة الأسعار كلّ التفاصيل، لكنّهما نشرتا الإعلانات عبر موقعيهما الإلكترونيين فحسب، وبطريقةٍ تجعلُ مشاهدتها بحاجة إلى البحث والتنقيب في غياهب الموقِعَين. MTN نشرت التفاصيل في قسم الأخبار، بعنوان «تفاصيل الأسعار الجديدة»، فيما كان العنوان الذي اعتمدته «سيريتل» أكثر وضوحاً: «تعديل تعرفة خدمات الاتصالات».

...و«كلّو بالقانون»

على الرغم من كل السخط الذي يصبغ حديث السوريين عن شركتي الخلوي، لكن الواقع يقول إن الشركتين لم تخرجا عن شروط العقد الذي يوقّعه كلّ مُشترك لديهما، وهو «عقد اشتراك فردي في خدمة الهاتف الخلوي». العقد الذي لا يخطر لمعظم المشتركين قراءة بنوده، أشبه بـ«عقد إذعان»، إذ يضمن للشركتين اتخاذ كل الإجراءات الضامنة لحقوقهما، من دون أي تَبعات قانونية (بفرض أن أحداً سيخطر له اللجوء إلى مقاضاة الشركتين). وينص أحد البنود على حق الشركة في «تحديد بدل كل خدمة من الخدمات التي تُقدمها، كما يحق لها تعديل هذه البدلات في أي وقت، وتكون البدلات الجديدة سارية المفعول بشكل فوري»، من دون أي إشارة إلى ضرورة إبلاغ المشترك بالتعديل. (ربما كان ذلك غير ضروري، ما دامت الحكومة موجودة وساهرة على رعاية حقوق المواطن، والنظر في مصلحته و«حماية المُستهلك»).

نعمل من أجلكم... نُشهّر بكم

لدى اتصال أيّ مُشترك على الرقم المخصص لخدمة الزبائن لدى أيّ من الشركتين، سيُخبره المجيب الآلي بأن مكالمتَه مسجلة «لضمان جودة الخدمة». ويزيد على ذلك مُطمئناً بأن الشركة «ملتزمة دائماً بالحفاظ على السرية». لكن الحفاظ على السرية في عرف الشركتين لا يشمل على ما يبدو كلّ ما يتصل بالأمور الماليّة. فعلاوةً على كل الشروط التي يتضمنها «عقد الاشتراك» لضمان الحقوق المالية للشركتين، دأبت كلّ من «سيريتل وMTN»، في حال تخلف أحد المشتركين عن تسديد فاتورته، على استخدام وسائل مُطالبة مالية تُشبه ما كانت «دكانة الحارة» تتبعه قبل عشرات السنين. وبدلاً من اللجوء إلى وسائل المطالبة القانونية المتعارف عليها في أوساط الشركات (مثل النشر في الصحف، أو التبليغ القضائي.. إلخ) صار طبيعياً أن تقوم إحدى الشركتين بإجراء اتصال هاتفي مع أيّ من أقارب المشترك المتخلف عن التسديد، وتحميله رسالةً من قبيل «حضرتك أخت فلان؟ عليه فاتورة موبايل قيمتها (كذا) قوليلو يدفعها».