«الخيار الأردني» يرفض أن يموت. فبين الحين والآخر يطل برأسه ويُلمّح الى أن حل المشكلة الفلسطينية قد يكون ممكناًَ في السياق الأردني فقط. في الأسابيع الأخيرة، مثلاً، تجول في العالم بطانة الملك الأردني، عبد الله الثاني، وتطلق بالونات اختبار من أجل أن تفحص ردود فعل زعماء العالم، وكذلك رد فعل الفلسطينيين، على فكرة الاتحاد الكونفدرالي الأردني ـــــ الفلسطيني.فأخيراً، زار إسرائيل عبد السلام المجالي، الذي كان، وقد يكون مرة اخرى، رئيس حكومة الأردن. في محادثاته مع ساسة إسرائيليين، عرض المجالي خطة الاتحاد الكونفدرالي بوصفها اقتراحاً شخصياً، لكن كان يمكن أن نفهم أنه قبل وصوله الى إسرائيل حصل على مباركة الملك عبد الله. يحاول المجالي أن يسوّق خطته في الولايات المتحدة أيضاً، وبعد بضعة أسابيع ستُعقد في معهد «هادسون» في واشنطن دورة دراسية بمشاركة أردنيين وفلسطينيين، سيبحثون مستقبل العلاقات بين المملكة الهاشمية والدولة الفلسطينية التي ستُقام في مناطق الضفة والقطاع.
في السلطة الفلسطينية لا يتناولون علناً الأفكار التي يثيرها المجالي، لكن هناك عدد غير قليل من المسؤولين الكبار في قيادة «فتح» بدأوا يؤمنون بأن الخطة قد تكون المخرج من الطريق المسدود الذي دُفعت اليه اتفاقات اوسلو. لا ترفض جهات مقربة من (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن الفكرة رفضاً باتاً، وتدّعي أنه يجب تبييضها، وإن يكن ذلك سراً، ومن غير الجهر بالاتصالات بالأردن.
مصدر إحياء فكرة الاتحاد الكونفدرالي بين الأردن وفلسطين أثار مخاوف صنّاع السياسة في الأردن من تغلغل الصراعات بين «فتح» و«حماس» الى داخل الأردن؛ فالحرب الأهلية في قطاع غزة أضاءت مصباح تحذير أحمر في عمان. ثمة تخوف في الأردن من تدفّق تيار من اللاجئين الفلسطينيين من الضفة يقوم باجتياز نهر الأردن نحو الضفة الشرقية. اليوم يُعرِّف أكثر من 60 في المئة من سكان الأردن أنفسهم بأنهم فلسطينيون. أحد الحلول الممكنة هو إذاً إنشاء إطار سياسي مشترك تكون الصدارة فيه للأردن، لكن يُحتفظ للفلسطينيين بقدر كبير من الاستقلال الذاتي في إدارة شؤونهم.
لا ينسى الملك عبد الله محاولة ياسر عرفات عزل أبيه، الملك حسين، في ايلول 1970. يفترض أن تمنع فكرة الاتحاد الكونفدرالي، اذا قبلها الفلسطينيون، محاولات مشابهة في المستقبل وأن تضمن مستقبل المملكة الهاشمية.
حسب خطة حاشية الملك، سيكون الملك الهاشمي، لكونه من نسل النبي محمد، رئيس الاتحاد الكونفدرالي (إلى جانب كونه ملك الدولة الأردنية)، على أن تتألّف حكومة فدرالية من تحتها برلمان منتخب، يكون مكوّناً من ممثلين أردنيين وفلسطينيين. وتكون قوات الأمن تحت سيطرة الحكومة الفدرالية وهو شيء يفترض أن يخفف من مخاوف إسرائيل من نشاط قوات عسكرية فلسطينية مستقلة. وتقول حاشية عبد الله إن شرط إنشاء الاتحاد الكونفدرالي هو اتفاق إسرائيلي ـــــ فلسطيني على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. بعد ذلك فقط ستُدعى الدولة الجديدة الى الانضمام الى الاتحاد الكونفدرالي المقترح.
ليس هناك في إسرائيل شخص يرد رسمياً على الفكرة الأردنية. من الواضح أن آذان مقرري السياسات مصغية الى الأصوات الصادرة عن عمان. قال شمعون بيريز، في شهادته أمام لجنة فينوغراد، «يجب علينا أن نبحث عن بنية جديدة مع الفلسطينيين. أنا في قلبي عُدت الى الاستنتاج الذي كان لي في حياتي دائماً: يجب علينا أن نأتي بالأردنيين. لا نستطيع أن نصنع سلاماً مع الفلسطينيين فقط».