معاريف» ـ موشيه يعلون
أقدِّر جداً استعدادك لتحمل مشاق حل النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني الذي يعود إلى أكثر من مئة عام. التقيت في السابق مبعوثين كثر حاولوا المساعدة في حل النزاع، وكنت أنهي لقاءاتي بهم بتقدير أنهم سيفشلون، وللأسف، لم أخطئ. وكمن قرأ وأنصت لأقوالك كرئيس للحكومة البريطانية، أخشى أن تكون أنت أيضاً موشكاً على الفشل، إلا إذا عرفت كيف تتخلص من المفاهيم السائدة، لكن غير ذات الصلة بهذا النزاع.
سمعتك تقول مرات عديدة إن حل النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني هو شرط لاستقرار الشرق الأوسط. يسهل فهم سبب ميل البعض في الغرب، بل وفي إسرائيل، إلى التفكير على هذا النحو، إلا أنه لا يوجد خطأ أكبر من ذلك. يمكن أن نحصي عدداً من النزاعات في الشرق الأوسط، بعضها تستغل النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني لأغراضها، لكنها لا تنبع منه، مثل المواجهة بين الإسلام الجهادي والغرب، والمواجهة بين الشيعة والسنة، والمواجهة بين الفرس والعرب، والمواجهة بين العرب القوميين والعرب الإسلاميين وغيرها.
منطلق الكثيرين في الغرب (وكذا في إسرائيل) هو أن السبيل إلى حل النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني هو تنازلات إقليمية إسرائيلية. في الوضع الراهن، عندما يكون الإسلام الجهادي هو القوة الصاعدة التي تقود الصراع ضد إسرائيل والغرب، فإن كل تنازل إسرائيلي، باتفاق أو بشكل أُحادي الجانب، سيعطي دعماً للإسلام الجهادي، وبالتالي، لن يؤدي إلى حل النزاع، بل سيُضرم ناره.
في هذا الشأن، بودي أن أذكرك بأن الأغلبية في إسرائيل أيدت الانسحاب الأحادي من لبنان ومن غزة، افتراضاً (خطأً) منا أننا باستجابتنا لمطالبهم الجغرافية سنلغي أسباب النزاع. النتائج معروفة. وفي إسرائيل أيضاً، هناك الكثيرون (بمن فيهم في القيادة السياسية) ممن لا يفهمون أن الصراع السائد اليوم في المنطقة ليس جغرافياً، بل إيديولوجياً، ولا يمكن هزم الإيديولوجيا بتقديم التنازلات. فهذا لم ينجح قبل الحرب العالمية الثانية أمام الإيديولوجيا النازية، وهو لن ينجح اليوم أيضاً.
إنني أسعى إلى أن أثير فيك التفكير المتجدد بشأن المفاهيم السائدة في الغرب وفي إسرائيل، عن النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، حيث يميل الكثيرون إلى الاعتقاد بأن المشكلة بين إسرائيل والفلسطينيين هي ما يسمونه «احتلالاً».
أناس كثيرون في الغرب وفي إسرائيل يستخدمون تعبير «أراضي 1967». كما أن فلسطينيين كثراً، وبعض عرب إسرائيل، يستخدمون تعبير «احتلال» بقصد الحديث عن كل أرض إسرائيل (من النهر إلى البحر). لو كانت المشكلة بين إسرائيل والفلسطينيين هي فقط أراضي 1967، والحل كان تقسيم البلاد، فإن النزاع كان سيحل منذ زمن بعيد. لب المشكلة بيننا وبين الفلسطينيين هو أنه لم تقم في أوساطهم بعد قيادة مستعدة للاعتراف بدولة إسرائيل دولةً يهودية مستقلة، الاعتراف الذي قدمه أسلافك في عهد الانتداب البريطاني منذ «وعد بلفور»، وحظي بدعم واعتراف دوليين.
كثيرون في الغرب وفي إسرائيل يميلون إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين يريدون ويستطيعون إقامة دولة تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل. من لديه عينان في رأسه يدرك أن هذه الأمنية تبددت. عرفات أقام كيان عصابات متنكراً للمسؤولية. أبو مازن لا يريد ولا يرغب في تحمل المسؤولية، وهو يستمتع «بضعفه»، والنتيجة ظاهرة للعيان. المجتمع الذي يربي ويشجع على ثقافة الموت هو مجتمع ذو آلية تدمير ذاتي. انظر إلى قطاع غزة! الحركة الوطنية الفلسطينية هي الحركة التي حظيت، ولا تزال، بالدعم السياسي والاقتصادي الأكبر في العالم (وفي إسرائيل أيضاً) وانظر النتيجة.
الكثيرون في الغرب وفي إسرائيل يؤمنون بأن الازدهار الاقتصادي سيعطل المشاعر القومية والدينية المتطرفة، وسيجلب السلام الذي سيجلب الأمن. إذا كنتَ لا تزال تؤمن بذلك فإني أوصيك بأن تقرأ أقوال دافيد بن غوريون في بداية دورة الكنيست في عام 1960 في هذا الشأن، حين سمى أولئك الذين آمنوا بذلك «الصهاينة السذج». إضافة إلى ذلك، اطلب من الفلسطينيين أن يشرحوا لك ماذا فعلوا بنحو 7 مليارات دولار تلقوها في السنوات الاخيرة؟ لماذا هدموا المنطقة الصناعية في ايرز؟ لماذا يهاجمون المعابر في قطاع غزة؟ ولماذا تراجع اقتصادهم تحت حكم السلطة الفلسطينية بالنسبة إلى وضعهم قبل أيار 1994 (موعد دخول عرفات إلى المنطقة)؟
وأسألك، في ضوء التجربة الغنية الأخيرة بيننا وبين السلطة الفلسطينية، هل ترى فرصة لدولة فلسطينية قابلة للحياة (سياسياً واقتصادياً) في مناطق 1967؟ هل في ضوء سيطرة «حماس» على قطاع غزة وفي ضوء سلوك «فتح» ترى فرصة لكيان سياسي غير معادٍ لإسرائيل (وللأردن) في مناطق 1967؟ هل هذه مصلحة بريطانيا والغرب؟
ما الذي أوصي بفعله مع كل ذلك؟ التخلي عن الضغط على إسرائيل، وأن تحاول المساعدة في إقناع الفلسطينيين بتبني استراتيجية بعيدة المدى، أساسها إصلاح تربوي، وسياسي، واقتصادي، يمكن من إقامة مجتمع مدني يقدس الحياة لا الموت، ويقدر حقوق الإنسان والحرية، ويطور طبقة وسطى لا نخبة فاسدة وثرية. لا تبذر المال لتعزيز مكانة أبو مازن، أو لتعزيز أجهزته أمنه. اصرف المال على الإصلاح التربوي وعلى تشجيع الأعمال الصغيرة التي ستنمو عليها طبقة وسطى.
في مقابل ذلك، اعمل على إيجاد حل إنساني لمشكلة اللاجئين. أقم صندوقاً دولياً يقترح على كل عائلة لاجئة مبلغاً مناسباً لإعادة تأهيلها (نحو 100 إلى 200 ألف دولار للعائلة)، بشرط أن تنتفي عنهم صفة اللاجئين.
لا يغرينكَ أن تمضي إلى تحقيق إنجازات ضئيلة بالطلب من إسرائيل أن تزيل المستوطنات أو أن توقف عمل الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية. كما بينت قبل ذلك، كل تخلٍّ إسرائيلي اليوم سيسجل نصراً آخر للإسلام الجهادي. إذا ضغطت لوقف نشاط الجيش الإسرائيلي في مناطق السلطة، فستفضي إلى تجديد الموجة الإرهابية التي خبرناها بعد أيلول 2001. من مثلك، أنت الذي أرسلت جيش بريطانيا إلى أفغانستان لمنع الأعمال الإرهابية في لندن، ومدريد ونيويورك، يفهم أن الدفاع الأفضل هو الهجوم؟
كما لا يغرينكَ أن تحادث «حماس»، حتى لو وُجد عدد من البريطانيين يضغطون من أجل ذلك (وبعضهم لاعتبارات مصلحية مثل «بريتش غاز»). من أجل مستقبل المجتمع الفلسطيني، يجب أن تهزم «حماس» وعقيدتها. مهمتكَ المحددة هي علاج النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، لكن لا تخطئ، فهو ليس أهم مواجهة اليوم. أهم مواجهة هي المواجهة بين الإسلام الجهادي والغرب. لا تمكن هزيمة الإسلام الجهادي من غير أن تهزم النظم والمنظمات التي تؤيده وتغذيه، وعقيدتها.