هآرتس ـ آفي يسسخروفوعاموس هرئيل

نشر أفراد القوى الأمنية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في رام الله أخيراً، عشرات الحواجز من أجل اعتقال رجال «حماس». جهاز الأمن الوقائي في الضفة، الذي قاد الحرب القصيرة لياسر عرفات ضد المنظمات الإسلامية في التسعينات، عاد للعمل بنشاط. وحتى مقر قيادة الجهاز في بيتونيا، الذي كان ذات يوم مركز السيطرة الخاص بالرئيس السابق للجهاز جبريل الرجوب، جرى ترميمه من الدمار الذي ألحقه به الجيش الإسرائيلي عام 2002 خلال حملة «السور الواقي».
عودة النشاط إلى الأجهزة الأمنية المتماهية مع حركة «فتح» يرتبط بالتخوف في السلطة من أن تكون «حماس» تخطط لسلسلة عمليات واغتيالات ضد مسؤولين كبار في الضفة الغربية، كخطوة استكمالية لسيطرتها على قطاع غزة. في إسرائيل، يتشككون في إمكان حصول هذا الأمر، إذ تعتبر المؤسسة الأمنية أن البنية التنظيمية لـ«فتح» في قطاع غزة كانت عفنة من الأساس وأن الحركة كادت تنهار من تلقاء نفسها ما إن بدأت «حماس» تضغط عليها. أما في الضفة، فتبدو لدى «فتح» بوادر الانتعاش، نتيجة الفهم بأن المنظمة تقف أمام مفترق طرق تاريخي.
كبار مسؤولي السلطة وقادة الأجهزة الخاضعة لها يتحدثون الآن بنبرة مغايرة عما في الماضي. الانتفاضة الثانية ضد إسرائيل انتهت، كما يقولون، وعلى «فتح» الآن أن تركز جهودها على العدو الداخلي ـــ «حماس». ولهذا الغرض، من المسموح استئناف الاتصالات مع إسرائيل، التي تساهم بدورها في تحرير السجناء، ومنح تصاريح إدخال السلاح من الأردن ومصر والاستجابة للطلب السري من عباس بالامتناع عن فتح معبر رفح. وأخيراً، وفي ظل تعتيم إعلامي، طرأ تطور هام آخر في علاقات الطرفين ـــ فللمرة الأولى منذ سنين، استعانت المخابرات الإسرائيلية بمعلومات تنقلها أجهزة السلطة عن نشاط منظمات الإرهاب في الضفة. ولكن في نظر السلطة، الخطوات الإسرائيلية غير كافية.
يوجد خلاف داخلي في السلطة في شأن ما يمكن للإسرائيليين أن يفعلوه، إذ يرى عدد غير قليل من كبار المسؤولين في «فتح» أن المحادثات السياسية مع حكومة إيهود أولمرت في شأن التسوية الدائمة من شأنها أن تسبب فقط بالضرر. وبحسب هؤلاء، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي غير قادر على أن يعطي أكثر مما اقترح إيهود باراك على عرفات في كامب ديفيد، في عام 2000، بينما عباس لا يمكنه أن يوافق على أقل مما طُرح في حينه. وبزعم أولئك المسؤولين الكبار، فإن المفاوضات مع إسرائيل تشكل ذريعة فلسطينية لعدم نجاح السلطة في إحداث تغيير حقيقي في الضفة.
يقول محلل فلسطيني في رام الله إن «الجمهور الفلسطيني لا يتحمل عناق (سلام) فياض وعباس لإسرائيل. فهو يرى أن إسرائيل تبقى العدو الحقيقي، وليس حماس. ما هو مطلوب الآن هو خروج إسرائيلي من المدن، ورفع الحواجز وتحرير المزيد من السجناء. على المستوى الاقتصادي، الرواتب لموظفي السلطة والاتفاق مع الولايات المتحدة على ضمانات للاستثمار لن تساعد كثيراً. إذا كنا نريد تغييراً حقيقياً، فيجب خفض البطالة والفقر. وهنا فقط إسرائيل يمكنها أن تساعد، إذا ما وافقت على إدخال العمال إلى نطاقها». ولكن حتى عندها، من المشكوك فيه أن تتعزز «فتح»، مشيراً إلى أن «وضع المنظمة صعب لدرجة أنه فقط إذا ما نهض عرفات بعظمته من قبره فلعلها تعود إلى ذاتها».
وفي الجانب الإسرائيلي أيضاً، ثمة شكوك. القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية تجدان صعوبة في قياس القوة الحقيقية ومدى تصميم عباس وفياض. صحيح أن هناك تغييراً جوهرياً في نهج إسرائيل، المستعدة لمساعدة «فتح» الآن. وفي المقابل، بعد الكثير من التجارب المحبطة منذ اتفاقات أوسلو، إسرائيل مستعدة لأن تأخذ على عاتقها مخاطر محدودة فقط.