strong>روني بيرت
مثّلت المساعدات الأميركية لإسرائيل، على الأقل في العقود الأربعة الاخيرة، الحبل السري الذي غذّى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. لكن بعض الأوساط الإسرائيلية سعت، في السنوات الأخيرة، للدعوة إلى خفض هذه المساعدة، بل إلى إلغائها، من أجل تقليص التحاق إسرائيل بالولايات المتحدة وتحريرها من الارتهان

تمنح الولايات المتحدة إسرائيل مساعدة مالية منذ عام 1949. بدأت هذه المساعدة بقروض اقتصادية صغيرة ومنح قروض لأغراض مختلفة (التجارة، والأغذية، واللاجئين)، وفقط في عام 1959 أُعطيت اسرائيل أول قرض عسكري. لم تتجاوز المساعدة العامة 100 مليون دولار حتى عام 1966. وللمرة الأولى حدثت طفرة كبيرة وذات شأن في عام 1971، مع تقديم قرض عسكري بلغ أكثر من نصف مليار دولار (كان ضرورياً مقابل زيادة التهديدات المصرية بسبب انتهاكات وقف اطلاق النار عام 1970). ثم في عام 1974، وصلت المساعدة العامة الاميركية الى أكثر من 2.5 مليار دولار، بعد حرب يوم الغفران.
بحلول عام 1979، على أثر اتفاقات كامب ديفيد، بلغ حجم المساعدة أوجّه، 4.9 مليارات دولار، كانت ضرورية لنقل قواعد الجيش الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء إلى النقب. ومنذ عام 1983، عُبّر عن المساعدة كلها بهبات فقط. ومنذ عام 1985 ابتدأ توجه مشابه في موضوع المساعدة العسكرية أيضاً. في عام 1987 رسخ إجراء ينصّ على أن اسرائيل طلبت والولايات المتحدة أجازت مساعدة مالية سنوية مقدارها 3 مليارات دولار ـــــ 1.8 مليار مساعدة عسكرية و1.2 مليار مساعدة اقتصادية. بالإضافة إلى هذه المساعدة المنتظمة، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدة خاصة، في فترة حرب الخليج عام 1991 وفي حرب العراق عام 2003.
اعطيت اسرائيل فوائض عتاد بقيمة مئات ملايين من الدولارات. لا تشتمل المساعدة العسكرية الثابتة على أموال من أجل مشروعات للبحث والتطوير، مثل 1.3 مليار دولار مُنحت لمشروع مشترك لتطوير نظام مضاد للصواريخ «حيتس»، جاءت بواسطة ميزانية الدفاع. العتاد المُعدّ سلفاً في إسرائيل للاستعمال العسكري الأميركي، يوفّر على إسرائيل تكاليف ملحوظة من إمدادات الطوارئ. وفي المجال الاقتصادي، أعطت الولايات المتحدة اسرائيل ضمانات لقروض تجارية بمليارات الدولارات، الأمر الذي مكّن اسرائيل من أن توفر ملايين الدولارات من الفائدة.
تتلقّى اسرائيل مساعدة مالية اميركية بشروط اكثر ملاءمة من أي متلقّ آخر. وتنقل الأموال إلى حكومة اسرائيل بدلًا من تخصيصها لبرامج محددة، ولا تطالَب إسرائيل بتقديم حساب على كيفية إنفاقها للمساعدة. يتم تحويل الأموال في شكل مبلغ مقطوع في بداية السنة المالية لا على اقساط ربع سنوية، وهو ما يسمح لإسرائيل باستثمار هذه الأموال في سندات الخزينة الاميركية وكسب الفوائد منها، وهي فوائد وصلت الى مئة مليون دولار في احدى السنوات. 26 في المئة من المعونة العسكرية الأميركية تصرف خارج الولايات المتحدة، وهكذا يمكن أن يُستعمل المال للشراء من اسرائيل. وتحصل اسرائيل أيضاً على حسم جزئي عن مشترياتها العسكرية في الولايات المتحدة بتوسط مقاولين أميركيين يلتزمون الشراء المتبادل. مع ذلك، توجد قيود على هذا السخاء، وهي أن جميع المشتريات في الولايات المتحدة يجب أن يقرّها البنتاغون وتتوافق مع اولويات الإدارة الأميركية.
عودة إلى الأرقام الأساسية. في عام 1996 قرّرت إسرائيل، من خلال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خفض الاعتماد على المعونات الأميركية بنسبة عشرين في المئة عن طريق إلغاء المساعدة الاقتصادية التي لم يعد لها مبرر. ونصّ اتفاق وُقّع مع الأميركيين عام 1998 على إجراء خفض تدريجي بقيمة 120 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، في كل عام، ونصف الخفض ينقل إلى المساعدات العسكرية. وتنتهي هذه العملية في عام 2008، وعندها لن تحصل إسرائيل على مساعدات اقتصادية وسيحول مبلغ 2.4 مليار دولار إلى المساعدات العسكرية. والهدف أن يكون هذا المبلغ ثابتاً سنوياً في المستقبل المنظور، لكن يبدو أن هذا لن يحدث.
زيادة المعونات
وصل الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن مع طلب زيادة المساعدات السنوية تدريجياً بمبلغ خمسين مليون دولار سنوياً على مدى عشر سنوات (2.9 مليار دولار)، وهو ما عكس العملية التي بدأت في عام 1998، لكن من دون العودة إلى المساعدات الاقتصادية. الأساس المنطقي لهذا الطلب هو الاستفادة من قرب انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش، أكبر أنصار إسرائيل ومؤيديها. ولم يكن الرد الأميركي مخيّباً لآمال الإسرائيليينالسبب الرئيسي لطلب إسرائيل زيادة المعونة المالية واضح جدّاً: إسرائيل تحتاج إلى المال. فالتهديدات الأمنية آخذة في الازدياد. قبل عشرين عاماً واجهت إسرائيل «فقط» التهديد التقليدي، اليوم هناك ثلاثة تهديدات إضافية: التهديد غير التناسبي (الإرهاب وحرب العصابات)، والأسلحة البعيدة المدى، والتهديد النووي. تزداد تكاليف نظم السلاح المتطورة، ومعها أيضاً تزداد الميزانية المطلوبة للمحافظة على التفوق النوعي لإسرائيل. وهذا التفوّق هو هدف معلن للولايات المتحدة. ثمن طائرة «اف 15» نحو 50 مليون دولار؛ و«اف 22» 150 مليون دولار. ولطالما تفوقت الدول العربية الغنية بالنفط في مواردها المالية، رغم أن هذه البلاد لا تمثّل تهديداً مباشراً على إسرائيل في حد ذاتها، لكن هناك خطراً في أن بيع هذه الدول أسلحة اميركية سيؤدي إلى ايجاد سابقة تتيح المجال أمام أميركا لبيع مصر أسلحة مماثلة. يضاف إلى هذا الوضع الصعب والدائم، وجود حاجة مباشرة إلى تجنيد الاحتياطي الذي نفد في حرب لبنان الثانية، والحاجة إلى الاستعداد على عجل لإمكان نشوب حرب أخرى.
لهذه القضية جانب سياسي مهم. فالمساعدة الأميركية لإسرائيل ترمز إلى تأييد الولايات المتحدة لها. المساعدة المضخمة التي وافق عليها مسؤولو الإدارة الرفيعو المستوى بسهولة، والتي حظيت بتأييد الكونغرس بإجماع تقليدي للحزبين، سترسل رسالة قوية تشير إلى صلابة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. قد يكون الأمر مهمّاً على نحو خاص إزاء المطالب العربية الآخذة في الازدياد بأن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل في القضية الفلسطينية، إضافة إلى أن نتائج إسرائيل المخيبة للآمال في مقاومة حزب الله أثارت شائعات في شأن تخلّص الولايات المتحدة من رؤية اسرائيل بصفتها ذخراً استراتيجياً بالنسبة إليها. إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تريدان أن تُفسَّر نسبة التأييد الأميركي لإسرائيل كما ينبغي في الشرق الاوسط، فإن البرهان الأفضل على ذلك هو المساعدة المالية التي تمنحها الولايات المتحدة لها.
ثلاثة أرباع المساعدة العسكرية الأميركية تُنفق في الولايات المتحدة. يجني أكثر من ألف مقاول في 47 دولة أرباحاً من مشتريات إسرائيل. ولا يُترجم الأمر فقط إلى تأييد سياسي محدّد للمساعدة، بل إلى تأييدٍ عام لإسرائيل من القطاعات ذات الصلة، ومن ممثلي مناطق وممثلي ادارة في مجلسي الكونغرس. إن إجازة المساعدة تقترح فرصة مناسبة لليهود والساسة أن يُظهروا تأييدهم لإسرائيل. يُحسّن نجاح زيادة المساعدة الأميركية صيت المشاركين في ذلك في إسرائيل. ترى المؤسسة الأمنية، وبحق، أن المساعدة المالية الأميركية هي العامل الثابت البعيد الأمد والوحيد في تخطيط الميزانية.
خفض المساعدات
في مقابل ما قيل آنفاً، هناك أيضاً أسباب لاستمرار عملية خفض المساعدة، أو أن يُصار إلى إلغائها في نهاية المطاف. السبب الأول أقل اتصالاً بالاستراتيجية، أو بالسياسة الخارجية أو بالاقتصاد أو بالسياسة الداخلية، وهو أكثر اتصالًا بالأخلاقية والكرامة. «منذ عام 1976 وإسرائيل أكبر متلقّ للمساعدة الخارجية السنوية من الولايات المتحدة، وهي اكبر متلقّ للمبالغ المتراكمة منذ الحرب العالمية الثانية. حصلت اسرائيل على أكثر من 84 مليار دولار هبات فقط في الأعوام الـ 56 الأخيرة. تصل المساعدة الاميركية السنوية لإسرائيل على أكثر من 340 دولاراً للفرد. لا ريب في أن هذا أعلى مبلغ مساعدات في العالم. متوسط المساعدة للفرد في العالم 22 دولاراً فقط. تصبح هذه الموازنة أكثر إثارة للحسد لأن اسرائيل بصفتها متلقية للمساعدات، ومن منظور جميع المعايير الدولية، هي دولة غنية نسبياً.
إن إيراداً وطنياً خاماً يبلغ 25 ألف دولار للفرد يجعل اسرائيل في المحل السابع والثلاثين في العالم، والإنتاج الوطني الخام البالغ 23 ألف دولار للفرد يجعلها في المحل السابع والعشرين. فكيف لدولة تُدرج في هذا التصنيف أن تحصل على نحو ثابت على مبلغ يزيد على متوسط المساعدة الخارجية للفرد في العالم بـ 15 ضعفاً؟
الاستقلال الاقتصادي يؤكد سبباً ثانياً لخفض المساعدة. فتعلّق إسرائيل المالي بالولايات المتحدة نقص سياسي. صحيح أن الولايات المتحدة لم تستعمل أداة الضغط هذه منذ الضغط العنيف على اسرائيل للانسحاب من شبه جزيرة سيناء في سنة 1956، لكن الطرفين يعلمان آثار هذا التعلق. كان تفضيل اسرائيل القسري لطائرة «بوينغ» على «إير باص» برهاناً على ذلك، كذلك وجدت نفسها مضطرة الى الحصول على إذن واشنطن للقيام بخطوات اقتصادية في زمن الأزمات الاقتصادية عام 1985 وفي عام 2003.
كان «التقدير من جديد» في عام 1975 مثالًا أليماً في هذا السياق. بادر وزير الخارجية هنري كيسنجر الى تجميد جميع إرساليات السلاح المخصصة لاسرائيل، بل ألمح إلى وسائل أشد صرامة. يمكن أن نتخيل كيف كانت ستستعمل الولايات المتحدة المساعدة للتضييق على اسرائيل في الموضوع الفلسطيني لو كان الرئيس جورج بوش الأب قد فاز في الانتخابات وفاز أيضاً رئيس الحكومة إسحق شامير عام 1992. وإذا كان صحيحاً أن إسرائيل المستقلة من جهة اقتصادية عن الولايات المتحدة وتبقى متعلقة بها في مجالات اخرى، مثل التكنولوجيا والدبلوماسية، فهي حقيقة لا تتناقض مع الحاجة الى التقليل من تعلق اسرائيل بالولايات المتحدة قدر المستطاع.
التعليل الثالث الذي يدفع الى تقليل المساعدة الاميركية ينبع من التأييد السياسي طويل الأمد للولايات المتحدة. في نقطة ما، على رغم أو ربما بسبب تأثير جماعة الضغط الموالية لإسرائيل، سيضيق الاميركيون ذرعاً بالعبء. أصبحت إشارات التحذير واضحة. في عام 2003، قرر الكونغرس تقليصاً شاملاً وبعيد الأمد لكل المساعدة الخارجية، وفي ضمنها اسرائيل، وذلك رغم طلبات جماعة الضغط الموالية لاسرائيل. رفض الكونغرس طلب الإدارة أن تُحوّل الى اسرائيل 200 مليون دولار أخرى لمساعدتها على محاربة الإرهاب. في عام 2005، تعاملت الادارة الاميركية والكونغرس معاً ببرود مع طلب اسرائيل مساعدة اخرى لتعويض تكاليف الانفصال عن قطاع غزة.
قد تكون المساعدة العسكرية السخية والنوعية العنصر الأهم في «العلاقات الخاصة» التي تسود بين الدولتين. مع ذلك، تشير أصوات مهمة، تدعو الى تناول النزاع الاسرائيلي ـــــ الفلسطيني بجدية أكبر، الى رغبة آخذة في الازدياد في الاعتراف بحقيقة أن إسرائيل هي عبء سياسي أيضاً. ستُحسن اسرائيل الصنع اذا عملت على الخلاص من صورة العبء المالي الأبدي. قد يكون الأمر أوثق صلة لأن الحزبين في الكونغرس والمرشحين للرئاسة أيضاً في انتخابات 2008 يميلون الى موازنة الميزانية الفدرالية بتقليص النفقات.
وفوق ذلك، إذا كان هناك فرض أن الولايات المتحدة ولسبب ما ترغب في خفض المساعدة، فمن المهم أن تبادر اسرائيل الى عمل ذلك بنفسها.
السبب الرابع لخفض المساعدة هو الميزة الاقتصادية التي ستتأتى لإسرائيل إثر خطوة كهذه. اذ تحمل المساعدة الاميركية قيوداً، بعضها يكبل ايدي الصناعة الاسرائيلية الامنية. وخفض المساعدة سيساعد اسرائيل في اربعة موضوعات:
أـــــ سيعمد الجيش الاسرائيلي إلى شراء قدر اكبر من الوسائل القتالية من الصناعات الامنية الاسرائيلية، وهذا يعني استثماراً في الاقتصاد المحلي.
ب ـــــ إقدام اسرائيل على الشراء من الشركات الاسرائيلية يعزز سمعة هذه الشركات، وبالتالي مبيعاتها. واستبدال الشركات الاسرائيلية مكان الشركات الاميركية سيعزز الجهود التسويقية لهذه الشركات في الخارج.
ج ـــــ ستتحرر الصناعات الأمنية الاسرائيلية من القيود الاميركية، ولو جزئياً.
د ـــــ الدفع بمال اسرائيلي عند الشراء في الولايات المتحدة سيزيد من حجم المشتريات المتبادلة لشركات اميركية في اسرائيل.

المساعدات المالية الاميركية لإسرائيل
(ملايين الدولارات)























































































































































































































































































































































































































































اقتصادية
عسكرية
 

قروض

هبات

قروض

هبات

سنة

100

 
 
 
1949
 
 
 
 
1950
35    
 
1951
  86.4  
 
1952
  73.6  
 
1953
  74.7  
 
1954

30.8
21.9  
 
1955

35.2
15.6  
 
1956

21.8
19.1  
 
1957

74.1
11.3  
 
1958

42
10.9 0.4
 
1959

42.3
13.4 0.5
 
1960

59.6
18.3  
 
1961

73
7.2 13.2
 
1962

68.6
6 13.3
 
1963

32.2
4.8  
 
1964

47.3
4.9 12.9
 
1965

35.9
0.9 90
 
1966

15.1
3.2 7
 
1967

75
6.5 25
 
1968

74.7
0.6 85
 
1969

50.7
12.9 30
 
1970

86.5
2.8 545
 
1971

24.9
106 300
 
1972

80.5
104.8 307.5
 
1973

22.3
116.3 982.7
1,500.00
1974

46
432 200 100 1975

319.1
518.6 750 750 1976

31.2
51.3 100 100 TQ

227.9
534.6 500 500 1977

272.2
550.4 500 500 1978

308.8
579.2
2,700.00

1,300.00
1979

541.9
579.1 500 500 1980

217.4
796 900 500 1981

24
939 850 550 1982
  792.6 950 750 1983
  1081 850 850 1984
  1,976.70   1,400.00 1985
  1,925.90   1,722.60 1986
  1,240.20   1,800.00 1987
  1,233.40   1,800.00 1988
  1,245.60   1,800.00 1989
  1,242.60   1,792.30 1990
  1,912.30   1,800.00 1991
  1,300.00   1,800.00 1992
  1,301.40   1,800.00 1993
  1,241.50   1,800.00 1994
  1,302.40   1,800.00 1995
  1,347.30   1,800.00 1996
  1,330.10   1,800.00 1997
  1,280.00   1,800.00 1998
  1,150.00   1,860.00 1999
  1009.1   3,120.00 2000
  900.5   1,975.60 2001
  780   2,068.00 2002
  655.7   3,086.40 2003
  540   2,147.30 2004
  407.1   2,202.20 2005
  290   2,280.00 2006

3116
33,187.80 11,212.50 51,354.40
المجموع