حيفا ــ فراس خطيب
استغــــلّ «فــــوضى» مــــا بعــــد الثــــورة... واعتمــــد «الــــرشى» و«التزييــــف» وسيلــــة

سعى «الموساد» الإسرائيلي، مباشرةً بعد الثورة الإيرانية وعلى مدى ثلاث سنوات بين 1979 و1981، إلى استقدام 40 ألفاً من يهود إيران، مستغلاً حال «ما بعد الثورة». حصل ذلك عن طريق حملة منظمة نفذتها وحدة «بيتسور» التابعة لـ«الموساد» بواسطة عملاء من يهود إيران، حيث وجدت الاستخبارات الإسرائيلية أنَّ «كل الأساليب متاحة» في حينه، وأدارت «صناعة للتزييف» وأقنعت آلاف اليهود بضرورة الهجرة.
هذه التفاصيل كُشِفَ عنها في كتاب «نقطة اللاعودة ـــــ الاستخبارات الإسرائيلية في مقابل إيران وحزب الله»، لرونين برغمان، محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وحسب الكتاب، قدَّر الإسرائيليون أن فترة صعود الزعيم الإيراني آية الله الخميني إلى الحكم، تتميّز بالفوضى، بحيث سيطرت وحدات وفرق منقسمة من الإيرانيين على العاصمة طهران. كان هدف النظام الإيراني في حينه، حسبما جاء في الكتاب، هو القبض على أتباع الشاه المخلوع. ورأى الإسرائيليون أنه لا وقت لدى الإيرانيين «لفحص الداخلين والخارجين من المطار الإيراني».
واستطاع «الموساد» الإسرائيلي، على مدى ثلاث سنوات، استجلاب اليهود، مستغلاً الحراك السياسي الإيراني الداخلي، و«كل ثغرة في الجدار الحديدي المثبت حول إيران».
ألقيت المهمة، بحسب برغمان، على ضابط في الموساد الإسرائيلي يدعى «م»، وجنّد لخدمته يهودياً إيرانياً اسمه أبراهام غيفن، كان قد ساعد في «إنقاذ» الدبلوماسيين ورجال الاستخبارات الإسرائيلية قبل شهر من بداية حملة استجلاب اليهود.
ركزّ غيفن حملة «الموساد». كان المسؤول التنفيذي عنها في الداخل، بينما عمل «الموساد» في موازاة الحملة الكبيرة، على بلورة حملات أصغر في داخل إيران.

اتصال من دافيد

بعد مغادرة الدبلوماسيين الإسرائيليين، بقي غيفن، عملياً، الوكيل الوحيد لشركة الطيران الإسرائيلية «العال»، والوكالة اليهودية في طهران. بعد أسابيع من الثورة الإيرانية، اتصل به شخص يدعى دافيد، ابن يديديا شوفط، حاخام الجماعة اليهودية في إيران، وطلب منه القدوم «للقاء صديق». كان هذا الصديق هو وكيل «الموساد» الإسرائيلي، وعندها عيَّن الوكيل غيفن «مسؤولاً عن الحملة لإنقاذ يهود إيران».
وصل وكيل الموساد إلى إيران بواسطة جواز سفر مزيف، مستغلاً «قصة إنسانية»، مدعياً أنَّه يريد مساعدة الجماعة اليهودية في إيران، وأنه أحضر لهم حاجيات لقضاء «ليل هسيدر» (ليلة عيد الفصح لدى اليهود). ورتَّب خلال فترة قضاها في ايران، طرق الاتصال كاملة بين «الموساد» ووكلائه وعملائه من اليهود في إيران.
كانت وظيفة غيفن، ومن عمل تحت إمرته في ذلك الحين، تتمحور حول إقناع يهود إيران بالعدول عن بقائهم والهجرة إلى إسرائيل. كانت المهمة صعبة للغاية، وخصوصاً إقناع أغنياء اليهود.
ويقول برغمان إنَّ اليهود رأوا أن الخميني «ظاهرة عابرة»، وكانوا واثقين من «عودة الشاه حالاً»، إلا أنَّ هذا لم يمنع جماعة غيفن من الاستمرار في الإقناع متنقلين بين البيوت والكنس والمراكز الجماهيرية.
نجح غيفن وأعوانه في إقناع المئات من يهود إيران بالهجرة. قسّموهم إلى مجموعات ودربوهم على كيفية الهروب. كان بعض اليهود الإيرانيين يملكون جوازات سفر سارية المفعول، بحيث يتمكنون بواسطتها من ترتيب سفرهم بالطائرة عن طريق «رشوة الموظف المحلي في المطار». كانت الصعوبة بالنسبة إلى غيفن وأعوانه تكمن في أنَّ جزءاً من اليهود الإيرانيين لم يملكوا جوازات سفر سارية المفعول. كذلك، واجه الموساد صعوبة أيضاً في ما يتعلق بعائلات أحد أفرادها من الشبان في جيل الخدمة العسكرية الإجبارية. عندها «أدار الموساد صناعة لتزييف جوازات السفر والمستندات في إيران». فقد أنتجت هذه الصناعة جوازات سفر لمن لم يمتلك واحداً، وتمّ تصغير جيل الشبان الملزمين بالخدمة العسكرية بعام أو اثنين ليتمكنوا من السفر من دون إجبارهم على البقاء في إيران لإتمام الخدمة العسكرية. ومنح كل المهاجرين شهادات موقعة من حاخام اليهود في إيران، لينال هؤلاء جنسيات في إسرائيل وتسجيلهم مواطنين.
مع بداية الحملة، كان اليهود يسافرون من إيران إلى اوروبا. كان الضابط «ج» التابع للموساد، يلتقيهم في اليونان، ويرتب نقلهم إلى إسرائيل. ورعى غيفن كل الرحلات الجوية، بحيث أقلعت ثلاث رحلات أسبوعياً غالبية مسافريها من اليهود، من مطار طهران. كان «الموساد» يركز اليهود في مناطق خفية وفنادق في العاصمة الإيرانية، ومن بعدها ينقلون إلى المطار.
خلال تلك الفترة، كان غيفن على اتصال دائم مع الضابط «ج»، الموجود في أوروبا. قبل كل رحلة، يكتب له غيفن: «غداً سأبعث لك 50 كتاباً للقراءة». أي إنه سيرسل له 50 يهودياً من إيران وعليه ترتيب أمورهم.

موت الكنيان

خلال تلك الفترة، روى أحد ضباط «الموساد» الإسرائيلي لبرغمان أنه التقى في طهران أحد أغنياء اليهود يدعى حبيب الكنيان، الذي كان قد سافر قبل أشهر من بداية الحملة إلى إسرائيل برفقة خمسة من يهود إيران. التقى هؤلاء سراً برئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن لبحث موضوع يهود إيران.
النظام الإيراني علم باللقاء، واعتقل الكنيان مع مقاول مسلم يدعى علي حورم. وحكم على الكنيان بالإعدام بتهمة «الخيانة لمصلحة إسرائيل وإدارته حملة تبرعات ضد الشعب الفسلطيني». ونفذ حكم الإعدام في شهر أيار 1979. وأشار برغمان إلى أنَّ قضية الكنيان فتحت العيون على اليهود واعتُقِل عدد منهم بتهمة التعاون مع إسرائيل.
إلى جانب هذا، سارت حملة «الموساد» خلال أشهر بطريقة سليمة لم يتوقعها أحد. ويروي غيفن في الكتاب أنه ذات يوم، كان من المفروض أن تنطلق رحلة جوية غالبية ركابها من يهود إيران في طريقهم إلى محطة ثانية، ومن ثم إلى إسرائيل. قبل إقلاع الطائرة بدقائق، تبين أن عائلتين يهوديتين تاهتا في الطريق إلى المطار وتأخرتا عن موعد إقلاع الطائرة. فهم غيفن أنَّ شيئاً لن يسير على ما يرام، اتجه إلى المسؤول وطلب منه تأخير موعد الإقلاع إلى حين وصول العائلتين. لكن الركاب «العاديين»، بعد انتظارهم طويلاً اشتكوا من عدم إقلاع الطائرة، وتوجهوا إلى غيفن لسؤاله عن التأخير، معتقدين أنه المسؤول هناك.
كان المشهد يدور أثناء وجود ممثل عن مكتب رئيس الحكومة الإيرانية على إحدى شرف المطار، عندها توجه إلى غيفن وقال له مستهزئاً: «أفهم أنك مسؤول كبير هنا». لم يقتنع المسؤول بروايات غيفن وأخذه إلى التحقيق. طلب المحققون من غيفن أن يحدثهم عن علاقته السابقة بشركة «العال». وذكرّه المحققون أيضاً بأنه «في زمن الإضراب في المطار ضد نظام الشاه، أضرب الجميع ما عدا شركة العال»، التي جلبت أيضاً طاقماً كبيراً من إسرائيل يضم عمال نظافة من أجل العمل كالمعتاد وعدم الانصياع للإضراب.
كان غيفن متفقاً مع والد زوجته، على أنه إذا لم يتصل به في ساعة معينة من اليوم، فعليه أن يتجه إلى بيته ويخلي كل شيء متعلق بهجرة اليهود إلى إسرائيل.
بعد ساعات من تفريغ البيت دخلت الاستخبارات الإيرانية بيت غيفن ولم تجد شيئاً. لكن الإيرانيين فتشوا الطائرة التي كان عليها مرة أخرى ووجدوا جوازات سفر مزيفة وكميات كبيرة من النقود والذهب. وقال أحد المحققين لغيفن: «انظر ماذا يصدِّرون لإسرائيل من أجل شراء أسلحة ضد إخوتنا العرب»، فردَّ عليه غيفن: «لا شأن لي، ولا أعرف ماذا تريدون مني أصلاً».
نقل غيفن إلى السجن، حيث جرى التحقيق معه كثيراً. وفتش الإيرانيون المقر السابق للوكالة اليهودية حيث وجدوا مستندات موقعة من غيفن عن شبيبة سافرت إلى إسرائيل، ما قاد الإيرانيين إلى اتهامه بأنه ينظم «معسكرات تدريب» للشبان في إسرائيل.
ويروي غيفن في الكتاب أن المؤسسات الإيرانية كانت قيد البناء في ذلك الحين، وفي إحدى التحقيقات، جاء ضابط إيراني كان على علاقة بغيفن، وأفهمه أن الإيرانيين المسؤولين يريدون مالاً في مقابل تحريره. عندها توجه الضابط الإيراني إلى والد زوجة غيفن، الذي دفع ما يقارب 150 ألف دولار.
وقال غيفن إنه بعد هذه القضية بدأ بالتفتيش عن مسار ثالث لتهريب اليهود، واتفق مع شركات طيران أوروبية على نقلهم. كانت الرحلات تسير ثلاث مرات أسبوعياً عن طريق «دولة ثالثة».
في نيسان من عام 1980، وصلت إلى الموساد معلومات عن أن هناك محاولات لوقف الهجرة اليهودية إلى إسرائيل. كان هناك خطر على حياة غيفن، إلا أن صديقه الضابط الإيراني ساعده في الهروب من إيران وعدم العودة اليها. إلا أن غيفن عاد مرة أخرى رغم الخطورة.

الحرب الإيرانية ــ العراقية

عندما اندلعت الحرب الإيرانية ـــــ العراقية، باتت الهجرة اليهودية صعبة للغاية. كل الممرات أغلقت. وبحسب الكتاب، وصلت معلومات إلى «الموساد» تقول إن يهوداً إيرانيين نسقوا هجرتهم مع مهربين عند الحدود الإيرانية ـــــ التركية، فتدخّل لتنسيق العمليات، إلا أن الطريق كانت معقّدة، ما أدى إلى موت عدد من اليهود.
تركز الهروب من الحدود الإيرانية ـــــ التركية إلى اذربيجان. وجاء في الكتاب أنَّ الموساد استدعى عدداً من المهربين الأكراد والإيرانيين إلى إسرائيل للتنسيق معهم. وقال أحد رجال وحدة «بيتسور» إن شقيق مسؤول في الأمن الإيراني تعاون مع «الموساد»، وكان يهرب الناس عن طريق البحر، من جنوب إيران إلى أبو ظبي.




مهدي السيد

«حرب عقول» إسرائيلية ـ إيرانية

توقفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، عند ما وصفته بـ«حرب العقول»، بين إيران وإسرائيل، والتي قالت إنها بلغت مرحلة الزخم في إدارة أجهزة استخبارات الدولتين اللتين تسعيان إلى تجنيد من يتكلم لغة الآخر.
وبحسب الصحيفة، فإنه في الوقت الذي تُنشر في إسرائيل إعلانات باسم «مؤسسة رسمية» تبحث عن «ناطقين بالفارسية لمنصب مشوّق ومليء بالتحدي» ، تضاعف إيران جهودها لتجنيد الناطقين بالعبرية.
وإذ كشفت الصحيفة النقاب عن أن الجهة الرسمية الإسرائيلية التي تطلب متحدثين باللغة الفارسية ليست سوى جهاز «الموساد»، ربطت بين هذه الدعوة واعتبار إيران «الخطر الاستراتيجي الأساسي» الذي تواجهه إسرائيل، وبين تطور البرنامج النووي الإيراني.
في المقابل، ادّعت الصحيفة أن إيران بحاجة إلى الناطقين بالعبرية للعمل، مترجمين، ورجال استخبارات، وفي منظومة الدعاية ضد إسرائيل، وأنه لهذه الغاية يتوجه الإيرانيون أساساً إلى العرب الناطقين بالعبرية، ولا سيما الفلسطينيين.
وادّعت «يديعوت»، في تقريرها الذي أعدّه اثنان من أبرز محلّليها للشؤون الأمنية والعسكرية، أليكس فيشمان ورونين برغمان، أن حزب الله هو من يتولى عملية تجنيد الناطقين بالعبرية، وأن إيران وسّعت، خلال السنوات الست الماضية، كثيراً نشاط «مركز الثقافة وتعليم الإسلام» العامل في سفارتها في لبنان، حيث يتعلم عناصر حزب الله اللغة العبرية.
وربطت الصحيفة بين نشاط هذا المركز وتأهيل حزب الله، بمعونة فلسطينيين، مجموعة كبيرة من المقاتلين الذين كُلّفوا بالتنصت على شبكات الاتصال، وأجهزة الاتصال والهواتف الإسرائيلية، بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات عن «العدو الصهيوني».
وأضافت «يديعوت»، إن الناطقين بالعبرية، شغّلوا أثناء حرب لبنان الثانية هؤلاء الأشخاص في جهاز الاستخبارات المتطور لحزب الله، حيث تنصّت «خريجو» الدروس العبرية، لحساب السفارة الإيرانية، على شبكات اللاسلكي غير المشفّرة للجيش الإسرائيلي، كما التقط حزب الله اتصالات عبر أجهزة الاتصال المدنية، التي يستخدمها الضباط في أثناء الحرب، وتابع المعلومات عن نشاط الجيش الإسرائيلي الذي يُنشر في الإنترنت ووسائل الإعلام الإسرائيلية.
وعن المصدر الذي أتاح للإسرائيليين الاطلاع على هذه المعلومات، قالت الصحيفة إنه تمت معرفة هذه القدرات بعدما وُجد في بنت جبيل، وغيرها من الأماكن، غرف تنصت ومراقبة استخدمها حزب الله. وقد افترضت أوساط الجيش الإسرائيلي، بحسب الصحيفة، أن حزب الله تنصّت أيضاً على الاتصال الخلوي غير المشفّر للجيش، دون وجود أدلة مباشرة على مثل هذا التنصت.
وتوقفت الصحيفة عند القدرات الاستخبارية التي حققها حزب الله، ورأت أنها أفضل بكثير من القدرات الاستخبارية التي حققتها معظم منظمات حرب العصابات على مدى التاريخ.
وفي السياق، وصف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمس، بأنه «أضحوكة»، ورأى أنه «يعبد القنبلة (النووية) أكثر من عبادته لله».
ورأى بيريز، في مقابلة إذاعية، أن «جبهة موحدة يشكلها المجتمع الدولي، قد تمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية». وقال إن أحمدي نجاد «أضحوكة لا يمكن تصديقها»، مضيفاً إن الرئيس الإيراني «يدّعي أنه متديّن». وتابع: «انطباعي أن القنبلة النووية في نظره أسمى من الله».
وختم بيريز بالقول، إن إيران تعاني نسباً عالية من البطالة والتضخم. وأضاف: «كل الاهتمام منصرف إلى القنبلة، ولكن الناس لا يستطيعون العيش على قنبلة».