معاريف ــ عامير ربابورت
تنبع الاستعدادات للحرب في كلٍّ من إسرائيل وسوريا من تقدير أنها في النهاية ستتحقق، رغم أنه ليس لأيٍّ من الطرفين مصلحة حقيقية في الحرب المقتربة. إذا لم تغيّر إسرائيل سياستها في الحال، فستُسفك الكثير من الدماء عبثاً. وإذا لا سمح الله تحقق هذا السيناريو الفظيع، فإن لجنة التحقيق التي ستُقام بعد الحرب المقبلة ستشير بسهولة إلى أخطاء في السلوك الإسرائيلي اليوم، هي أخطر من الإخفاقات في إدارة الحرب مع حزب الله الصيف الماضي.
من ناحية إيجابية وسلبية، سوريا ليست نسخة عن العدو المعروف، حزب الله. ففي الطرف المقابل من الحدود هناك نظام مستقر نسبياً يمكن إتمام صفقة معه. وفي حال وقوع حرب، فإن لهذا النظام الكثير ليخسره، على رأسه أصل وجوده. إسرائيل ستهاجم بُنىً تحتية، ويمكن افتراض أن نظام بشار الأسد ـــــ القائم على الأقلية العلوية ـــــ لن يصمد. بيد أن هذا التطور يمكن أن يقود أيضاً إلى تطور سلبي، إذ من الممكن أن يحل مكان نظام الأسد نظام إسلامي متطرف، سيعزز الحلف، القائم أصلاً، مع إيران. على أية حال، الخطر الأكبر في حال نشوب حرب مع سوريا ينبع من مخزون السلاح الضخم لديها ـــــ وهو أكبر من الموجود لدى حزب الله بمرات عديدة. يمكن أن يطلق السوريون آلاف الصواريخ نحو كل أنحاء البلاد، وليس فقط نحو الشمال. الحرب معهم ستكون قصة مغايرة تماماً لحرب لبنان الثانية.
الديناميكية التي تقود إلى حربٍ مع سوريا بدأت بعد وقتٍ قصير من انتهاء حرب لبنان الثانية. الرئيس السوري بشار الأسد دعا حينها إلى محادثات سلام مع إسرائيل، وفي موازاة ذلك لوّح بالحرب إذا لم يعد الجولان إليه بطرق سلمية. وقد تم تحليل كلام الأسد في أجهزة الاستخبارات في إسرائيل في ثلاث مقاربات مختلفة. من جهة، هناك رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات، العميد يوسي بايدتس، الذي يعتقد أن نيات الأسد السلمية حقيقية تماماً. ومن جهة أخرى، هناك رئيس الموساد مئير داغان، وهو على اقتناع تام بأن الأسد أعد خدعة وأنه يُحظر على إسرائيل الانجرار إلى محادثات تهدف سلفاً إلى تخفيف الضغط الدولي عنه. وبين هذين القطبين، هناك رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش، اللواء عاموس يدلين، الذي يوصي منذ أشهر طويلة بإجراء محادثات سلام مع السوريين، ولو انطلاقاً من وجود احتمال، غير راجح برأيه، بصدق النيات السورية.
الإخفاق الأكبر ناجم، من دون صلة بهذه المقاربات الثلاث، عن كون أن من يقرر مسألة بدء محادثات سلام مع السوريين هي الولايات المتحدة، لا إسرائيل. التنسيق مع الولايات المتحدة، الذي كان، بحق، يشكل مرتكزاً أساسياً في سياسات إسرائيل على مدى عشرات السنين، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى قضية مقدسة لا يُعترض عليها، بل لا تخضع حتى للتأمل، إلى حد أن إسرائيل حوّلت نفسها إلى تابع بائس للسياسة الأميركية. للولايات المتحدة أسبابها المتصلة أساساً بمحاسبة السوريين على دعمهم لأعدائها في العراق، لذلك لم تمنح إلى الآن إسرائيل الضوء الأخضر لإجراء مفاوضات مع سوريا. وفي غضون ذلك، ينهمك الطرفان في الاستعداد لحرب، مثلما تبين أمس في كلام رئيس أمان يدلين ورئيس الأركان (غابي) أشكينازي.
موعد انتهاء الاستعدادات بالنسبة إلى الطرفين هو الصيف المقبل. وهذا لا يعني أن الحرب ستندلع حينها، بل يمكن الافتراض أنها ليست قريبة إلى هذا الحد. لكن إذا ما استمرت ديناميكية التصعيد، فإن الحرب ستأتي عاجلاً أو آجلاً. الطريق الوحيدة لمنع حصولها معروفة سلفاً، هي الاستجابة لدعوة السوريين إلى التحادث معهم. وإذا ما اندلعت الحرب فعلاً مع سوريا، من دون تحري سبيل السلام قبل ذلك، فإن عجز القيادة الإسرائيلية لن يُغتفر.