strong>مهدي السيد
استحوذ الموضوع السوري على اهتمام أبرز المعلّقين الإسرائيليين، فكان محور ملاحق نهاية الأسبوع، الذي كان «سورياً» بامتياز في الصحافة العبرية، التي عكست في تحليلاتها خشية اسرائيلية واضحة من مغبة اندلاع حرب مع سوريا، في ضوء عملية «التعاظم» الكبيرة التي يخضع لها الجيش السوري، في مقابل حال الإرباك التي تعمّ القيادة الإسرائيلية

  • سوريا تزداد قوة وتستعد للحظة «الحسم»
  • فيما حكومة أولمرت تقاتل في سبيل البقاء

    أجرى المحلّل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، مقارنة للأوضاع بين سوريا واسرائيل خلال العقد الأخير، معتبراً أن الأمور انقلبت، إذ إنه بينما كانت دمشق تخاف عام 1996 من سوء الفهم بين الدولتين وتخشى الحرب، أصبحت تل أبيب هي المذعورة اليوم من التحركات السورية وإمكان قيام دمشق بشن الحرب عليها.
    وربط بين كسبيت بين حقيقة المعادلة الجديدة وبين تطورات المنطقة كلها التي «تنهار على رأس قادتها»، فأشار إلى أن «العراق يشتعل، وايران توسّع من هيمنتها، وحزب الله يهدد لبنان، والقاعدة تقاتل الجيش اللبناني من داخل مخيمات اللاجئين، والأردن خائف مذعور، ومصر مضطربة مبلبلة، والسعودية مشلولة من الرعب، وإمارات الخليج بدأت العد التنازلي لنهايتها».
    وأضاف كسبيت إنه «من الناحية الأخرى سوريا تشعر بعزلتها، وموجودة في حالة ضغط. لقد طورت جيشها في السنة الأخيرة بصورة دراماتيكية. إيران تحوّلت الى ركيزتها الاستراتيجية. وللمرة الأولى منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، يشعر النظام العلوي في سوريا بأن لديه حلاً وركيزة وأن هناك من يُعتمد عليه في طهران التي ستصبح بعد حين دولة نووية عظمى».
    وانتقل كسبيت للحديث عن التغييرات التي طرأت على الجيش السوري، والتي تثير الذعر في اسرائيل، فذكر بأنه «حتى فترة غير بعيدة كان الجيش السوري مدفوناً تحت جبال الغبار في بطون السبعينيات. تكنولوجيا متقادمة ودبابات صدئة وسلاح جو مرابط على الأرض وأسلحة عفى عليها الزمن، وفجأةً، انبلج ضوء كبير». هذا الضوء انبلج، بحسب كسبيت، لأن «ايران حوّلت المليارات، النفط الذي استُخرج بكميات كبيرة في سوريا يملأ الخزينة، والآن روسيا عادت لأداء دور الاتحاد السوفياتي وحوّلت الى (الرئيس السوري بشار) الأسد ما هو جيد من ترسانتها. أضف إلى ذلك، أنه من الناحية التكنولوجية، نفّذ الجيش السوري قفزة كبيرة الى الأمام». على هذا الأساس، يرى كسبيت أنه «في حالة اندلاع الحرب ستكون هذه حرباً ضارية صعبة».
    وعلى الرغم من تأكيد كسبيت على ثقة قادة الجيش الإسرائيلي بتحقيق النصر ضد سوريا، إلا أنه يرى أن المسألة تتعلق بالثمن الذي سيُدفع وبالمبرّر والجدوى. ويقول كسبيت إنه قد تنتهي الحرب والجيش الإسرائيلي على بوابات دمشق. لكن «ما الذي سنربحه من ذلك؟ قد يسقط النظام السوري فتأتي القاعدة مكانه، وتصبح موجودة على حدودنا، فيزداد بنا الحنين (مثلما نحن اليوم إلى ياسر عرفات). اسرائيل كلها ستتعرّض للقصف والدمار، والاقتصاد سيصبح مشلولاً متزعزعاً، والنظام الأردني سيتأرجح في مكانه، وحماس ستطلق صواريخها على عسقلان، وربما «ما بعد بعد» عسقلان، وحزب الله سيصل الى النقب، والجهات المتطرفة في عرب اسرائيل قد تُشعل وادي عارة، وقد يستخدم الفلسطينيون تكنولوجيا القسّام في شمال الضفة».
    ويتندّر كسبيت على الأيام الخوالي التي كانت إسرائيل فيها تُعدّ «البلطجي الذي لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه أو يخاف من رد فعله الصعب، والذي يرد في الوقت والمكان الملائمين. اليوم أصبح الجميع قادرين على إلحاق الأذى بعضهم ببعض في كل زمان ومكان. هذا الأمر ينطبق على أميركا الكبرى، وينطبق علينا أيضاً».
    ويتابع كسبيت قائلاً «حتى ما قبل عام، كان الدخول في المفاوضات مع سوريا بسيطاً نسبياً. لكننا كنا أقوياء في ذلك الحين. في هذه الأثناء، اندلعت حرب لبنان الثانية. والآن أصبحنا ضعفاء. السوريون يشعرون فجأة بثقة عالية بالنفس، والسبب هو ما فعله حزب الله بالجيش الإسرائيلي. لديهم سيناريوهات وهم يتدربون عليها، ويُنعشون الخطط. فجأةً أصبحوا يشاهدون كيف يقوم الجيش الإسرائيلي كله بالتدرب ونفض الغبار عن نفسه، وكيف يتوجّه الجيش النظامي لإجراء المناورات في هضبة الجولان ــــــ الأمر الذي يتسبّب بشعورهم بالتوتر».
    وتطرّق كسبيت إلى السيناريوهات المحتملة فأشار إلى أنه «وفقاً لأحد السيناريوهات السورية، ستقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فتستغلّ إسرائيل الفرصة لتنفيذ هجمة على دمشق. من الناحية الأخرى هناك سيناريو معاكس حيث تقوم أميركا بضرب إيران، فيقوم (الرئيس محمود) أحمدي نجاد بتحريك كل الجوقة ضد إسرائيل. إيران تقوم بتدمير دول الخليج بصواريخها بينما تقوم سوريا وحزب الله وحماس بقذف كل ترساناتها على تل ابيب وتنفيذ هجمة في الجولان. لكل واحد سيناريوهاته».
    ولم ينسَ كسبيت وصف حالة القيادة الإسرائيلية الحالية، التي تعيش «حالة فزع» لأن «رياح الحرب تهب في وجهها مباشرة. هذا الوجه الذي كان قد تلقّى حماماً بارداً في لبنان ومن ثم من لجنة فينوغراد»، وهو ما دفع ايهود اولمرت «ليُرسل مبعوثيه على عجل» وخاصة أنه «في حالة إرباك. فهو لا يعرف اذا كانت الصفقة مع السوريين ما زالت ممكنة. الأمر المؤكد أن الثمن قد ارتفع. لو أنه كان أقل غطرسة قبل عام، لسارت الأمور بشكل آخر تماماً، وكذلك الحال مع الحرب. فما العمل الآن؟».
    ويحاول كسبيت تقديم مخرج وحلّ لهذه المعضلة، مشيراً إلى أن كل ما يتعين على أولمرت فعله هو «أن يتفضّل ويقف فوق منصة الكنيست داعياً الأسد الى لقاء فوري من دون شروط مسبّقة. عليه أن يقول إنه يعرف التسعيرة السورية للسلام، ويقوم بتعريف الأسد بالتسعيرة الإسرائيلية، يمد له يده بصورة واضحة، وشجاعة وقاطعة من أجل التوصل الى السلام مع سوريا. لا يمكن إسرائيل أن تسمح لنفسها في أي وقت من الأوقات، حتى عندما تكون قوية، بأن ترفض السلام. هذا ما فعلته اسرائيل في السنوات الأخيرة، والآن تدفع الثمن عن ذلك. قد لا تنضج المفاوضات أو لن تنجح، وقد تقودنا نحو الحرب تحديداً. لكن التجربة ضرورية ولا مناص منها».
    وإذا يرى كسبيت أن «هذا هو دور القيادة»، يلفت إلى أن «اسرائيل لا تملك قيادة حقيقية في هذه الأيام الجنونية. فالقيادة تتعرض للتحقيق والتفتيش وتكافح من اجل بقائها، ولذلك من المهم لها أكثر أن تجتاز جسر فينوغراد 2، أو أن تتوج شمعون بيريز رئيساً، أو أن تحافظ على ائتلافها».
    بدوره، قال المحلل الرئيسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برناع، إنه «ليس من الجيد أن يتذكر الجيش الاسرائيلي فجأة في بداية الصيف أن السوريين يتزوّدون بالأسلحة ويتحصّنون على حدود هضبة الجولان» ، محذراً من أنه «اذا تواصلت القطيعة السياسية فقد تنشب الحرب خلال هذا الصيف».
    وأضاف برناع «في الجيش الاسرائيلي يرون البلدوزرات التي تُعد الخنادق والمواقع المحصنة في الشطر السوري من الهضبة. يرون إرساليات السلاح من روسيا وايران التي تُثري الترسانة السورية في مواجهة اسرائيل، والأسلحة السورية التي تمر عبر الحدود اللبنانية. الأسد يستعد للحرب»، التي ستكون، إذا نشبت، على ثلاث جبهات: «حزب الله من لبنان، وايران ستساعد من ناحيتها. هذا السيناريو التشاؤمي بالطبع. الجيش الاسرائيلي تعلّم دروس حرب لبنان الثانية، ودروس تقرير فينوغراد، ولذلك لم يعد يُقدِم على المخاطرة».
    وتطرق برناع إلى هدف التحضيرات للحرب، فرأى أنها «ترمي الى إجبار اسرائيل على التفاوض»، معتبراً «أن هذه ليست خدعة، ذلك أن السوريين يقولون ذلك علانية مراراً وتكراراً، وهذا ما دفع كبار الضباط في الجيش الاسرائيلي إلى إبداء استغرابهم من عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على الرد بصورة ايجابية».
    وتوقف برناع عند مزايا السلام بين سوريا واسرائيل، فأشار إلى أنه «قد يُخرج سوريا من الدائرة الايرانية ويُقرّبها من المحور السني المعتدل. وهذه البشارة ستكون أكثر أهمية اذا وصلت ايران الى القدرة النووية. أما حزب الله، فمن دون رعاية سوريا، سيعود (أمينه العام حسن) نصر الله الى حجمه الطبيعي. وإبعاد التنظيمات الارهابية من دمشق، اسرائيل ستكسب أرباحا جانبية اضافية من الاتفاق مع سورياً»، لكن لهذه المزايا ثمن وهو «معروف واضح: كل هضبة الجولان. الأسد الابن لن يتنازل عما رفض والده التنازل عنه. وهناك ايضاً أسعار: رفع المقاطعة الدولية التي فرضها (الرئيس جورج) بوش عن سوريا، وإضعاف حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة في لبنان، وإهمال الموضوع الفلسطيني».
    كما أنه ستكون للأمر تداعيات على الحلبة الداخلية، لأن «أفيغدور ليبرمان قد يستقيل من الحكومة، وإن فعل فستخرج شاس من بعده، واولمرت سيدفع رأسه ثمناً لمفاوضات لم تبدأ بعد». لذلك، يضيف برناع، لا يرون من ديوان رئاسة الوزراء ما يراه قادة الجيش. فـ«اولمرت في حيرة من أمره، هو يشك في السوريين، و في أن كل ما يريدونه في الواقع هو الخلاص من دون عقوبة على قتل (الرئيس رفيق) الحريري. هو يخشى من سوء فهم سوري يصل الى حد اندلاع الحرب. هذا ما حدث قبل أربعين عاماً بالضبط عشية حرب حزيران».
    في السياق ذاته، رأى مراسل الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية «تنظر منذ اشهر بترقب الى ما وراء التلة. هناك حيث تقع مدينة دمشق وحيث تحدث المجريات التي يمكن اجمالها بعنوان واحد: عام الحسم. فالسوريون اتّخذوا قرارهم: بدءاً من صيف 2007 يبدأ بالنسبة إليهم العد التنازلي للوراء. نهاية الوضع القائم: إما التسوية وإما الحرب».
    ومع تأكيد فيشمان أن «بشار الأسد لا يتحدث عن عام الحسم بصورة علنية. لكن فعلياً هو يفعل بالضبط ما قام به السادات: يبني قوة ويُعد خطة ويُجهز الرأي العام. وعندما تحين اللحظة السانحة سيقوم ببناء الخدعة. واذا تواصل الوضع القائم فسيحدد اذا كان ومتى سيحطم قواعد اللعبة».